إسرائيل "قرية روسية" في رعاية الكرملين

إسرائيل "قرية روسية" في رعاية الكرملين

23 يوليو 2014
موالون لاسرائيل وعدوانها في موسكو (أولغا مالتسيفا/فرانس برس/getty)
+ الخط -

تعيش العلاقات الروسية الإسرائيلية أبهى حالاتها في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مختلف المستويات، الرسمي والشخصي، ومن جوانب مختلفة، اقتصادية وعلمية تكنولوجية واجتماعية وعسكرية وأمنية؛ فثمة خط أمني ساخن بين الكرملين وتل أبيب. وإسرائيل في دائرة الرعاية الروسية، والتفهم حتى لما ترتكبه من مجازر بحق الفلسطينيين. 

روسيا، بدورها، هي أيضاً، في دائرة الرعاية الإسرائيلية وتفهم سياساتها في القوقاز والقرم وأوكرانيا عموماً. ولذلك لا يبدو غريباً أن يكون يمينيون متطرفون إسرائيليون من أكثر المدافعين عن سياسة روسيا في سورية وأوكرانيا، ليصل الأمر بأحدهم، وهو مدير معهد الشرق الأوسط في موسكو، يفغيني ساتانوفسكي، إلى المطالبة بقصف الرياض والدوحة وأنقرة لحل المسألة السورية.

وقال ساتانوفسكي في مقابلة أجراها معه موقع "روسيا ما وراء العناوين": "لا شيء أغبى من تدمير بلد مستقر لمصلحة الإرهابيين الإسلاميين. إن أسرع وأنجع قرار لإيقافها (أي الحرب في سورية) هو قصف الدوحة والرياض وأنقرة".

وها هو الكاتب الصحافي الإسرائيلي اليميني الصهيوني المتطرف، أفيغدور أكسين، المعروف بموالاته لروسيا، يساند، في المقابل، السياسة الروسية في أوكرانيا ويهاجم منتقديها.

وفي وقت كان فيه اللوبي اليهودي في الصحافة الروسية يعدّ محركاً أساسيا لمعارضة بوتين، كما يرى قطسنطين دوشينوف، في موقع "روسكايا نارودنايا لينيا"، لا يعلق اليوم فقط، الحديث عن أي نشاط روسي داخلي معارض، إنما يتيح الهواء أمام من يدعم الكرملين في سياساته الداخلية والخارجية. وهنا تأتي دلالة الموقف الإسرائيلي من ضم القرم وعدم الإدلاء بأي تصريح يسيء إلى روسيا، وبالتالي الدور الإسرائيلي في جعل الحملة الإعلامية العالمية لا تأخذ الأبعاد المتوقعة ضدّ بوتين.

 واللافت أن موقف إذاعة "صدى موسكو"، التي اشتهرت بمعارضتها لروسيا بوتين، ركزت على تغطية سياسة بوتين في أوكرانيا، من قنوات أخرى معروفة بموالاتها للرئيس الروسي. وبان ذلك بوضوح على خلفية تغطية قضية الملياردير إيغور كولومويسكي المعادي لبوتين، وفضيحة الاتصالات الهاتفية التي تضع كولومويسكي في موقف المتهم جدّياً في محرقة دار النقابات في أوديسا، وتبرؤ إسرائيل منه على لسان قنصلها، وإعطاء توجيهات لإنكاره داخل المنظمات اليهودية العالمية؛ فهل يريد بوتين أكثر من سكوت الإعلام المملوك والمتحكم به صهيونياً عن سياسات الكرملين غير المرضى عنها في الغرب؟ ولكن ما هو المقابل؟

منذ مجيء بوتين إلى الحكم، عبر اتفاق أمني (ربما فُرض على الرئيس السابق بوريس يلتسين)، عرف كيف ينجز الخطوة الأولى الأهم، التي كان لا بد منها لتوطيد حكمه، وهي القضاء على ما يسمى بعائلة يلتسين الأوليغارشية، المتهمة بإفقار الشعب الروسي، وغالبيتها العظمى من اليهود، وكثير منهم من حملة الجنسية الإسرائيلية.

وفي النتيجة، لجأ رجل الأعمال اليهودي بوريس بيريزوفسكي إلى بريطانيا، إلى أن مات في ظروف غامضة. وخرج رومان أبراموفيتش من السياسة، وسجن ميخائيل خودركوفسكي سنوات طويلة إلى أن عفا بوتين عنه بشرط عدم ممارسة السياسة، وشوهت صورة بوريس نيمتسوف حتى لم يعد يعني شيئاً في السياسة الروسية. ولجأ فلاديمير غوسينسكي إلى إسرائيل، ولم يبق إلا أناتولي تشوبايس، الذي عرف كيف يتحول من عائلة يلتسين إلى عائلة بوتين، مدعوماً من مصرفيين ومديري أعمال عالميين كبار. تصفية العائلة، لم تفسد علاقات بوتين بإسرائيل، ولم تجعل دوائرها تتهمه باللاسامية. 

بعد الخطوة الأولى الواثقة، عرف بوتين كيف ينجز خطوته التالية عبر حملة الشيشان الثانية الموسومة بمكافحة الإرهاب (الإسلامي). مهّدت، لحملة الشيشان الثانية، عملية تفجير مبنيين سكنيين في موسكو في 8 و13 سبتمبر/أيلول 1999، وقع ضحية الانفجار الأول 100 شخص، و124 شخص كانوا ضحية الانفجار الثاني. وأُثير الحديث في حينها في الأوساط الإعلامية المعارضة عن تدبير التفجيرين لتبرير حملة بوتين في الشيشان.

وفي 30 سبتمبر/أيلول، بدأت العملية العسكرية في الشيشان. وفي حين حاول الغرب تحقيق هدفين بحجر واحد: إرضاء المسلمين عبر التظاهر بالدفاع عن الشيشان، وتعرية النزعة القومية التي يعزّزها بوتين أساساً لحكمه، وكثيراً ما تكرر أثناءها الحديث عن "روس أصليين" على لسان بوتين نفسه، راحت إسرائيل توازي بين إرهاب تتعرض له وإرهاب مشابه تتعرض له روسيا، محولة قضية مقاومة الاحتلال إلى نشاط إرهابي على موسكو أن تقف ضده من دون مواربة. وعرفت تل أبيب كيف تجدل مع موسكو حبل مكافحة الإرهاب (الإسلامي) بقطبة مميتة، هنا وقطبة مميتة هناك، وتشدّ وثاق الأخيرة إليها.

زار بوتين إسرائيل مرتين؛ الأولى عام 2005، والثانية في 25 يونيو/حزيران، 2012، بصحبة وفد كبير من مسؤولين ورجال أعمال ضم 350 شخصية، كما زارها ديمتري مدفيديف رئيساً في 2010. وجرت الزيارات الثلاث في جو صداقة ودي، نادراً ما يسود العلاقات الرسمية بين البلدين، حتى بدت إسرائيل "قرية" روسية، بل منتجعاً روسياً على شاطئ المتوسط، يجب الاستثمار في استقراره وأمانه. ولذلك، فقد لا يكون مهماً التوقف عند ارتداء بوتين للقبعة اليهودية وصلاته عند حائط المبكى في زيارته الأولى، وقبوله الظهور أمام الكاميرات في لقطة غير بروتوكولية يصافح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الجالس على كرسيه دون أن يتزحزح الثاني من مكانه؛ فقدم الرجل كانت توجعه، غير أن الصداقة هي الشيء الوحيد الذي يسوغ لبوتين المعتد بنفسه قبول حالة كهذه تحت الأضواء. 

  

الواقع يشير إلى تقارب روسي إسرائيلي يتجاوز المصالح المباشرة في السلاح والتقنيات الحديثة والغاز المستقبلي. إسرائيل تنتقل إلى الرعاية الروسية، وروسيا ستكون أكثر حرصاً عليها من الولايات المتحدة، وأكثر قرباً منها كلما ازدادت عزلة موسكو دولياً. وربما يأتي يوم يبدو فيه الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية أكثر توازناً من الموقف الروسي، فيما لو استمر النهج "البوتيني" في السياسة الخارجية المسماة براغماتية. اللافت أن الرأي العام الروسي تراجع من التعاطف مع القضية الفلسطينية نحو تفهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام (إرهاب) إسلامي، وقد ساعد على غسل أدمغة الروس إعلام عالمي حول ثورات الربيع العربي، إلى قتال الإسلاميين لإقامة إماراتهم، مستغلين انتفاضات الشعوب نحو حقوقها المدنية. كيف سيكون موقف العرب حين تغفو الكرملين في حضن تل أبيب؟

المساهمون