أردوغان يواكب "تركيا الجديدة" بـ"تاريخ جديد"

أردوغان يواكب "تركيا الجديدة" بـ"تاريخ جديد"

05 ديسمبر 2014
يرغب أردوغان في إعادة كتابة تاريخ بلاده(فرانس برس)
+ الخط -

يستمرّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل، وآخر فصولها إيعازه للمؤسّسات التعليميّة التركيّة، لتبني سياسة تعليميّة، تبرز مساهمة العلماء المسلمين في العلوم والثقافة العالمية، وتحديداً تعليم التلاميذ الأتراك أن مكتشفي القارة الأميركية هم البحارة المسلمون، الذين سبقوا كريستوفر كولومبوس إليها بـ300 عام.

وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها أردوغان الموضوع، إذ سبق وطرحه في ملتقى القيادات الإسلاميّة في أميركا اللاتينية، الذي نظّمته إدارة الشؤون الدينيّة التركيّة، في محاولة لتوسيع ممارسة "القوة الناعمة"، التي تتبعها أنقرة في العالم الإسلامي، مقدّمة "الإسلام التركي أو العثماني"، بديلاً عن باقي التيّارات الإسلاميّة المتشدّدة.

ولم يتردّد أردوغان في إثارة المسألة مجدداً، في كلمة ألقاها أمس الأربعاء، في مؤتمر عقده المجلس القومي للتعليم، في مدينة أنطاليا، مشتكياً من أنّ الطلبة الأتراك أصبحوا يركزون على الإنجليزية ويعرفون الشخصيّات الأجنبيّة، ولكنّهم في المقابل لا يعرفون أي شخصيّة إسلامية أو تركيّة مهمة. ويضيف: "إن سألتهم عن أينشتاين، فإن أياً منهم يستطيع أن يجيبك، لكن إن سألتهم عن ابن سينا، فإن معظمهم لن يعرفه".

ولم يكتف أردوغان بالإشارة إلى الشخصيّات العلميّة أو الدينيّة، بل وسّع الأمر إلى الشخصيّات الثقافيّة والشعراء والمغنين، قائلاً: "هناك من أبنائنا من يحفظ أسماء معظم مغنيي البوب الأجانب، لكن لا أحد منهم سمع باسم نشأت إرتاش (أحد كبار مغنيي الموسيقى الشعبيّة التركيّة). يستطيعون أن يستمعوا إلى بيتهوفن، لكن عليهم أن يعرفوا العطري وديدة أفندي"، وهما من كبار موسيقيي العصر العثماني.

وبغضّ النظر عن مدى دقة أردوغان في الإشارة إلى أنّ المسلمين هم أول من اكتشف قارة أميركا أم لا، فإن الأمر أبعد من ذلك، إذ أوضح أردوغان ما عناه بقوله مدافعاً عن فكرته: "أريد أن أكون واضحاً، هناك مسؤوليّة كبيرة ملقاة على أكتاف وزارة التعليم وإدارة التعليم العالي، وهي إعادة كتابة التاريخ لتظهر مشاركة الشرق الأوسط والإسلام في العلوم والفن". ويضيف: "كرئيس لبلادي، لا أستطيع أن أتقبّل أبدا أن حضارتنا أدنى من الحضارات الأخرى"، معتبراً أنّه "على الشباب أن يشعروا بالثقة وليس بالدونيّة".

وتلخّص الجمل الأخيرة التي وردت على لسان أردوغان كل شيء، فالهدف في نهاية المطاف إعادة كتابة التاريخ بما يتناسب مع "تركيا الجديدة"، التي أعلن عنها في حملته للانتخابات الرئاسيّة. وكما عاد مؤسّس الجمهوريّة التركيّة، مصطفى كمال أتاتورك، في ذكرى وفاته إلى كونه الضابط العثماني الذي أنقذ البلاد، يحاول أردوغان إعادة كتابة التاريخ بما يتناسب مع الهويّة العثمانيّة الجديدة، حيث يقع الإسلام منها موقع القلب وتعترف بكل القوميات الأخرى، بل وتمنحهم نوعاً من حكم ذاتي، لكنّها في الوقت ذاته لا تقبل إلا أن يكون الأتراك قادتها.

وليست إعادة كتابة التاريخ، بما يتناسب مع الأهداف السياسيّة، أمراً غريباً على الجمهورية التركيّة، فقد وقع ذلك في عهد أتاتورك بعد إسقاطه الخلافة وإعلانه الجمهوريّة العلمانيّة القوميّة الحديثة، حين خطّ نسخة أكثر راديكالية في فترة حكمه من عام 1923 حتى 1938، إذ روّج لنظريّة جديدة في التاريخ تعيد تعريف الأتراك وموطنهم الأم في آسيا الوسطى، على أنهم مهد للحضارات.

وتبعاً لتلك النظرية، فإنّ الأتراك كانوا قد نجحوا في بناء حضارة عظيمة في وسط آسيا، ليتفرّقوا بعدها في جميع أنحاء العالم، وليصبحوا السومريين والفراعنة الذين بنوا الأهرامات، حتى إنّ شعار الجمهورية مكوّن من هلال تحيطه 12 نجمة، في إشارة إلى الممالك التركية عبر التاريخ.

ومقارنة بنظرية أتاتورك الذي روّج للقومية التركية بشيء من الأسطرة التي قد لا يقبلها أي دارس للتاريخ، لكنّ رؤية أردوغان تبدو منطقية، خصوصاً أنّ أهم الحقب التاريخيّة لأتراك الأناضول هي تلك التي كانت بعد دخولهم في الإسلام، منذ تأسيس الدولة السلجوقية انتهاء بالخلافة العثمانية.