"داعش" يتمدد في أفغانستان على حساب "طالبان"

"داعش" يتمدد في أفغانستان على حساب "طالبان"

31 يناير 2015
معارك ضارية بين داعش وطالبان (فرانس برس)
+ الخط -
تتناقل وسائل الإعلام المحلية، ووسائل التواصل الاجتماعي في أفغانستان، منذ فترة أخبار تزايد النشاط العسكري لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في أفغانستان، كما تناقش الأوساط السياسية الأفغانية ملف نشاط التنظيم على الأصعدة المختلفة، مطالبة الحكومة الأفغانية والقوات الدولية المتواجدة في البلاد بالتصدي للمسلّحين المنتسبين إلى تنظيم "داعش" قبل فوات الأوان.

وعلى الرغم من المخاوف المتزايدة من توسّع نفوذ "داعش" في الأقاليم الجنوبية، إلا أن الداخلية الأفغانية تنفي رسمياً وجود أي نشاط لتنظيم "داعش في أفغانستان. وأكد رئيس الاستخبارات الأفغانية، رحمة الله نبيل، في خطاب له أمام البرلمان الأفغاني، أن "تنظيم الدولة الإسٍلامية ليس خطراً على أمن أفغانستان أبداً، وأن الاستخبارات الأفغانية ليست قلقة حيال وجود داعش"، لكنه في الوقت نفسه يحذر من أن يكون العام الحالي أكثر دموية من العام المنصرم.

في مقابل التطمينات الرسمية، تشير مصادر قبلية في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، إلى أن المئات من مسلّحي التنظيم بدأوا ينشطون ضد "طالبان" والحكومة الأفغانية على حد سواء، وهم مدججون بأسلحة حديثة ومتطورة، مؤكدة أن التنظيم خاض معارك عنيفة ضد "طالبان" في مديرية كجكي الاستراتيجية، مما أدى إلى مقتل عشرات المقاتلين من الطرفين.

وتتحدث مصادر قبلية متطابقة عن خوض المقاتلين المنتسبين إلى "داعش" معارك ضارية ضد مسلحي "طالبان"، وإقامة معسكرات تدريب لهم في جنوب وغرب البلاد، وهو ما ألمح إليه أخيراً بعض المسؤولين في الجيش والحكومة الأفغانية.
وفي السياق، تقول مصادر في حركة "طالبان أفغانستان" ومصادر قبلية، إن مسلحي "طالبان" اعتقلوا، يوم الأربعاء الماضي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في أفغانستان، المولوي عبد الرؤوف خادم. وجاءت الخطوة بعد يومين من إعلان التنظيم بلسان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، امتداد الدولة إلى باكستان وأفغانستان وتعيين حافظ سعيد أوركزاي والياً على منطقة خراسان، والمولوي عبد الرؤوف خادم نائباً له. وتشمل منطقة خراسان بعض مناطق باكستان وأفغانستان وإيران وبعض دول آسيا الوسطى.

وعلى الرغم من أن المصادر الحكومية نفت علمها باعتقال خادم، لكن مصادر قبلية ومصادر في حركة "طالبان" تؤكد أن "خادم اعتقل مع 45 من مسحلي داعش في مديرية كجكي في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، بأمر من والي "طالبان" على الإقليم المولوي عبد الرحيم أخند".

وكانت الاستخبارات الأفغانية قد أعلنت، يوم الأربعاء الماضي، عن اعتقال 11 من مسلحي حركة "طالبان" في مديرية باغرامي في إقليم بروان المجاور للعاصمة الأفغانية كابول، معتبرةً الخطوة مهمة للغاية. إلا أن مصادر قبلية قالت إن الاستخبارات الأفغانية اعتقلت مسلحي "داعش"، الذين كانوا ينشطون ضد الحكومة وقوات الأمن في المنطقة.

من جهته، يوضح الزعيم القبلي، صفي الله سنجينوال، أن أعداد مسلّحي "داعش" تتزايد يوماً بعد آخر في المنطقة، ولدى التنظيم إمكانية أكثر لتجنيد المقاتلين نظراً للأموال الطائلة والإمكانيات العسكرية التي يملكها.

وتوضح المصادر القبلية أيضاً أن مسلّحي التنظيم يُمزّقون الأعلام البيضاء لحركة "طالبان"، ويرفعون مكانها الأعلام السوداء.

كذلك يتزايد نشاط "داعش" في أقاليم غزنة وزابل وفراه، التي تُعدّ مناطق نفوذ حركة "طالبان"، كما أن مسلحي التنظيم بدأوا تحركاتهم الميدانية في إقليم نيمروز مسقط رأس زعيم حركة "طالبان"، الملا عمر المجاهد، والذي يُلقبه أعوانه بأمير المؤمنين.

وبسط التنظيم سيطرته في بعض مناطق إقليم زابل المجاور لقندهار معقل "طالبان" بعد وصول مئات المسلّحين الأجانب، بينهم عرب وشيشان وباكستانيون وأزبك. وبحسب مصادر في الحكومة المحلية، فإن مسلّحي "داعش" أنشأوا معسكرات في المناطق الجبلية النائية، وهم يرغمون الناس على رفع أعلام التنظيم بدلاً من أعلام حركة "طالبان".

وفي إقليم فراه، غرب أفغانستان، انضم قياديان في حركة "طالبان"، المولوي عبد المالك والمولوي مهدي، إلى تنظيم "داعش"، وشكّلا معسكراً لتجنيد وتدريب مسلحي التنظيم في منطقة خاك سفيد وبالقرب من جبل ساجي، بعد أن خاضا معارك ضارية مع قيادي من "طالبان"، يُدعى خالد أخندزاده.

ويقول مسؤول أمني في إقليم فراه، يدعى خالق نوروزي، إن لمسلحي "داعش" نشاطاً واسعاً في مناطق جبلية، وهم يصرفون أموالاً باهظة لتجنيد مسلحي "طالبان"، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من مسلّحي "طالبان" وقياداتها نقضوا بيعتهم لزعيم "طالبان" وانضموا إلى "داعش".

ولم يقتصر نشاط التنظيم على الأقاليم الجنوبية البعيدة عن العاصمة كابول، بل تشهد الأقاليم المجاورة لها تحركات للمقاتلين المنتسبين إلى التنظيم، ففي إقليم لوجر كشف مسؤولون محليون عن نشاط لـ"داعش" في بعض المناطق الاستراتيجية المهمة.

وما ساعد التنظيم في بسط نفوذه في لوجر هو اعتقال اثنين من قيادات "طالبان" المعارضين لوجود التنظيم، بعد دعوتهما من قبل قيادة الحركة إلى باكستان، واعتقالهما هناك في ظروف غامضة. وقالت صحيفة "محور" المحلية إن بعض الجهات الباكستانية تقوم بتمويل المسلّحين المنتسبين إلى "داعش"، الخطر الحقيقي على أمن أفغانستان في الفترة المقبلة، على حد تعبيرها.

وعلى الرغم من التطورات الميدانية المكثفة لـ"داعش"، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، صديق صديقي، وجود نشاط التنظيم، بحجة عدم وجود دلائل ملموسة تثبت تسلل التنظيم إلى أفغانستان، الأمر الذي يثير استغراب كل من راقب عن كثب التطورات الميدانية في جنوب وغرب أفغانستان، إلا أن مسؤولين في الجيش والحكومة اعترفوا أخيراً بوجود نشاط التنظيم، إذ يقول مسؤول أمن إقليم زابل، روغ ليوني، إن مسلحي التنظيم ينشطون في المناطق الجنوبية، ولكنه يشدد على أنهم يواجهون حالياً مقاتلي "طالبان" وليس قوات الأمن. كما أن قائد القوات الدولية في أفغانستان، الجنرال جون كيمبل، أعلن أن "داعش" بدأ يجنّد المسلحين في باكستان وأفغانستان.

ويقود التنظيم في أفغانستان قيادي سابق في "طالبان"، هو الملا عبد الرؤوف، الذي سُجن ستة أعوام في سجن غوانتنامو الأميركي، إثر اعتقاله عام 2001 على يد القوات الأميركية. وتلفت مصادر في "طالبان" إلى أن خلافات كبيرة كانت موجودة بين قيادة الحركة والملا عبد الرؤوف منذ إطلاق سراحه من سجن غوانتنامو، إلى أن بايع الأخير زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي.

كما انضمت إلى التنظيم قيادات ميدانية كثيرة من حركة "طالبان"، على الرغم من تحذير الحركة مسلّحيها من الانضمام إلى التنظيم، والمشاركة في أنشطتها القتالية.

ويقول مصدر في "طالبان" لـ"العربي الجديد"، يفضل عدم الكشف عن هويته، أن قيادة الحركة تتجنب أي نوع من الصراع مع "داعش"، لأنه يصب في مصلحة الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، لكنها خائفة من تفجير الصراع مع التنظيم، ومن وقوع انشقاق داخلها.

يُذكر أن معظم قيادات ومسلّحي "طالبان" المنتمين إلى الفكر السلفي يسارعون للانضمام إلى التنظيم، وذلك في وقت يتهم فيه أعضاء "داعش" الحركة بحركة المتصوّفين، وهو ما ينذر بتفجير صراع بينهما، خصوصاً أن مصادر في الحركة تعرب عن خشيتها من أن يكون هدف "داعش" في الظروف الراهنة القضاء على هيمنة "طالبان".

ومما لا شك فيه أن نشاط "داعش" في أفغانستان سيُلحق الضرر بنفوذ "طالبان"، وخصوصاً أن مسلحي التنظيم لديهم إمكانيات أكثر وأموال طائلة مما يسمح لهم بتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين، فيما تواجه حركة "طالبان" أزمة مالية حادة في الظروف الراهنة.

ومن الملفت للانتباه أن أنشطة "داعش" وتحركاته تتزايد بعد أن أعلنت عشر جماعات مسلّحة في أفغانستان وباكستان مبايعتها للبغدادي، وذلك من خلال شريط فيديو بُث على مواقع جهادية، أعلن خلاله المتحدث باسم هذه الجماعات، شاهد الله شاهد، وهو المتحدث السابق باسم "طالبان"، عن تعيين ،حافظ سعيد أوركزاي، أميراً للتنظيم في أفغانستان وباكستان.

وكانت معظم هذه القيادات قد أعلنت سابقاً ولاءها بشكل فردي لتنظيم "داعش"، إلا أن هذه أول مرة يجتمع كل هؤلاء القادة من أفغانستان وباكستان، ليعلنوا مبايعتهم لزعيم "داعش". ولم يتضح بعد ما إذا كان المولوي عبد الرؤوف، الذي يتزعم "داعش" في أفغانستان، حسب مصادر قبلية، من بين هؤلاء القادة العشرة، الذين أعلنوا ولاءهم مجدداً لـ"داعش" وعيّنوا المولوي سعيد أميراً لـ"داعش" في أفغانستان وباكستان.

المساهمون