"القاعدة" في لبنان: "جبهة النصرة" ترسل أوّل "موفد رسمي"

"القاعدة" في لبنان: "جبهة النصرة" ترسل أوّل "موفد رسمي"

02 ابريل 2014
تفجير السفارة الإيرانيّة الذي تبنته كتائب عبدلله عزام (getty)
+ الخط -

بات تنظيم القاعدة ضيفاً ثقيلاً على لبنان. صار جزءاً من يوميات هذا البلد الصغير. لكن الحضور القاعدي ليس جديداً. لطالما عمل هذا التنظيم في لبنان، وأحياناً في ظروف أمنية سهلة نوعاً ما، وخصوصاً عندما كان الجهد مصوَّباً الى محاربة الأميركيين في العراق. تعرف الأجهزة الأمنيّة هذا الواقع جيداً، وإلا كيف تمكن "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي من اعتقال وتفكيك معظم الشبكات والخلايا القريبة من "القاعدة" في شمالي لبنان، بالتزامن مع الحرب التي شنها الجيش اللبناني على مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عام 2007، بحجة القضاء على تنظيم "فتح الإسلام"؟ وما ذلك سوى دليل على أن ضبط هذه الخلايا يحتاج إلى قرار سياسي قبل أن يكون أمنياً.

تمتلئ وسائل الإعلام المحلية في لبنان، بكثير من الكلام عن "نشاط القاعدة". يتناقل السياسيون هذه الاتهامات، حتى بات اسم "جبهة النصرة" و"داعش"، الأكثر تداولاً في الحديث السياسي اليومي. غير أنّ تدقيقاً يُظهر أن معظم ما يُكتب وما يُقال، هو أقرب الى التمنيات، أو حتى الى الأوهام منه الى الحقيقة.

تُجمِع مصادر عسكريّة وإسلاميّة لبنانيّة وفلسطينيّة، على أن عمل "القاعدة" في لبنان لم يصل إلى مستوى خطر بعد. يدور الحديث هنا عن غياب الهيكليات التنظيميّة، التي تسمح لمجموعات من هذا الفكر بالعمل الجدي. يقول أحد المسؤولين في أحد الفصائل الإسلاميّة الفلسطينيّة القريبة من حزب الله: إنه لا وجود عملي لتنظيمات جهادية، بل "هناك أفكار، وهناك أفراد يشعرون بضيق مالي وإحباط سياسي، لكن هؤلاء في لحظة يُمكن أن يتحوّلوا إلى انتحاريين". وهنا يحضر في ذهن هذا المسؤول مثال أحد الشبان في عين الحلوة، الذي قتل والده أخيراً لأنه "غير ملتزم دينياً ويشرب الكحول".

لا تختلف هذه الرؤية عند الأمنيّين. لطالما ردّد وزير العدل الحالي، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، أن مشاركة حزب الله في سوريا ستدفع العديد من الشباب السني الغاضب إلى التحوّل إلى "جهاديين". يُكرر أحد المسؤولين العسكريين التحذير عينه، مشيراً إلى الحرب المجاورة وتأثيراتها على الداخل اللبناني.

ويؤكّد هذا المسؤول، أن جميع المعلومات لا توحي بوجود جسم جهادي مبلور في لبنان، فـ"هم أفراد، قد يقومون بأعمال إرهابيّة، وعلاج هؤلاء لا يُمكن أن يكون أمنياً فقط. يجب أن يكون الحلّ من أوجه عدّة: سياسي وأمني واجتماعي واقتصادي". يُكرّر العديد من الأمنيين الذين يعملون على هذا الملف، مقولة، إن انتشار هذه الحالات يرتبط دوماً بأزمات سياسيّة وأمنيّة إقليمية ومحلية، إلى جانب العامل الاقتصادي، ذلك أن هذه الخلايا لا تولَد من فراغ، ومنه فإنّ مواجهتها تبدأ بالعمل على معالجة المسبّبات.

يتشارك بعض المقربين من هذه المجموعات الجهاديّة هذه المعطيات. في تفاصيل الملف الجهادي، ثمة "كتائب عبد الله عزام" و"جبهة النصرة". هذان التنظيمان هما الإطاران الوحيدان الجدّيان لما يمكن تصنيفه "القاعدة في لبنان". يؤكّد هؤلاء بأن تفجيرين انتحاريين فقط، حملا بصمات "القاعدة"، وهما تفجير السفارة الإيرانيّة، والمستشاريّة الإيرانيّة قبل أسابيع. ويؤكّد أحد المطلعين على أجواء الجهاديين، على أن قرار هؤلاء لا يتضمّن استهداف "الطائفة الشيعيّة، بل استهداف إيران وحزب الله في لبنان رداً على المشاركة في الحرب في سوريا إلى جانب النظام". هذا ما أعلنه "الأمير" السابق لكتائب عبد الله عزام، السعودي، ماجد ماجد، في كلمته في أغسطس/آب 2012، وهو ما أعلنته أيضاً "جبهة النصرة" أخيراً.

ويرى الرجل، أن كلّ التفجيرات الأخرى التي حصلت، ما هي إلا عبارة عن أعمال قام بها بعض "المتعهدين" كما يصفهم. أبرز هؤلاء الموقوفين، نعيم عباس، وعمر الأطرش، "ومنذ اعتقالهما توقفت هذه الاعمال بعد ضرب البنية التحتيّة لهؤلاء المتعهدين في بيروت". وحسب المعلومات الأمنيّة، ومن مصادر جهاديّة، فإن، الأطرش متورط، في تفجير السفارة الإيرانيّة، وهو الذي سلّم السيارتين إلى الانتحاريين، لكن من دون أن يعني ذلك حسب هذه المصادر، أنه جزء من منظومة "كتائب عبد الله عزام".

تُفيد المعلومات بأن القياديَّين الأساسيَّين لـ"كتائب عبد الله عزام" لا يزالان فاعلين. الأول موجود في لبنان، تحديداً في مخيم عين الحلوة، في صيدا جنوب لبنان، وهو أبو محمد طه، الذي انشق عن "عصبة الأنصار". والثاني، الشيخ سراج الدين زريقات، وهو الناطق الإعلامي باسم "الكتائب". يوجد، زريقات، حالياً في سوريا، وقد سبق لاستخبارات الجيش أن أوقفته وأطلقت سراحه "لعدم وجود أي دليل يُدينه في ذلك الوقت" كما يقول مصدر عسكري.

أمّا "جبهة النصرة"، فهي لم تكن موجودة تنظيمياً في لبنان، بل مجرد حالات تأييد فكري لها، حتى دخول أحد القياديين في "القاعدة" إلى لبنان من سوريا منذ أيّام. وفي معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، فإن هذا القيادي، وهو لبناني من طرابلس، "جاهد" لسنوات طويلة في أفغانستان (منذ احتلالها عام 2001). انتقل هذا القيادي من أفغانستان إلى سوريا منذ أشهر، ومنذ أيّام إلى لبنان، حيث يعمل على تجهيز بنية تنظيميّة لـ"جبهة النصرة". يلتقي هذا القيادي عدداً قليلاً من الناس، ويمتنع حتى اللحظة عن كشف وجهه أمام الناس. كما لم يُحدد هذا "الضيف" ما إذا كان سيستقر في لبنان أو لا، وما هو هدف "زيارته".

تؤكّد مصادر إسلاميّة أن "النصرة" لا تزال على موقفها بعدم فتح معركة مع الجيش اللبناني، ولا مع الشيعة، بل تُكرر هذه المصادر مقولة "استهداف مواقع إيران وحزب الله". وساهم موقف مختلف الأطراف الإسلاميّة في لبنان الرافض للعمليات الانتحاريّة على ثني "النصرة" عن هذه الأعمال، ما عدا قلّة من أمثال الشيخ عمر بكري. وتُشير مصادر إسلاميّة إلى أن لـ"النصرة" القدرة على تفخيخ السيارات في لبنان لو أرادت.

اللافت أكثر في موضوع "جبهة النصرة"، حسب مصادر إسلاميّة عدة، هو أنّ تعاطف جزء من الشارع الإسلامي في لبنان معها يعود لأسباب، أبرزها دورها في مقاتلة النظام السوري، كذلك المعركة التي خاضتها مع تنظيم "داعش"، وخصوصاً أنّ الأخير لا يلقى رواجاً بين الإسلاميين اللبنانيين، بل يرى عدد كبير من هؤلاء، أنه تنظيم تُديره أجهزة استخبارات عدة، منها أطراف أمنية تابعة للنظامين السوري والإيراني.

أمّا بالنسبة لتنظيم "داعش"، فحسب المعطيات هو موجود "فكرياً" في شمال لبنان وبشكلٍ رئيس في طرابلس، وتحديداً في منطقة التبانة، إلى جانب وجود أفراد تابعين له "فكرياً" في منطقة عكّار (المحاذية للحدود السورية). وتؤكّد مختلف المصادر السلفيّة أن المجموعات الموجودة في التبانة لم تصل تنظيمياً إلى المستوى الذي يسمح لها فرض سطوتها على مناطق محددة بعد، لكنها تسير على هذا الطريق. ويشرح أحد المشايخ السلفيين، وهو واسع الاطلاع في مجال السلفيّة الجهاديّة، حالة "داعش" في طرابلس كالتالي: "تنظيمياً، هي لا تزال قيد النمو، لكنها تملك العمق العقائدي بالكامل".

تدور الشكوك في طرابلس حول هوية، أبو سياف الأنصاري، وهو الشخص الذي أعلن نفسه "أميراً" للتنظيم في لبنان، وبايع، أبو بكر البغدادي (أمير الدولة الإسلاميّة في العراق وبلاد الشام). يعتقد بعض المشايخ أن هذه الشخصيّة وهميّة. منهم مَن يؤكّد بأن تسجيل المبايعة وبثّها لم يجرِ من طرابلس، لكن معظمهم لا يستطيع تأكيد هذا الأمر. لكن اللافت في هذا المجال، هو أن الشيخ، عمر بكري فستق، أعلن هذا التسجيل قبل أيام من بثّه، وهو أول مَن نشره.

ويُشير معظم المشايخ إلى ارتباط وثيق بين، بكري، ومجموعات "داعش" في طرابلس، ويلمحون إلى كونه الأب الروحي لها، حسب ما يقولون. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أبرز مجموعة عسكرية قريبة فكرياً من "داعش" في طرابلس، تتألف من خمسين مقاتلاً مدرباً ومسلحاً بعتاد كلفته المالية نحو، عشرة آلاف دولار للمقاتل الواحد، حسب رجال دين سلفيين يدينون بالولاء إلى شخص يُدعى، أبو عمر منصور، وهو من أتباع، بكري.

تُحاول الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة متابعة حركة "جبهة النصرة" و"كتائب عبد الله عزام" و"داعش". لكن منع "السلفيّة الجهاديّة" من العمل في لبنان ليس أمراً سهلاً. بات الأمر مرتبطاً بمشاركة، حزب الله في القتال في سوريا، وبما يراه كثُر، أنه حالة إحباط سياسي تعيشه طائفة بأكملها، إلى جانب عمل العديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية وتدخلاتها المباشرة وغير المباشرة. يُضاف إلى هذه العوامل، الصراع الأمني بين الأجهزة الرسميّة اللبنانيّة، وهو صراع يسمح بنمو هذه الخلايا، إذ يتلقى بعضها دعماً أو غض نظر.