تركيا وإيران...خصومة شاملة وتوافق على "همّ" الحرب على "داعش"

تركيا وإيران...خصومة شاملة وتوافق على "همّ" الحرب على "داعش"

20 سبتمبر 2014
سيرسم الهجوم على "داعش" سياسة جديدة (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
لم يتمّ السماح لإيران، على الرغم من عروضها السخية، بالمشاركة في التحالف الدولي الذي تعمل عليه الإدراة الأميركية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كما لا تزال تركيا مترددة بالمشاركة الفاعلة، لأسباب عدة، تبدأ من الرهائن الذين يحتجزهم "داعش" منذ اقتحامه للقنصلية التركية في الموصل في يونيو/حزيران الماضي.

ويبدو بأن الدولتين تريان بشكل واضح، أن التحالف الجديد، أو الفهم الأميركي للاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس باراك أوباما، يهدّد مصالح الطرفين، فإيران تخشى على نفوذ حلفائها في كل من بغداد ودمشق، بينما تخشى تركيا أن يؤدي ضرب التنظيمات المتشددة إلى تعزيز قوة حلفاء إيران في المنطقة.

وعلى الرغم من التنافس بين الدولتين اللتين تعتبران الأكبر في المنطقة، إلا أن العلاقات بينهما تعززت في العقد الأخير، وذلك بعد اعتلاء حزب "العدالة والتنمية" سدة الحكم، لتُصبح المصالح الاقتصادية، تحديداً قطاع الطاقة، القاطرة الأساسية لهذه العلاقات، فتحوّلت إيران إلى الموّرد الثاني للغاز الطبيعي للاقتصاد التركي المنتعش، بعد روسيا التي تحتل المرتبة الأولى، لكن لا يجب أن يتم التضخيم من أمر هذا التعاون الاقتصادي، وخصوصاً أن الدولتين طالما كانتا تاريخياً في حالة تنافس أكثر منها شراكة.

بالرغم من المصالح الاقتصادية التي تجمع بينهما، إلا أن تعارض مصالحهما على مستوى الشرق الأوسط، جعلهما في حالة خصومة، ليتوافقا هذه المرّة على الخشية من الحرب الأميركية على "داعش".



وجاء الربيع العربي ليمنح الصراع الإيديولوجي والسياسي بين الطرفين دفعة أخرى، فكان سقوط الأنظمة الاستبدادية في كل من ليبيا ومصر وتونس، إضافة إلى قيام الثورتين السورية واليمنية، وتنامي الاحتجاجات في العراق والبحرين، محفّزاً آخر لكل من البلدين للبحث عن مناطق نفوذ جديدة أو للدفاع عن تلك المهددة.

وأصبحت القضية الفلسطينية ساحة أخرى للصراع من بوابة دعم المقاومة، قولاً و/أو فعلاً.

وتوتّرت العلاقات بين الطرفين بسبب العديد من القضايا، أهمها الثورة السورية، بعد أن قررت الحكومة التركية تقديم كافة أنواع الدعم للمعارضة سواء السياسية أو العسكرية، بينما بقيت إيران الداعم المباشر الوحيد للنظام البعثي، كون سقوطه سيُشكل ضربة استراتيجية قوية للسياسة الإيرانية ودفعة قوية للنفوذ التركي.

إضافة إلى ذلك، ظهر الخلاف واضحاً على ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأميركي من العراق. وجرّ الصراع المذهبي السني ـ الشيعي في العراق كل من إيران وتركيا إلى جبهات متحاربة. ففي الوقت الذي دعمت فيه إيران حكومة حزب "الدعوة" بقيادة نوري المالكي بمختلف السبل، دعمت تركيا إقليم كردستان العراق بقيادة مسعود البرزاني، بل ووقعت معه اتفاقية لتصدير النفط عبر أراضيها، وبعد بدء الحراك السني في العراق كانت تركيا أكبر الداعمين للتيارات السياسية الممثلة للعرب السنة.

وتصاعد الصراع السياسي على المنطقة بين الطرفين، لتبدأ إيران بتقديم الدعم العسكري، سواء بدفع "حزب الله" في لبنان لدخول سورية أو بتكوين مليشيات عسكرية طائفية، بحجة "حماية المراقد المقدسة في سورية"، مكوّنة من العراقيين، كـ"لواء أبو الفضل العباس" و"عصائب أهل الحق"، الأمر الذي تكرر بعد اندلاع الاحتجاجات في العراق كـ"كتائب الإمام علي" و"جند الإمام" وتعزيز قوة كتائب "حزب الله العراقي" و"سرايا الحشد الشعبي".

لم تبدِ الإدارة الأميركية انزعاجها من المليشيات الطائفية الشيعية بقدر ما أبدته اتجاه المليشيات السنية، لتدرج "جبهة النصرة" و"داعش" في وقت مبكر ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، ويتبعها في ذلك جميع حلفائها الغربيين، بل وبدأت بحملة ضد الحكومة التركية، تتهمها بدعم الإرهاب، الأمر الذي أكده السفير الأميركي السابق لدى أنقرة، فرانسيس ريتشاردوني، في المؤتمر الأول الذي شارك فيه كخبير لمنطقة الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي"، المعروف بأنه مؤسسة فكرية غير رسمية تابعة لحلف شمال الأطلسي.

ويقول ريتشاردوني "حدث خلاف فكري مع تركيا في مرحلة تحديد الجماعات المعارضة التي سيتم دعمها والأخرى التي لا يُمكن دعمها في الحرب الأهلية الجارية في سورية". وأكد أن "الأميركيين طلبوا من تركيا إغلاق الحدود في وجه الجماعات الإرهابية، إلا أن تركيا لم تنفذ مطلبهم".

وتعتمد الاستراتيجية الأميركية في ضرب "داعش"، علاوة على الضربات الجوية، على إيجاد القوى المناسبة لملء الفراغ الذي سيشكله انسحاب "داعش"، ويُتوقّع أن تلجأ لدعم المعارضة "المعتدلة" السورية، وأيضا تشكيل الجيش الوطني في العراق، الذي سيكون قوامه من أبناء العشائر السنيّة. وفي حال نجحت هذه الاستراتيجية، ستؤدي ضربات التحالف إلى إعادة لملمة معارضي النفوذ الإيراني في العراق وسورية، ضمن أطر منظّمة وواضحة، يسهل التعامل معها، وذات ولاء أميركي ـ تركي ـ عربي.

في هذه الحالة، قد تُصبح إيران، فضلاً عن فقدانها الكبير للنفوذ، في كل من سورية والعراق، منذ بدء الربيع العربي، في مواجهة قوى منظمة لا يُمكن أن يتم وضعها في لوائح الإرهاب. وبالتالي تُعدّ هذه الاستراتيجية بالنسبة لتركيا، مخاطرة كبيرة، لأن فشلها يعني أن يتمّ تسليم المنطقة لإيران وحلفائها، حتى أجل غير مسمى، وخصوصاً أن تجارب لم شمل المعارضة السورية منذ ثلاث سنوات باءت بالفشل على المستوى السياسي أو العسكري، بسبب الخلافات العربية ـ العربية، مما يضاعف حجم المخاطرة، وأيضاً فإن نجاحها سيجعل الكتائب العسكرية السنية المنظمة أقل قرباً من أنقرة، إذ أن الجيش الوطني في العراق سيكون تابعاً لرئاسة الحكومة التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية.

المساهمون