قلق نتنياهو المصطنع: رسائل إلى الداخل والخارج

قلق نتنياهو المصطنع: رسائل إلى الداخل والخارج

21 أكتوبر 2014
يُنتظر أن يصعّد نتنياهو خطابه (سن اوزديل/الأناضول)
+ الخط -

عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي، إلى هوايته المفضلة، وهي صناعة القلق الوجودي على إسرائيل والتهويل من الأخطار الخارجية، وتحديداً هذه المرة الخطر الإيراني، في توقيت لا يحمل أي مبرر يدعو رئيس حكومة إلى إخافة "شعبه" من خطر الإبادة غير القائم، سوى في إطار محاولات الابتعاد والهروب من القضايا الداخلية إلى الخطر الخارجي. ويعتبر ذلك وصفة ممتازة لإسكات الخصوم وتوحيد "الشعب" وراء القيادة الوحيدة القادرة على إغضاب الكل، وفي مقدمهم الولايات المتحدة في سبيل حماية أمن "شعب إسرائيل" ومصالحه الأمنية.

وسوَّق نتنياهو نفسه قبل أسبوعين فقط كمن يرى أن واجبه الأساسي في منصبه هو حماية الشعب اليهودي من أي هولوكوست جديد، مستحضراً أساطير شمعون بار كوخبا لتبرير السطو على أراضي قرية بتير الفلسطينية ومدرجاتها التاريخية، بعد أن سماها بيتار. ويسعى نتنياهو إلى تنصيب نفسه ليس فقط رئيس حكومة يهمه أمن إسرائيل ومستقبل الشعب اليهودي، وإنما أيضاً لترسيخ ما يعتقده بداخله بأنه صاحب مهمة تاريخية لا تقل أهمية عن مهمة ديفيد بن غوريون نفسه، في نفوس الإسرائيليين ككل، عبر ابتداع تعابير واستخدام خطاب ديماغوجي لا يمت أحياناً للواقع بصلة، لضمان بقائه في مقدمة المشهد الإسرائيلي. وهو الخطاب نفسه الذي كان نتنياهو يستخدمه في مقارعة اليسار الإسرائيلي في عهد حكومة إسحاق رابين، عندما كان زعيماً للمعارضة، ولاحقاً بعد نجاحه في الوصول إلى رئاسة الحكومة. وهو خطاب، وباتفاق كثيرين من متابعي الشؤون الحزبية الإسرائيلية، يشكل أيضاً بديلاً لنتنياهو عن الحسم واتخاذ القرارات المصيرية.

وفي السياق نفسه، أعاد نتنياهو، أمس الأول، التحذير من احتمالات قيام الغرب والولايات المتحدة بتقديم تنازلات لإيران تجعلها دولة حافة نووية أكثر خطراً من "داعش". وكان نتنياهو لوّح في الشهر الأخير بورقة "داعش" كخطر على إسرائيل والغرب والعالم ووسيلة لضرب المقاومة الفلسطينية ووصمها بالإرهاب علّ الغرب يصنّف عدوانه على غزة في باب الحرب نفسه على "داعش".

لكن ومثلما خرج محللون وخبراء في إسرائيل دحضوا روايات نتنياهو بمساواة حركة "حماس" بـ"داعش"، وأظهروا ضعف خطر "داعش" على إسرائيل كونها لا تتصدر أولويات التنظيم، فقد لفت المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان، أمس الاثنين، إلى أن الحملة الجديدة التي بدأها نتنياهو، لا تتعدى كونها مناورة إعلامية من مناورات نتنياهو لا يوجد ما يبررها، ولا سيما أنه لا جديد على صعيد المفاوضات الإيرانية الغربية حول مشروع إيران النووي.

وأشار إلى أنه على الرغم من أن إيران والولايات المتحدة ترغبان فعلاً في التوصل إلى اتفاق، إلا أن الفجوات بين الطرفين لا تتيح التوصل إلى هذا الاتفاق؟ وبالتالي فإنه لتفادي فشل المفاوضات التي يفترض أن تنتهي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل فقد يتفق الطرفان على تمديد المفاوضات لأشهر عدة أو على الأقل إلى مطلع يناير/كانون الثاني المقبل.

على الرغم من ذلك، فإن هذا لا يعني أن نتنياهو سيكتفي بهذا القدر من محاولات الترهيب والتضخيم في موضوع إيران، بل يُنتظر أن يصعّد خطابه في الأيام المقبلة وصولاً إلى تخصيص حصة الأسد من البيان السياسي الذي يفترض أن يقدمه إلى الكنيست الأسبوع المقبل للملف الإيراني، مع القول مجدداً أنه على الرغم من عمق الصداقة والتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن ذلك لا يمنع الاختلاف في وجهات النظر. ولا يعني أيضاً أن تتنازل حكومة إسرائيل تحت قيادته عن مهمتها الأساسية، وهي ليس فقط ضمان أمن إسرائيل وإنما ضمان عدم تكرار الهولوكوست مجدداً.

وقد تكون تصريحات نتنياهو هذه ليست موجهة فقط للجمهور الإسرائيلي سعياً لتقزيم مشاكل غلاء المعيشة وأزمة الإسكان فقط، وإنما تتزامن مع الاستعدادات الأميركية المتصاعدة لانتخابات مجلسي النواب الأميركيين. وهو ما قد يجعل من تصريحات نتنياهو و"قلقه المصطنع على مستقبل إسرائيل والشعب اليهودي" سلاحاً آخر يزود به أنصاره الجمهوريين في واشنطن بمزيد من السهام لرشق الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والديمقراطيين بها، بعد أن بات نتنياهو وباعتراف صحف إسرائيلية يعتبر لاعباً في السياسة الداخلية الأميركية. وتحول تدخله أميركيّاً إلى منفذ له لمواجهة أوباما وردعه عن ممارسة ضغوط ثقيلة في السياق الفلسطيني.

وهي رسالة يوجهها نتنياهو أيضاً إلى الدول الأوروبية وإلى الطرف العربي والفلسطيني بأنه لا يمكن في ظل الخطر الإيراني "الداهم" الحديث عن إضاعة الوقت في مفاوضات وطروحات تسوية دائمة مع الفلسطينيين، لأن المرحلة الراهنة تقتضي في نهاية المطاف بناء وتعزيز المصلحة المشتركة بين دول الاعتدال العربي وبين إسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني الذي بات نتنياهو يلتفت أخيراً إلى أنه "خطر شيعي" يهدد "محور الدول السنية المعتدلة". وهو تعبير جديد أدخله نتنياهو إلى خطابه السياسي في الأشهر الأخير، بديلاً من التعبير الإسرائيلي السابق "الدول العربية المعتدلة.

 

المساهمون