تركيا والاتحاد الأوروبي: تحذيرات وهواجس متبادلة

تركيا والاتحاد الأوروبي: تحذيرات وهواجس متبادلة

21 ديسمبر 2014
تحذيرات عالية النبرة وجّهها الاتحاد الأوروبي إلى تركيا(فرانس برس)
+ الخط -

شهدت العلاقات التركيّة مع الاتحاد الأوروبي توتّراً شديداً خلال الأيام الماضية، على خلفيّة الحملة التي شنّتها السلطات التركية أخيراً، ضدّ ما تُطلق عليه تسمية "الكيان الموازي"، والتي طالت 31 شخصاً من بينهم إعلاميون كرئيس تحرير جريدة "زمان"، أكرم دومانلي، ومدير قناة سمان يولو، هدايات كراجا، المقرّبين من حركة الخدمة.

ولم يتردّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في توجيه انتقادات لاذعة إلى الاتحاد الأوروبي، اتّهمه فيها بالتدخّل في شؤون القضاء التركي، مطالباً إياه بتوفير "نصائحه لنفسه"، وذلك بعد اعتباره على لسان ممثلة السياسة الخارجيّة والأمن فريدريكا موغريني، والمبعوث الأوروبي لسياسة الجوار الأوروبية والتوسعة جوهانس هان، في بيان مشترك، أنّ "التوقيفات بحقّ بعض الصحافيين في تركيا، ومداهمة مكاتب إعلاميّة، لا تتناسب مع حريّة الإعلام، وتتناقض مع قيم ومعايير الاتحاد الأوروبي، التي تريد تركيا أن تكون جزءاً منه". وقال إنّ "أيّ خطوات ستتخذ باتجاه ضمّ دولة ما إلى الاتحاد الأوروبي، مرهون بالاحترام الكامل للحقوق الأساسيّة وسيادة القانون".

وفي سبيل تخفيف التوتّر الحاصل بين الطرفين، حاولت البعثة التركيّة الدائمة في العاصمة البلجيكيّة بروكسل، تهدئة مخاوف الاتحاد الأوروبي في ما يخصّ الحريّات وملفّ حقوق الإنسان في تركيا، في وقت اتفق فيه وزراء خارجيّة الاتحاد الأوروبي على تحذير تركيا، من أنّه يترتّب عليها "احترام سيادة القانون وحرية التعبير"، إذا كانت تريد لمفاوضات عملية الانضمام إلى الاتحاد بالاستمرار، على أن يتمّ نشر التحذير رسمياً، كجزء من البيان المشترك لمجلس الاتحاد الأوروبي.

وفي سياق متّصل، يوضح مصدر دبلوماسي تركي، لـ "العربي الجديد"، رفض ذكر اسمه، بأنها "ليست المرة الأولى التي يحصل فيها توتّر بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة حول قضايا مماثلة"، مؤكداً موقف أنقرة الغاضب، مما تعتبره "تدخّل التنفيذيين في العمليّة القضائيّة".

ويقلّل المصدر من أهميّة التحذير الذي سيصدره الاتحاد الأوروبي، ويقول إنّه "في الأعوام السابقة كان هناك انتقادات توجّه إلى تركيا من قبل الاتحاد في ما يتعلّق بحريّة التعبير، وتمّ بالفعل وقف مفاوضات الانضمام"، متوقّعاً "ألا تسبّب إضافة هذا التحذير إلى البيان المشاكل، بل ستستمر العلاقات بين الطرفين كما كانت حتى الآن". ويشير إلى أنّ بعض دول الاتحاد أوقفت مفاوضات الانضمام ومنها قبرص اليونانية.

ويؤكّد المصدر أنّ رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، يخطط لزيارة بروكسل في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بغرض دفع عمليّة التفاوض وفتح ملفات جديدة.

وتعيد التطورات الأخيرة فتح ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والذي يزيد عمره على الأربعة عقود، ولم يبدأ بشكل رسمي إلا عام 2005. ويرى بعض المحلّلين الأتراك أنّ تصريحات أردوغان المعادية للاتحاد، ليست إلا نتاج يأس من مماطلة الاتحاد في عملية التفاوض وعودة إلى سياسات حركة "ميلي غروش" أو "الرؤية الوطنية"، التي كان زعيمها نجم الدين أربكان، قبل أن يتمرّد عليها ويبادر مع رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء الحالي بولنت آرينتش وباقي رفاقه، بتأسيس حزب "العدالة والتنمية" عام 2000.

واختلف الحزب عن حركة "الرؤية الوطنية" بالنسبة لمقاربة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فبينما كان أربكان يعارض الانضمام، وينظر إلى الاتحاد بوصفه "نادياً مسيحياً"، حالماً بتأسيس سوقاً مشتركاً مع الدول الإسلامية على أن يكون الدينار الإسلامي عملة موحّدة بدلاً عن اليورو، اتخذ أردوغان ورفاق دربه من المعايير السياسية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي، أساساً وقاعدة لهم. فانفصلوا عن أربكان والإسلام السياسي، وأطلقوا على أنفسهم تسمية "الديمقراطيين المحافظين"، مؤمنين بأنّ المبادئ الديمقراطيّة للاتحاد الأوروبي تشكل دواء ناجعاً لمعضلة الانقلابات العسكرية التي عانت منها البلاد لعقود طويلة، الأمر الذي نجح خلال عقد من الزمن بالقضاء على الوصاية العسكريّة.

وتستبق هذه التوترات وتداعياتها على الحزب الحاكم، الانتخابات البرلمانية العامة المقرّرة في شهر يونيو/حزيران المقبل، والتي يرغب من خلالها بتحقيق انتصار ساحق والسيطرة على ثلثي مقاعد البرلمان، لتمرير تعديلات دستورية تتيح التحول إلى النظام الرئاسي، في ظل الفشل بتحقيق أيّ تقدم في عمليات السلام مع حزب العمال الكردستاني، لتكون ورقته في الحملة الانتخابية، وكذلك بعد تضاؤل حجم الخطر الذي يشكله "الكيان الموازي"، بعد الضربات المتوالية التي تلقتها حركة الخدمة على يد الحكومة. وفي خضمّ كلّ ذلك، يستعدّ أردوغان لخوض الانتخابات المقبلة بتحدّيه الاتحاد الأوروبي، بعد تحدّيه واشنطن بوصفه "زعيماً قوياً يتحدّى العالم أجمع"، كما يطلق عليه أنصاره.

المساهمون