انتخابات السويد: فوبيا اليمين المتطرّف

انتخابات السويد: فوبيا اليمين المتطرّف

14 سبتمبر 2014
حذر اليمين السويدي من "خطر" إسلامي مزعوم (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

قد لا تبدو الانتخابات العامة في السويد، على قدر أهميّة الانتخابات، التي تجرى عادة، في بلدان أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا. لكن إذا انطلقنا من كونها الانتخابات الأولى، التي تحصل في دول الاتحاد الأوروبي، بعد انتخابات برلمانه في شهر مايو/أيار الماضي، فإن أهميتها تنبع من محاولة قياس ما حقّقه اليمين من تقدّم بعد تلك الانتخابات.

ليست السويد من دول منطقة اليورو. البطالة فيها ليست بحجم ما هي عليه في بلدان أخرى، عانت أزمات اقتصاديّة. تصل نسبة دخلها القومي إلى 400 مليار دولار سنوياً، وتصنف في المرتبة 35 على قائمة الاقتصاديات الكبرى. كلّ ذلك، لم يمنع اليمين السويدي، ممثلاً بحزب "الديمقراطيين السويديين"، من التحذير من خطر الإسلام، إلى درجة اعتبر فيها زعيم الحزب، جيمي أوكسون، إن "أكبر تهديد يواجه بلادنا، منذ الحرب العالمية الثانية، هو الإسلام".

لا يتأتى القلق من توجّهات هذا الحزب المثير للجدل داخل السويد، وفي الدول المحيطة بها، بل من كونه يمثل تهديداً للحياة السياسيّة وأحزابها العريقة. لا يشعر حزب "الاشتراكيين الديمقراطيين"، على سبيل المثال، وهو الحزب الأكبر في السويد والأكثر تشكيلاً للحكومات منذ عام 1930، ويعود تأسيسه إلى عام 1917، بتهديد من حزب "الديمقراطيين السويديين"، بقدر ما يخشى انقساماً يثيره الأخير داخل المجتمع السويدي، في محاولته تطبيع و"شرعنة" خطاب عنصري، مطعّم بشعارات نازيّة.

في الطريق نحو الانتخابات العامة، بدءاً من اليوم الأحد، سيكون على مواطني السويد، بغضّ النظر عن خلفيّاتهم العرقيّة والدينيّة، أن يختاروا ممثليهم في البرلمان والبلديّات والمحافظات، من دون الاكتراث لمجموعة من المنغّصات "الفضائحية"، كما سمّتها الصحف ووسائل الإعلام.

تشير استطلاعات الرأي، إلى أن "حزب الديمقراطيين السويديين"، سيحصد أكثر من 10 في المائة من الأصوات، لكن في المقابل، ثمّة توجه للحدّ من نفوذ أو تأثير هذا الحزب كلياً في الحياة البرلمانيّة والسياسيّة.

وبرغم الاختلاف بين أحزاب الائتلاف الحاكم المحافظ، والأحزاب المعارضة من يسار واشتراكيين ديمقراطيين سياسياً، لكنّها تجمع كلّها على محاصرة ظاهرة تقدّم اليمين المتطرّف. يعزّز هذا التوجّه، سلسلة فضائح كشفتها الصحف ووسائل الإعلام، عن الوجه الآخر، لحزب الديمقراطيين السويديين، قبل أيام من الانتخابات العامة.

وفي سياق متّصل، كشفت العدسات الشابة المرشّحة، كاترينا ستراندكفيست، وهي ترتدي شارة النازيين، وتؤدّي تحيّتهم، ما اضطرها للانسحاب من قائمة المرشّحين على لوائح الحزب.

من جهته، كتب مرشح آخر، هو بيورن لوفينوس، ويبلغ من العمر 66 سنة، بشكل عنصري وتحريضي ضد السويديين، من أصول مهاجرة: "لقد أخطأت بالدواسة، بدل الفرامل كان يجب أن أدوس على البنزين". لم يكتف هذا المرشّح بذلك، بل ذهب بعنصريّته وكراهيّته للأجانب، إلى حدّ وصفهم بـ "الطحالب الذين يستحقّون الدوس عليهم".

من جهته، لم يخف عضو مجلس بلدية كريستيانستاد، ومرشح الحزب، أولف هوكانسون، كراهيته، حين وصف المسلمين بـ" الجراد"، الذي يجب أن يُكافح.

لا تنتهي الأمثلة المنتشرة عن تطرّف اليمين، الذي يحاول أن يعتاش على حالة من الشكّ والريبة، عند فئات اجتماعيّة سويديّة، ليبثّ فيها روح الكراهية ضد الآخر. ولم تتردّد قناة الحزب التلفزيونيّة، في بث شريط صوّرته في شوارع غوتيبورغ، حيث يقطن مهاجرون، وظهر معلّقو القناة وهم يقولون: "ضبطنا هذا الزنجي" و"إلى الجحيم مع كل هؤلاء".

وبرغم أن زعيم "الديمقراطيين السويديين"، جيمي أوكسون، يبرّر كل تلك الحالات على أنّها لا تمثّل الحزب، لكن انتشارها على امتداد السويد، ووفق ما يراه المواطنون السويديون، يعبّر عن تربة تطرّف خصبة داخل تيار اليمين.

تبيّن استطلاعات رأي أجراها "راديو السويد"، أنّ "66 في المئة من السويديين، يدعون الأحزاب النيابية إلى الامتناع عن التعاون مع حزب أوكسون، في حين لم يعارض 26 في المائة، تعاون الأحزاب معه. وفي صفوف ناخبي اليسار، دعا 80 في المائة إلى عدم التعاون مع حزب "السويديين الديمقراطيين" وعدم منحه أيّ نفوذ نيابيّ أو سياسيّ.

ويعبر غالبيّة المستطلعين عن مواقفهم، من زاوية "عنصريّة" الحزب. يقول 37 في المائة منهم، إنّهم يعارضون التعاون معه، لأنه "عنصري الجوهر والتوجّه"، ويرى 30 في المائة أنّ قيمهم كسويديين، مخالفة لتلك التي يتّصف بها هذا اليمين المتطرف".

وبرغم أنّ الأحزاب المحافظة والبرجوازيّة نفسها، تعد جمهورها والشعب السويدي، بعدم التعاون مع اليمين المتطرّف، لكنّه، وبحسب محلّلين سويديين، ثمّة صعوبة في لجم اندفاعات اليمين محلياً، انطلاقا من أنّ الانتخابات عبارة عن انتخابات عامة، أي بلديّة ومحافظات إلى جانب الانتخابات البرلمانيّة.

وتتخذ البلديات والمحافظات، في معظم الدول الاسكندنافيّة، سياسات اجتماعية واقتصادية غير مركزيّة، ويعني تقدّم "الديمقراطيين السويديين" في انتخابات اليوم، وفق مراقبين محليين، مزيداً من الانقسامات المحلية، عدا عن مفاجآت قد تظهر مع عجز أي تكتل سياسي، على تشكيل الحكومة منفرداً.

واللافت، أنّ رئيس حزب الاعتدال الحاكم، رئيس الوزراء الحالي، فرديريك راينفيلت، استبق الوصول إلى هذه المرحلة بقوله إنه يفضّل ترك الحكومة وعدم تشكيلها، إذا كان الأمر، سيعتمد على حزب "الديمقراطيين السويديين"، مثار الجدل والانقسام.

دلالات

المساهمون