روسيا وإيران: علاقات تتخطى التعاون العسكري

28 يناير 2015
شويغو أكد أهمية إيران لضمان الأمن الدولي (الأناضول)
+ الخط -

في حين أن وهم التقارب الروسي الأميركي في حقبة الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف، جعل الكرملين يدير ظهره لطهران ويتنصل من عقوده والتزاماته حيالها، فإن التباعد بين واشنطن وموسكو الذي بلغ حد القطيعة على خلفية الأزمة الأوكرانية وما تبعها من عقوبات غربية ضد روسيا، يدفع الأخيرة إلى إعادة ترتيب علاقتها بالجار الإسلامي العملاق والطموح جيوسياسياً. فما الذي يجمع خصمي واشنطن سوى عداء الأخيرة لهما؟

المخفي أكثر من المعلن

اختتم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، زيارته إلى طهران التي تُعد بمعنى ما خطوة نحو زيارة متوقّعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران للدفع باتجاه مزيد من العمل المشترك، على خلفية تصاعد المواجهة مع الغرب الأطلسي ومخاطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الزاحفة على حدود الدولتين. زيارة شويغو الأولى منذ خمسة عشر عاماً لوزير دفاع روسي إلى طهران، فهل تكللت بالنجاح؟

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المفاوضات في طهران، تجنّب الوزير الروسي الدخول في تفاصيل التعاون التقني العسكري مع إيران، الذي يُقدّر المتابعون أنه شكّل جوهر الزيارة. واكتفى بالقول: "لدينا رأي مشترك بأن تطوير العلاقات البناءة بين روسيا وإيران عامل مهم لضمان الأمن الدولي والاستقرار العالمي".

وفي المؤتمر نفسه، أفاد وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، بأن بلاده سوف تتعاون مع روسيا في مواجهة تغلغل "القوى الخارجية" في المنطقة. فعن أي قوى يتحدث؟

في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، تقول صحيفة "فزغلياد" إن تصريح المسؤول الإيراني يمكن فهمه في إطارين، فتحت مفهوم القوى الخارجية يدخل تنظيم "داعش" وحلف شمال الأطلسي، وأما "القوى الخارجية" نفسها فستفهم هذا التصريح تبعاً لتورطها في المنطقة.

وترى الصحيفة أن المهمات العملية التي قام من أجلها وزير الدفاع الروسي بزيارة إيران، تتمثّل أولاً بتوقيع اتفاقية حكومية للتعاون العسكري بين البلدين. وهي اتفاقية جرى إعدادها منذ مايو/أيار 2014، بعد لقاء شويغو ودهقان، في موسكو.

وتتمثّل ثانياً، بمناقشة "البُعد الأفغاني" للأمن الإقليمي، وعلى وجه التحديد الخطوات المشتركة التي يمكن لموسكو وطهران القيام بها لضمان استقرار هذا "الثقب الأسود" الجيوسياسي، بحسب تعبير الصحيفة. ومن الطبيعي، أنه كان مطلوباً من الوزير الروسي إزالة الأثر السلبي الذي نجم عن تعطيل صفقة صواريخ "إس-300" من قِبل مدفيديف الذي كان رئيساً للدولة حينها. ويبدو أن الأمر حُلّ بطريقة ما، غير معروفة بعد.

وفي السياق، فقد أشار شويغو أثناء توقيع اتفاقية استئناف التعاون في المجال التقني العسكري، إلى أنه "تم وضع أساس نظري للتعاون المشترك في المجال العسكري". ويمكن اعتبار الوثيقة الموقّعة بمثابة اتفاقية إطار تعاون، وهي ستكتسب محتواها الحقيقي بعد زيارة بوتين إلى طهران، علماً بأن محادثات لترتيب هذه الزيارة مستمرة منذ قرابة العام، ولكن لم يحدد تاريخها بعد.

مستوى آخر من التعاون

تجاوزت إيران في علاقتها الراهنة مع روسيا دورها كأحد زبائن السلاح الروسي، بل هي تقترح مستوى آخر من التعاون في مجال البحوث العلمية العسكرية وتصميم الأسلحة، على غرار التعاون الروسي الصيني.

وموسكو بدورها، إضافة إلى قيامها بتحديث العتاد الإيراني الروسي المصدر، تقترح مشاريع مشتركة في مجال بناء حاملات مروحيات، وصناعة الصواريخ، وتطوير منظومات الاستطلاع التكنولوجية، بما في ذلك إنتاج طائرات من دون طيار.

وضمن صيغة التعاون هذه، يقترح الجانب الإيراني حل مسألة صواريخ "إس-300"، علماً بأن طهران، من حيث المبدأ، لا ترفض عرض روسيا تعويضها عن "إس- 300" بمنظومة صواريخ "أنتيه-2500"، إلا أنها تعرض على موسكو في الوقت نفسه مشاركتها في تحديث صواريخ "إس-200" الإيرانية، وهي نسخة من صواريخ "إس-300 بي إس" التي اشترتها إيران لدى روسيا سنة 1993، كما يقول إيغور بونكراتينكو، محرر الشؤون الإيرانية على موقع "ريجنيوم.رو". ويفيد بأن محاولات إيران تطوير هذه المنظومة بصورة مستقلة لم تثمر عن النتائج المتوخاة، ولذلك فلطهران مصلحة في الخبرات الروسية التي تنتج الصواريخ، أكثر من مصلحتها في الصواريخ نفسها.

وأما بخصوص المسألة الأفغانية، فإن حلها كما ترى روسيا، ممكن فقط ضمن صيغة حوار بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين: موسكو وبكين ونيودلهي وإسلام آباد وطهران، على خلفية اعتبار الوجود الأميركي في المنطقة عامل زعزعة للاستقرار. وقد تبين من زيارة شويغو لطهران أن الجانب الإيراني يقاسم موسكو وجهة نظرها هذه تماماً، الأمر الذي لم يكن بحاجة لإثبات.

وحول نتائج الزيارة الملموسة، فقد أفاد موقع أخبار الجيش "ميليتارينيوز.رو" بأن طهران وموسكو وقّعتا يوم الثلاثاء، العشرين من يناير/كانون الثاني الحالي، اتفاقية لتوسيع تعاونهما في مجالات الدفاع، كما اتفقتا على حل مسألة تزويد إيران بصواريخ "إس-300"، من دون إيضاح كيف ستُحل هذه المسألة.

ومن الجدير ذكره أن البلدين كانا قد وقّعا في العام 2007 عقداً يقضي بتزويد إيران بست كتائب من صواريخ "إس-300"، بقيمة 800 مليون دولار، إلا أن مدفيديف ألغى العقد من جهة واحدة عام 2010، استجابة للعقوبات الغربية وإرضاء لإسرائيل، مما دفع إيران للجوء إلى محكمة جنيف ومطالبة موسكو بتعويضها 4 مليارات دولار، وهناك احتمال كبير لأن تكسب طهران الدعوى التي لا تزال قيد النظر. في حين أن التقديرانت تتحدث عن اتفاقات تم التوصل إليها أثناء زيارة شويغو الأخيرة تتراوح قيمتها بين 3 و5 مليار دولار.

وفي السياق نفسه، يرى مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات الروسي روسلان بوخوف، أن هناك "عدة حالات تلعب فيها روسيا وإيران في الجانب نفسه من الملعب، وعلى وجه التحديد، فإن الجمهورية الإسلامية تقف ضد الهيمنة الأميركية على الحلبة الدولية، وموقفها بهذا الشأن قريب جداً من الموقف الروسي، إضافة إلى أن إيران بوصفها دولة شيعية تقف ضد الإسلاميين المتطرفين السنّة الذين يشكّلون عماد الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط".

ويعتبر بوخوف أن "إيران، كما روسيا، من مصلحتها ارتفاع أسعار النفط، ويكفي العامل الأخير وحده لجعل العلاقات بين البلدين تتطور في المنحى الإيجابي"، كما نقلت عنه صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس".

المساهمون