الانتخابات التونسيّة بعيون فرنسيّة: انتصار للعلمانيين

الانتخابات التونسيّة بعيون فرنسيّة: انتصار للعلمانيين

31 أكتوبر 2014
نتائج انتخابات التونسيين بفرنسا مشابهة لانتخابات الداخل(طوماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -
لم تأتِ نتائج الانتخابات التشريعيّة التونسيّة في فرنسا، في رأي العديد من التونسيين، مغايرة لنتائج انتخابات الداخل في تونس، ولم يختلف المشهد كثيراً لناحية إعادة توزيع الأوراق. حقّقت حركة "نداء تونس" تقدماً في نتائج الانتخابات في فرنسا، مع العلم أنّ الفوارق مع حركة "النهضة" لم تكن كبيرة، من خلال حصول كل قوة على 4 مقاعد في البرلمان.

وفي سياق متّصل، يقول الناشط السياسي، عدنان بن يوسف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الخيار يعني أنّ الناخبين حسموا أمرهم، حتى ولو أنّ الفارق في النتائج ليس كبيراً"، معتبراً أنّ "خيارات التونسيين اليوم واضحة: من موضوع محاربة الإرهاب، مروراً بضرورة عودة الدولة والتمّسك بأسس (الرئيس الأسبق حبيب) بورقيبة، وصولاً إلى الخيارات الاقتصاديّة". ويرى بن يوسف أنّ "الأولوية تكمن، اليوم، في تأمين الاستقرار"، مشيراً إلى أنّ "تفوّق العلمانيين وتفعيل التنمية هو انتصار للاستقرار".

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة، تسعى الدوائر التونسيّة في فرنسا، وتحديداً الهيئة الفرعيّة للانتخابات، إلى تفادي وقوع الأخطاء ذاتها، التي وقعت خلال الانتخابات التشريعيّة في عمليّة الاقتراع، حتى يتمكّن التونسيون من الإدلاء بأصواتهم في 24 و25 و26 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتشدّد مصادر تونسيّة لـ"العربي الجديد" في باريس على أنّ "الجالية التونسيّة في الخارج والتي تتمتّع بوزن كبير، ينبغي أن تتمكّن من ممارسة حقّها، والإدلاء بخياراتها في هذه المرحلة المصيريّة من تاريخ البلاد، وخصوصاً أنّ تونس أعطت مثالاً للديمقراطيًة". ويُعدّ انتخاب 10 نواب من فرنسا في البرلمان الجديد، من أصل 217 نائباً، أمراً بالغ الأهميّة، وفق المصادر ذاتها. 

وكان عدد كبير من التونسيين في فرنسا قد أعربوا عن انزعاجهم من سوء تنظيم الانتخابات التشريعيّة، ولا سيّما في الخارج، وخصوصاً لناحية العقبات التقنيّة التي واجهوها، مع اكتشاف البعض لدى وصولهم إلى مراكز الاقتراع، أنّه لا يحقّ لهم التصويت، لأن أسماءهم غير مسجّلة في القوائم، وتبلّغ آخرون بتغيير مراكز الاقتراع في وقت متأخر، ما أدى الى عدم تمكّنهم من الوصول إلى المراكز الجديدة للإدلاء بأصواتهم.

وعلى الرغم من أنّ قوائم عام 2011 كانت تحمل أسماء الناخبين، لكنّ القانون الجديد للانتخاب منذ عام 2013، طالب الناخبين بإعادة تسجيل أسمائهم مرّة جديدة بصفة إراديّة، الأمر الذي خلط الأوراق، وأثار بعض الفوضى وخيبة الأمل، إذ لم يتمكن العديد من التونسيين من القيام بواجبهم الانتخابي.

وتُظهر نتائج الانتخابات في الخارج، تعطّش التونسيين لأسس الدولة، كما تبيّن أيضاً أنّ النقاش في الخارج، كما في الداخل، يدور بين تيارين: "نداء تونس" و"النهضة". وكان تراجع الأحزاب التي شاركت في ما كان يسمى بـ"الترويكا" الحاكمة في تونس، على غرار التكتّل، حزب رئيس المجلس التأسيسي، مصطفي بن جعفر، والمؤتمر حزب الرئيس التونسي منصف المرزوقي، كان بمثابة رسالة قويّة. وتبيّن أنّه لا يزال هناك مكان لليساريين والمستقلّين والتكنوقراط، في وقت برز فيه، بين الوجوه الجديدة، الطبيب التونسي محمد غنام عن حزب "آفاق".

ومهما كانت الائتلافات المتوقّعة، يأمل عدد من التونسيين في فرنسا، أن يتم التوصّل الى صيغة توفيقيّة، تسمح بخروج البلاد من المشاكل المستعصية، وخصوصاً بالنسبة للأمن وإطلاق الاقتصاد، في وقت استأثرت فيه التجربة التونسية، وما تُشكّله من نموذج ديمقراطي فريد من نوعه، باهتمام المسؤولين الفرنسيين، الذين أكدوا أهمية الاستحقاق ونتائجه.

وشدّدت الصحف ووسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة الفرنسيّة على "أهميّة تجربة الانتخابات التشريعيّة التونسيّة، والنموذج المتميّز الذي أظهرته من خلال عملية التصويت، على الرغم من حدوث إشكاليات في تونس والخارج".

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسيّة إلى أنّ التونسيين اعتادوا أن يظهروا لباقي الدول العربيّة صوت الحريّة والاعتدال، وأنه بعد ثلاث سنوات من ثورتهم التي أسقطت نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، شكّلت محرّكاً لسلطة ثورات "الربيع العربي"، فقد انتصر العلمانيون من خلال صناديق الاقتراع على إسلاميي "النهضة"، وهذا الأمر شكّل "مفصلاً تاريخيّاً" تحييه فرنسا، وخصوصاً أنه حصل خلال فترة انتقاليّة ديمقراطيّة لم تكن فيها الأوضاع مستقرة، وما زالت بعيدة كل البعد عن الاستقرار.

وذكّرت الصحيفة بالوضع الذي بلغته "النهضة" عام 2011، وكيف قررت، بناء على شعورها الوطني، الانسحاب في وقت مصيري، لتسمح بتبنّي الدستور الحديث وتنظيم الانتخابات.

وتوقفت الصحف الفرنسيّة عند اختيار التونسيين لـ"نداء تونس" وأبعاده وما يمثله زعيمه الباجي قائد السبسي، "من ثوابت وأسس بورقيبة". وركّز بعض الإعلاميين الفرنسيين في مقالاتهم على "أن الإسلام السياسي لم ينتصر حتى في تونس، في وقت يعاني فيه الاقتصاد كثيراً في هذا البلد". وتوقف المحللون عند التجربة الفريدة في تونس، "والتي لا يمكن مقارنتها مع بقية الدول العربية". ومن شأن هذه النتائج، وفق المصادر ذاتها، أن "تدفع الديمقراطيات خلال حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الى الوقوف بقوة إلى جانب التجربة التونسيّة ودعمها، لأنّ نجاحها يشكل أفضل ترياق لجنون الخلفاء".

المساهمون