رئاسيات البرازيل: المترددون يحسمون النتيجة

رئاسيات البرازيل: المترددون يحسمون النتيجة

23 أكتوبر 2014
يحظى نيفيز بدعم المستثمرين والنخب الاقتصاديّة (ياسويوشي شيبا/فران برس)
+ الخط -

يجد حزب العمّال البرازيلي نفسه، في الأيام القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسيّة، المقرّرة، يوم الأحد المقبل، وحيداً على الساحة السياسيّة، بعد تكتّل غالبية الأحزاب الرئيسيّة ضدّه، حتى تلك القريبة من اليسار التي كانت، حتى الأمس القديم، حليفته، في وقت تُظهر فيه استطلاعات الرأي الأخيرة، شبه تعادل في الأصوات بين مرشّح الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي، الاقتصادي المعروف إيسيو نيفيز، وبين الرئيسة المنتهية صلاحياتها، مرشّحة حزب العمّال ديلما روسيف.

وتتّبع روسيف الاستراتيجيّة ذاتها التي اتبعتها مع مرشحة الدورة الأولى، الناشطة البيئية مارينا سيلفا، إذ بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تقدّم خصمها نيفيز عليها بفارق نقاط عدّة الأسبوع الماضي، شنّـت حملة إعلاميّة شرسة ضدّه، ساهمت بعد مناظرتين تلفزيونيتين في تعديل الأصوات، بل تقدّمها بفارق نقطتين. ولم تتردّد روسيف في تذكير نيفيز بحادثة توقيفه، وهو يقود سيارته ثملاً، عام 2011، مؤكدة أنّها ما كانت لتفعل ذلك أبداً. وفي موازاة اعتراف نيفيز بالحادثة، مبديّاً اعتذاره، وصفها مراراً بالكاذبة، منتقداً سياساتها الاقتصادية.

ويُظهر آخر استطلاع رأي، أجراه معهد داتافولها البرازيلي لمصلحة شبكة "غلوبو" التلفزيونية، يوم الاثنين الماضي، حصول روسيف على 52 في المائة من أصوات الراغبين في الاقتراع، مقابل حصول نيفيز على 48 في المائة. أما على المستوى العام، فقد نالت روسيف 46 في المائة مقابل 43 في المائة لنيفيز، وقال 5 في المائة إنّهم سيصوّتون بورقة بيضاء، ولم يحسم 6 في المائة من البرازيليين خياراتهم بعد.

وفي استطلاع سابق، أجرته المؤسّسة الاحصائيّة الذائعة الصيت، قبل أسبوع، حصد نيفيز تأييد 45 في المائة من البرازيليين الراغبين في التصويت، فيما حصلت روسيف على 43 في المائة.

ويبيّن استطلاع ثانٍ أجرته شركة (أم.دي.آي) البرازيلية، يوم الاثنين الماضي، حصول روسيف على 50.5 في المائة من أصوات الراغبين في الاقتراع، مقابل 49.5 في المائة لمصلحة خصمها. وعلى الصعيد الإجمالي، فازت روسيف وفق الاستطلاع ذاته بـ45.5 في المائة من الأصوات، مقابل حصول نيفيز على 44.5 في المائة من الأصوات، في حين قال 5.7 في المائة من المستطلعين إنّهم سيدلون بورقة اقتراع بيضاء، ولم يحسم 4.3 في المائة خياراتهم بعد.

ويحاول المرشّحان الخصمان كسب أصوات الناخبين المترددين لترجيح الكفّة لمصلحة كلّ منهما، والذين يشكلون نحو 6 في المائة من البرازيليين. ويتأثر الرأي العام البرازيلي سريعاً بالمناظرات التلفزيونيّة والحملات الإعلاميّة، وكذلك الأسواق المالية والبورصة، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، طيلة فترة الحملة الانتخابيّة. إذ كانت تحقق المكاسب كلما أظهرت استطلاعات الرأي ضعف روسيف وتتراجع كلما تزايدت فرصها.

تصوّر روسيف المواجهة الحاصلة مع منافسها اليوم، على أنّها مواجهة بين الفقراء والأغنياء، باعتبار أنّ حزبها المدافع الأول عن حقوق العمال والفقراء في البلاد، فيما يحظى نيفيز، من يمين الوسط والمتحدّر من عائلة سياسيّة واقتصاديّة معروفة، بدعم رجال الأعمال والمستثمرين والنخب الاقتصاديّة. وكان لإعلان المرشّحة مارينا سيلفا، مطلع الأسبوع الماضي، دعمها نيفيز، بعد خروجها من دورة الانتخابات الأولى في الخامس من الشهر الحالي، دوراً مؤثّراً في رفع نسبة مؤيديه. ويُتوقّع أن تصبّ أصوات 22 مليون برازيلي صوّتوا لسيلفا، في معظمها لمصلحة نيفيز.

ولم يقتصر حراك سيلفا، بعد خسارتها في الدورة الأولى، على إعلان دعم نيفيز فحسب، بل أنّها انتزعت منه تعهّداً علنياً بتبني جزء من وعودها الانتخابيّة، لناحية الحفاظ على المكاسب الاجتماعية الموروثة عن اليسار وإعادة إطلاق الإصلاح الزراعي ووقف إزالة الغابات في الأمازون وتخصيص 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للتربية والنهوض بإصلاح سياسي لمنع إعادة انتخاب بعض المنتخبين، وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية، بما يضمن مبدأ تداول السلطة ويكسر الاحتكار المستمر منذ نحو 20 عاماً.

وتصف وسائل الإعلام البرازيلية المشهد السياسي بأنه "الأقبح" منذ عقود، مع تبادل المرشحين الاتهامات بالفساد وسوء الإدارة الاقتصادية والكذب وعدم الكفاءة والمحسوبيّة. تشكّك روسيف في إنجازات خصمها خلال مسيرته السياسيّة وفي سلوكياته الشخصيّة وميله للسهر والترف، ولم تتردّد في اللعب على الجانب العاطفي خلال مناظرة تلفزيونية مساء الخميس الماضي، إذ تعرّضت لوعكة خفيفة مباشرة على الهواء، ما اعتبرته وسائل الإعلام الخصمة مجرّد لعبة لكسب تعاطف الناخبين، وخصوصاً أنها كانت، حتى الأمس القريب، تتابع علاجها من مرض السرطان في المستشفى السوري ــ اللبناني، أحد أبرز مستشفيات العاصمة ساوباولو.

في المقابل، يردّ نيفيز على هذه الانتقادات بتركيز انتقاداته على فضائح الفساد التي هزّت البرازيل قبل أشهر وتطال شركة "بتروبراز" النفطيّة المملوكة للدولة، ويتورّط فيها حزب العمال والائتلاف الحكومي. كما يكرر طمأنة الفقراء بعدم توجهه إلى إلغاء أي من البرامج والمنح الاجتماعية التي أقرتها روسيف ويستفيد منها نحو 50 مليون برازيلي. لكنّه في الوقت ذاته، يعد بسياسة تقشف ليبيرالية، لإنعاش المحرّك الاقتصادي للاقتصاد البرازيلي، عملاق أميركا اللاتينية والسابع عالميّاً.

في موازاة ذلك كلّه، يجد الناخبون البرازيليون أنفسهم، وفقاً لخلفياتهم الاجتماعية والاقصاديّة والسياسيّة، منقسمين بين تأييد روسيف، المناضلة العنيدة في صفوف حزب العمال، وبين دعم الحاكم السابق لولاية ميناس جرايس، ممثل النخبة البرازيليّة وشبابها المدلل. وتفيد تقارير نشرتها وسائل إعلام برازيلية أنّ المنافسة التي تعتري جولة الانتخابات الرئاسية الثانية فريدة من نوعها في تاريخ البرازيل. فنيفيز، إلى جانب كسبه أصوات اليمين التقليدي، ينال تأييد العديد من اليساريين، الذين انحازوا إلى جانب مارينا سيلفا، في حين يبدو مناصرو الحزب الاشتراكي، الذي انضوى لفترة طويلة في ائتلاف حزب العمال، منقسمين أيضاً بين من يودّ العودة إلى اليسار ومن يرغب في ائتلاف سياسي جديد بحثاً عن التغيير المنشود، سياسيّاً واقتصاديّاً.

ولا يتردّد أحد الخبراء البرازيليين، وهو مدير معهد داتافولها للإحصاءات في القول "إنّها انتخابات شديدة التنافس، وقد اختارت الطبقات الميسورة نيفيز والفقيرة روسيف"، ويعتبر أن الطبقة المتوسطة، التي تشكل غالبية، باتت مقسومة اليوم بين من يرغب في الحفاظ على مكاسب اجتماعية حقّقها حزب العمال، وأخرى مستاءة بسبب الظروف المعيشية السيئة.

احتساب الأوراق البيضاء

تحتسب السلطات البرازيليّة الأوراق البيضاء واللاغية في نتائج الانتخابات الرئاسيّة، وهو ما يفسّر إمكانية فوز مرشح في الانتخابات، بحصوله على الغالبية المطلقة، من دون حصوله بالضرورة على أكثر من خمسين في المائة من الأصوات. ويقول حوالي 6 في المائة من الناخبين البرازيليين، البالغ عددهم 142.8 مليون، وفق آخر استطلاعات الرأي، إنّهم يريدون التصويت بأوراق بيضاء، يوم الأحد المقبل.