رئاسيات تركيا: مستقبل "الحركة القوميّة" الكردية في مهبّ الريح

رئاسيات تركيا: مستقبل "الحركة القوميّة" الكردية في مهبّ الريح

01 اغسطس 2014
يثق الأكراد المتديّنون والمحافظون بأردوغان (كايهان أوزير/الأناضول/Getty)
+ الخط -
تصاعدت حدّة الحملات الانتخابية والمواجهات في الداخل التركي، مع بدء التصويت في انتخابات رئاسة الجمهورية في الخارج. فقد استأنف مرشح "العدالة والتنمية"، رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، أمس الخميس، حملته الانتخابية، وحضر مهرجانين انتخابيين، في كل من ولايتي وان وماردين، شرقي تركيا، ذات الأغلبية الكردية.

واندلعت مواجهات في وان، بعد انتهاء المهرجان الانتخابي، بين الشرطة التركية وقوات مكافحة الشغب من جهة، ومتظاهرين موالين للمرشح عن حزب "الشعوب الديمقراطية"، الجناح السياسي لحزب "العمال" الكردستاني، صلاح الدين دميرتاش، احتجاجاً على مهرجان أردوغان، الذي أُقيم بالقرب من أحد المكاتب الانتخابية التابعة لدميرتاش.

وفي سياق متصل، تصاعدت الخلافات بين إبراهيم شاهين، مدير هيئة "الإذاعة والتلفزيون" التركي، ودميرتاش، إذ توعّد الأخير شاهين بإقالته في حال فوزه في انتخابات الرئاسة، وذلك خلال مهرجان خطابي في ولاية هاتاي (أنطاكية). فقد تناول دميرتاش مذياع القناة التركية الإخبارية، وقال: "هدّدنا بقطع البثّ (في إشارة إلى شاهين)، في حال انتقدناه أو انتقدنا المؤسسة التي يديرها مرة أخرى على الهواء مباشرة. أريد أن أقول لك بإني سأستمر بالتشهير بك، لأننا جئنا لتغيير عقليتك وعقلية مَن يشبهك. إن أصبحتُ رئيساً للجمهورية، فأول ما سأقوم به هو عزلك من منصبك".

وكان مدير عام هيئة "الإذاعة والتلفزيون" الحكومية التركية، قد هدد بوقف تغطية حملة دميرتاش، في حال استمر الأخير باتهام الهيئة بالانحياز لصالح أردوغان.
ولم يَلقَ برنامج دميرتاش الانتخابي الكثير من الاهتمام في الإعلام التركي، لأسباب كثيرة، أهمها حظوظه المنخفضة في الوصول إلى الجولة الثانية، في حال لم يحسم أردوغان الانتخابات من الجولة الأولى، إلا أن برنامج دميرتاش يبقى مميّزاً وفريداً في جوانب عدة. وبحسب محللين، فهو يعتبر من البرامج المرشحة لترك أثر مهم في المشهد السياسي التركي، ليس لأنه يمثل البرنامج السياسي لـ"الحركة القومية" الكردية فحسب، بل أيضاً برؤيته لمستقبل الجمهورية التركية والمشهد السياسي التركي برمته.

ففي حملته "المفرطة الرومانسية"، بحسب محللين، بما يخص الحريات وحقوق الإنسان والمثليين وإلغاء إلزامية دروس الدين، يكاد يكون دميرتاش الأكثر ليبرالية، عاكساً النضج السياسي الذي وصلت إليه "الحركة القومية" الكردية في تركيا خلال 12 عاماً، من عودة السلطة إلى المدنيين، بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" إليها.

وبحسب خبراء، فإن التدقيق برؤية برنامج دميرتاش الانتخابي لحقوق المرأة، والأقليات، ومشروع الدستور، الذي يتم العمل عليه، ودور القانون في حماية الحقوق والحريات والفصل بين السلطات، كافية لتمييز الافتراق الواضح بينه وبين برنامج أردوغان الانتخابي، ليبدو دميرتاش أكثر إصراراً وإقناعاً في ما يخصّ حقوق الأقليات وحقوق المرأة، وخصوصاً أن جزءاً مهماً من نجاحه السياسي يعود إلى هذا الإصرار.

وينبع ذلك من كون حزب "الشعوب الديمقراطية"، بتقاليده الماركسية، الحزب الوحيد في المشهد السياسي التركي، الذي يعتمد المعايير الأوروبية في ما يخصّ حقوق المرأة، ويدعو الى تبوّء المرأة كل المناصب، ويمنع متعددي الزوجات من الترشح باسم الحزب، وإن كانت مواقفه غير حاسمة من زواج القاصرات المنتشر في الشرق التركي. وهو أمر غير موجود في باقي الأحزاب التركية.
وبينما يبدو برنامج الحزب أقرب إلى برنامج مرشح المعارضة المشترك عن حزب "الحركة القومية" وحزب "الشعب الجمهوري"، أكمل الدين إحسان أوغلو، برؤيته لدور الرئاسة في السياسة التركية، غير أنه يبدو بعيداً أيضاً عن رؤية الأحزاب المساندة لإحسان أوغلو.

تلك الأحزاب بدأت تبدو أقل حدّة في القضية الكردية، إلا أنها ما زالت تفكر بالعقلية التي سادت في تسعينيات القرن الماضي، إبّان حكم العسكر، ليبدو أي تقارب بين الطرفين مستحيلاً، إلا إذا اتخذ الحزبان خطوة جذرية في ما يخص الخطوط الكردية الحمراء، التي تتربع على عرشها مسألة التعليم باستخدام اللغة الأم، أي اللغة الكردية.
ورجّح خبراء أن تذهب معظم الأصوات التي سيحصل عليها دميرتاش في الجولة الثانية، إلى أردوغان، كونه يبقى الأكثر قدرة ورغبة بحل القضية الكردية، لتصبح كتلة دميرتاش التصويتية لاعباً رئيسياً في الجولة الثانية، إذا حصلت.

وبالرغم من حظوظه الضعيفة، إلا أن دميرتاش، ومن ورائه "الحركة القومية" الكردية، حاولوا استثمار فكرة "قضاء حزب الحرية والعدالة على حكم العسكر"، ومع أن الأمر أثمر نجاحات كبيرة في الانتخابات البلدية، في أبريل/ نيسان الماضي، وتحديداً في ما يُطلق عليه تسمية "كردستان العثمانية"، أي الولايات التركية الشرقية، غير أن الوضع لم يكن مماثلاً في المدن التركية الكبيرة، كمرسين وأنقرة.
فنجاح حزب "الشعوب الديمقراطية" بقيادة حملة ضخمة في إسطنبول، الى درجة حشده أكثر من 400 ألف مواطن في أحد مهرجاناته، انعكس فشلاً تصويتياً، كونه لم يحصل على أكثر من 250 ألف صوت، ليس لأن أكراد اسطنبول لا يتعاطفون مع قضيتهم الخاصة، ولكن لأن معظمهم متدينون ومحافظون، ويرون في أردوغان "الأمل القادر على حلّ القضية مع ضمان الاستقرار والنمو"، ليبدو مستقبل "الحركة القومية" الكردية ودورها، أمراً معقداً في واقع سياسي مليء بالصراعات.

المساهمون