إعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان: هدر وإذلال

إعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان: هدر وإذلال

01 اغسطس 2014
ينظرون إلى ما تبقّى من منازلهم (أرشيف/Getty)
+ الخط -
يعبق كل ما في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، شماليّ لبنان، برائحة الإسمنت الثقيلة. تعلق الأتربة بالزوار القلائل الّذين يُصرّون على زيارة المخيم رغم الإجراءات الأمنيّة المشددة التّي ينفذها الجيش اللبناني على المداخل منذ العام 2007، تاريخ انتهاء معركة تنظيم "فتح الإسلام" مع الجيش اللبناني. في إحدى الورش في المخيمّ القديم يقلّب اللاجئ الثمانيني كفّيه أسفاً أثناء حديثه عن شقّته الموعودة "أنتظر منذ ثلاثة سنوات تسليمي الشقّة التي أقيسها بالخطوات لا بالأمتار!". يتساءل محمد عن كيفية إقامته هو وأفراد أسرته الخمسة في مساحة 48 متراً مربعاً".

يتفاعل صدى البناء السيئ سريعاً في المخيم، ولا سيما مدّ شبكات الكهرباء إلى جانب الصرف الصحيّ، إذ يشكو السكان من انقطاع الكهرباء بشكل متكرر خلال اليوم نتيجة الاحتكاكات الكهربائيّة المترافقة مع ساعات التقنين الطويل. لا تضاهي ساعات التقنين سنوات الانتظار، لكنّها تجعلها أطول لقرابة 15 ألف لاجئ ينتظرون العودة إلى المخيم، من أصل 33 ألفاً أجبروا على إخلاء المخيم على وقع الاشتباكات العنيفة. انتقل يومها عدد كبير منهم إلى مخيم البداوي المجاور الذي تحمّل عبء الأزمة كونه الأقرب.
يقيم النازحون من البارد اليوم في منازل "البركسات" (ألواح الحديد) أو في منازل متواضعة يبلغ إيجارها 200 دولار أميركي شهرياً في المناطق المجاورة. تساهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في دفع جزء منها. هي كلفة بسيطة من ميراث معركة الأيام التسعين بين الجيش وفتح الإسلام، التي يصفها الموقع الإلكتروني للجنة الحوار اللبناني ــ الفلسطيني بـ"أكبر عمل تدميري في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990".

فور إعلان الجيش اللبناني انتهاء المعارك في "البارد" عام 2007، أعلن رئيس الحكومة آنذاك، فؤاد السنيورة، عن بدء إعادة إعمار المخيم، وفق خطة من خمس مراحل تشمل إزالة الألغام، مسح الأضرار، وضع مخطط تصميمي لإعادة إعمار المخيّم، وضع خطّة لاستمرار عملية الإغاثة الطارئة، ومسح لحاجات المناطق المجاورة للمخيم. تعّهدت الدول المانحة في "مؤتمر فيينا"، الذي دُعيَت إليه الحكومتان اللبنانية والنمساوية إضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، عام 2008، بتقديم 122 مليون دولار لإعادة إعمار المخيم من أصل 450 مليوناً كانت طالبت بها "الأونروا".

يؤكّد الرئيس السابق للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني (التابعة لرئاسة مجلس الوزراء)، خلدون الشريف، تسلم الحكومة اللبنانية نصف المبلغ المطلوب لإعادة الإعمار (نحو 200 مليون دولار)، عازياً أسباب التأخر في إعادة الإعمار للتجاذبات السياسية التي تحكم البلد.

ويشير الشريف إلى أن أداء الجيش "الّذي تعرّض العشرات من عناصره للذبح" كان بحاجة لمزيد من الضبط السياسي، في إشارة إلى أداء الجيش خلال المعارك وفي الفترة الأولى بعد انتهاء المعارك. الأمر الذي يكرره مصدر فلسطيني متابع لملف إعادة إعمار البارد، ويُضيف أن الجيش "أصر على هدم كامل المخيم القديم رغم التقارير الهندسيّة التي أكّدت أن 70 في المائة من المخيم القديم صالح للسكن بعد الترميم". وينقل المصدر عن عدد من سكان المخيم تأكيدهم "تعرّض منازلهم للحرق بعد السرقة، على مرأى من عناصر الجيش" بحسب المصدر.

ويشير المصدر الفلسطيني إلى أن "تقديرات نسبة الهدر في مشروع إعادة الإعمار تصل إلى 30 في المائة من أصل 122 مليوناً استلمتها الحكومة اللبنانية، ووزعتها بطريقة استنسابية غطّت حاجات المناطق اللبنانيّة المحيطة بالمخيّم".

يبرز اسم المدير العام لمنظمة "الأونروا" السابق في لبنان، سلفاتوري لومباردي، عند الحديث عن مخيم نهر البارد. فالرجل الإيطاليّ الآتي من مدينة صقليّة تمكّن من خلال شبكة مدراء أجانب عيّنهم برواتب مرتفعة (عشرة آلاف دولار شهرياً) من إمساك خيوط إعادة الإعمار، "وصوغ تسوية مشبوهة مع وزارة الثقافة اللبنانيّة لطمر مدينة أرتوزيا الأثريّة الرومانيّة التي تمّ اكتشافها أثناء حفر أساسات الأبنية الجديدة"، بحسب المصدر الفلسطيني المتابع الذي طالب الأونروا بكشف ميزانية إعادة الإعمار للرأي العام.

إلى جانب أداء الأونروا، التي لم يتجاوب مكتبها الإعلامي مع طلب "العربي الجديد" مقابلته، يشير المصدر الفلسطيني إلى "تأخّر الحكومة اللبنانية في إقرار التفاصيل الهندسية للمشروع والتي تحتاج لقرار مجلس وزراء. وما زاد الطين بلّة، هي الملاحظات الأمنية على هندسة المشروع كتوسيع الشوارع الداخليّة لتتمكن الآليات العسكرية من الالتفاف فيها، وتضييق شبكات الصرف الصحي لمنع التسلل أو تهريب السلاح منها".

اليوم يشكل المخيم نموذجاً في ملاءمته لمخططات مديرية التنظيم المدني. في الداخل الملون بأشكال الاحتجاج، يشكو السكان النوعية المتردّية للبناء وصغر مساحة الشقق. ويشهد المخيم اعتصامات شبه يوميّة استنكارا لـ"التباطؤ في إعادة الاعمار، واعتماد المحسوبيّة في توزيع الشقق الجديدة". تنتهي الاعتصامات بعد كلمات ممثلي الفصائل، ويتفرّق الناس المهمومون في الأزّقة المزيّنة بصور أبو عمّار وأعلام فلسطين.

يجيب الشبان بسخرية عن إعادة الإعمار "ننتظر انتهاء السنوات الثلاث من الإعمار منذ سبعة أعوام". يترجّل أحد معلّمي البناء الفلسطينيين من سيارته ليشارك في حديث إعادة الإعمار "وعدنا السنيورة ولم يصدق". تطال أزمة التمويل عمال البناء المشاركين في ورش إعادة الإعمار، حيث يؤكّد عدد منهم عدم دفع المتعهّدين للرواتب اليوميّة البالغة 15 دولاراً أميركياً بشكل متكررّ "بسبب نقص التمويل، كما تمّر عدّة أيام من دون عمل بانتظار تأمين مواد البناء".

يقسّم مسؤول اللجنة العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد، مروان عبد العال، "مسؤولية إعادة إعمار البارد بين الدول المانحة، والأونروا، والحكومة اللبنانية". ويؤكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، "توالي عودة أهالي المخيم إلى شققهم الجديدة بشكل يومي في الجزء القديم من المخيم، وقد تم ــ حتى إعداد هذا التقرير ــ تسليم أربعة مجمعات عقارية من أصل ثمانية لسكانها بعد تشطيبها، وعودة أكثر من نصف سكان المخيم، أي نحو 15 ألف لاجئ. بانتظار استكمال التمويل المتعثّر للمجمعات الأربعة المتبقية وتلك المخصصة لترميم المباني المتضررة".

ويشير عبد العال "الى أن توالي الأزمات اللاحقة باللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان، إضافة إلى اعتماد الأونروا لسياسة تقشفية يؤثر سلباً على التمويل المخصص لإعادة الإعمار".