انتخابات السويد: اليمين المتطرف ينتعش من جيب المحافظين

انتخابات السويد: اليمين المتطرف ينتعش من جيب المحافظين

17 سبتمبر 2014
حزب "الديمقراطيين السويديين" اليميني المتشدد يتقدم في الانتخابات
+ الخط -

لم تكن المجموعة الحزبية التابعة لحزب "الديمقراطيين السويديين" اليميني المتشدد، لولا معرفتها برفض الشعب لهم، مضطرة لما قامت به في مالمو جنوبي السويد، ليلة الانتخابات، الأحد الماضي.

فقد استأجرت قاعة تدريب رياضية تحت اسم مستعار للاحتفال بما كانت تتوقعه من انتصار الحزب المنتقد لسياسة السويد تجاه اللاجئين والمهاجرين. حضرت الشرطة وحاصرت المكان بعد أن قطع مالك القاعة الكهرباء عنهم إثر اكتشاف "التزوير" الذي وقع ضحيته. طالبهم بالخروج ولكنهم ازدادوا حماسة وتحدٍ بالبقاء داخلها. وحين احتج أحد زملائهم من الشباب على التزوير بالاسم، طردوه وألقوا به خارجاً أمام الصحافة.

كانت الأنظار تتجه إلى مراكز فرز الأصوات وهي تعمل بدقة وسرعة متناهيتين، لم تثبت النتيجة عند عشرة في المئة لذلك الحزب، بل قفزت إلى ما يقارب الـ13 في المئة. قرأ معسكر اليمين المتشدد الرسالة جيداً، ومن هنا كانت مالمو لا ترغب برؤية احتفالات اليمين حين اعتلى زعيمهم الشاب جيمي أوكسون، المنصة قائلاً: "أيها الأصدقاء، نحن الحزب السويدي الثالث، حزب تحاصره سياسة ومبادئ أعلنها المرشحون: لا تعاون ولا نفوذ لهذا الحزب". 

خسارة اليمين المحافظ

تكشف الأرقام حجم "اليمين المتشدد"، يمين كان يخفي هويته مثلما أخفاها مناصروه في مالمو، فقد ضاعف أصواته بما يقرب الثلاث مرات، مقارنة بالانتخابات السابقة في 2010، حين كانت المشاعر الوطنية تلتهب في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، مصورة اليمين المتشدد بالمكتسح الآتي إلى الساحة السياسية والحزبية لأوروبا. وبحسب استطلاعات، استندت تلك النتائج على المشاعر الآنية لحظتها، ولم يفكر كثيرون بأن "الواقعية" سوف تهيمن مجدداً، فحزب "الديمقراطيين السويديين" المتطرف، يقف في مواجهة 87 في المئة من الشعب السويدي.

حين قال أوكسون، أن حزبه حلّ ثالثاً، التهبت قاعة حزب "اليسار"، الحاصل على 21 ممثلاً برلمانياً بتقدم بسيط عزز موقع الاشتراكيين، وهتف الحاضرون ضد العنصرية ورفع شباب وشابات الحزب قبضاتهم هاتفين بوجه الشاشة العملاقة التي نقلت ما قاله أوكسون. لقد حل التشنج مكان هدوء السويديين، وتعالت الهتافات أكثر غضباً لتقدم اليمين المتطرف. 

لكن مرة أخرى، تقول الأرقام إن اليمين المتطرف بزعامة أوكسون، لم يحصل على أصوات إضافية إلا من الكتلة اليمينية، تحديداً من حزب "الاعتدال" المحافظ الذي تزعم الحكومة طيلة فترتين انتخابيتين، وخسر حوالى سبعة في المئة وربح أوكسون، النسبة ذاتها. تبادل معسكر اليمين الأصوات، وفي الواقع تقول الأرقام الأخرى بإن 19 في المئة (من 13 في المئة) فقط، ممن صوتوا لليمين فعلوا ذلك بدافع السؤال عن سياسته وبرنامجه المنتقد للهجرة واللجوء. 

راينفيلت كان جيداً

يجمع المراقبون في السويد والدانمارك، ممن يعتبرون الانتخابات هناك "باروميتر الانتخابات" المقبلة في بلدهم، بأن الشعب السويدي يكن الاحترام لرئيس وزرائهم الخاسر فريدريك راينفيلت. فالسويد بقيت خارج تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنهم يعرفون فضل "الاشتراكيين الديمقراطيين" الذين بنوا نظامهم الاقتصادي والاجتماعي. 

بقيت معظم التفسيرات والتحليلات منذ إعلان النتائج، حتى يوم أمس الإثنين، تدور حول نقطة واحدة، وهي أن الشعب السويدي قال كلمته لراينفليت، واليمين المحافظ: شكراً لكم لكن يكفيكم ثمانية أعوام من الحكم. وراح معسكر اليمين المتشدد (حزب الشعب) الدنماركي على سبيل المثال، يتأسف لأن زملاؤه من حزب أوكسون، لن يكون لهم نفوذ. لكنه مسؤول العلاقات الخارجية في البرلمان عن حزب "الشعب" الدنماركي، سورن أسبرسن، قال إنه "لقد كنا مثلكم منبوذون. لكنكم ستصبحون بيضة القبان قريباً".

السويد لا تشبه الدانمارك كثيراً في مسائل اندفاعات اليمين بخطاب متعلق بالأجانب، فوزير الخارجية الأسبق في الدانمارك، موينز لوكاتوفت، لم يجد ذلك التقدم اليميني بحجم ما اعتقد كثيرون.

من جهته، يقول مسؤول الشؤون الخارجية في حزب "اللائحة الموحدة" اليساري، إن "هذا التقدم اليميني لا يعني الشيء الكثير، لأن السويد لن تسمح له بتقرير أجندة المستقبل، فعلى الأقل في السويد لا يزال هناك ساسة محترمون من المحافظين، على عكس ما لدينا في الدانمارك".

مهمة غير سهلة

الفائز بالغالبية، ستيفان لوفين، لديه حتى 29 سبتمبر/أيلول الجاري، موعد انعقاد البرلمان الجديد، ليجري مداولات ومفاوضات لتشكيل حكومة لا تعارضها أغلبية نيابية، بحسب الدستور المعدل.

ليس المهم أن يكون لديه الأصوات الكافية، بل ألا تكون الغالبية ضد رئيس الوزراء، فلو احتسبت الـ13 في المئة لحزب "الديمقراطيين السويديين" وعارضته بقية الأحزاب من الوسط والمحافظين، لن يكون للوفين، سوى ما يقارب 44 في المئة من أصل 349 مقعد. لكن من المستبعد أن يتكتل هؤلاء ضده، اذ أن جميع الأحزاب تعاهدت على عدم السماح له (اليمين المتشدد) بلعب دور في الحياة السياسية السويدية.

ولدى لوفين، الوقت لتسميته مرشح رئاسة الوزراء ليعرض خلال ثلاثة أيام ما لديه من تصور لتشكيلة الحكومة. وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، عليه أن يعرض الموازنة العامة على التصويت.

لن تكون مهمة "الاشتراكيين الديمقراطيين" سهلة في ظل الديمقراطية السويدية بفوارق بسيطة بين التكتلات، ففي خطاب "الانتصار"، أعلن لوفين عن رغبته "بالتعاون مع الجميع من أجل السويد ومستقبل رفاهية شعبها"، وتلك مسألة لا يمكن للأحزاب التملص منها، وخصوصاً أن أحداً منهم لا يرغب بتحول المتشددين إلى "بيضة القبان".

ويرى الكثير من المراقبين وخبراء الانتخابات، أن تحالف "الاشتراكيين" و"الخضر" سيكون مضطراً للبحث عن توافقات مع أحزاب من الوسط، قد يكون حزب "الوسط" بمقاعده الـ22 غطاءً مريحاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم الأحزاب الصغيرة مضطرة للتعاون حتى لا تبدو سلبية بنظر جمهورها.

سيضطر لوفين لفتح ملفات اللجوء والمهاجرين ومصارحة الشعب بتكاليفها الباهظة، لكن ربما يكون النقاش أكثر احتراماً مما هو عليه في الدانمارك بحسب عضو البرلمان الدانماركي عن اليساريين، كريستيان يول.

دروس تتجاوز السويد

قبل أسبوعين من الانتخابات السويدية، حصل حزب "البديل لألمانيا" (يمين متطرف، يحتوي على نازيين) على حوالى عشرة في المئة في انتخابات مقاطعة انهولت ساكسين، شرقي ألمانيا، وهي مؤشر على أحجام تقدم اليمين الأوروبي. لكن الفارق كبير جداً بين "يمين محافظ" براغماتي و"يمين قومي" متطرف يضطر بعد سلسلة فضائح لإبعاد 15 مرشحاً تفوهوا ومارسوا العنصرية والتحريض.

حين كان السويديون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، تجنبوا تقدم اليمين وما سيسببه من حرج وانعكاسات اجتماعية خطيرة؛ هو الأمر ذاته الذي بات يحذر منه مَن كان ينتظر النتائج في كل من الدانمارك والنرويج، عدا عن السويد نفسها طبعاً. فمدينة مثل مالمو السويدية، يقترب عدد سكانها من أصول مهاجرة من نسبة 30 في المئة. أمر يفسر صعوبة إقامة احتفالات علنية لحزب لا يخفي كوادره توجهاتهم العنصرية. فمشهد العرب يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، يغيظ اليمين المتطرف الذي يريدهم في الصورة النمطية المعهودة.

بالتأكيد لا يزال أمام السويد انتظار نتائج الانتخابات البلدية والاقاليم (المحافظات) لقياس هذا التقدم اليميني وانعكاساته على الطبقات الاجتماعية المحلية في لامركزية القرار الذي تتمتع به تلك البلديات التي تعاني من اكتظاظ طالبي اللجوء والمهاجرين وأزمات سكن متفاقمة. الأمر سيحتاج أيضاً إلى مفاوضات شاقة لتتحمل الأقاليم والبلديات مسؤولياتها بالتقاسم، مثلما ستكون مسؤولية الأحزاب السياسية في لجم أية اندفاعات عنصرية قد تسيء لصورة السويد، ومراهنتها على أن "السويديين الجدد" (مهاجرون ولاجئون) سيضيفون المزيد لتطور بلادهم، وليس وقوعها في مستنقع التكتلات التي يريدها بعض اليمين الإسكندنافي كالتجربة الدانماركية التي يتمناها حزب "الشعب" الدانماركي اليميني المتطرف لزملائهم ورفاقهم في "السويديين الديمقراطيين" بمزيد من الخطابات العدوانية.

لا يمكن لحكومة لوفين، على المدى البعيد، أن تتجاهل بأن 13 في المئة صوتوا لذلك الحزب، وهي مهمة كل الأحزاب الأخرى بحسب المحللين السويديين، حتى لا تأتي انتخابات 2018، وقد تضاعف حجم هذا الحزب بتقديم نفسه "ضحية" رفضه وعزله، تماماً مثلما مارس غيره في الدنمارك والنرويج وفنلندا.

دلالات

المساهمون