الانقسام مجدداً بدار الفتوى اللبنانية: مفتي "الوسطية" يعود لـ"المستقبل"

الانقسام مجدداً بدار الفتوى اللبنانية: مفتي "الوسطية" يعود لـ"المستقبل"

21 أكتوبر 2014
في انتظار المفاوض المصري لحلّ الخلاف (العربي الجديد)
+ الخط -


عادت غيوم الانقسام لتظلل مقر دار الفتوى في العاصمة اللبنانية بيروت، على الرغم من نجاح المفاوض المصري قبل أشهر، في تمرير انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، لكن من دون معالجة جذور الخلاف الإداري والسياسي في الدار ومؤسساتها. ويأتي على رأس هذه القضايا الخلافية، انقسام المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، في عهد المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني.

أدى الخلاف السياسي بين المفتي قباني و"تيار المستقبل" إلى تمديد المجلس المحسوب على التيار لنفسه في العام 2012، في حين دعا قباني إلى انتخابات، وأفرز مجلساً جديداً. اتخذت المعركة في حينها، بعداً قضائياً، مع رفع دعاوى قضائية متبادلة بين الطرفين والمجلسين.

بقي الخلاف في إطار "المقبول" محلياً، إلى أن اقتربت نهاية ولاية المفتي قباني مطلع العام الحالي، وفي ظل الانقسام السياسي الحاد وتبادل الاتهامات المالية بين طرفي النزاع (قباني والمستقبل)، تدخل الرعاة الإقليميون لفضّ الخلاف وإعادة الوحدة إلى المؤسسة الممثلة للمسلمين السنّة في لبنان.

فرعى القنصل المصري، شريف البحراوي، وساطة مصرية سعودية سورية، أفضت إلى اتفاق مكتوب، نصّ على الآتي: انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، واعتبار المجلسين الشرعيين القائمين منحلّين بعد انتخاب المفتي، الذي سيدعو بدوره إلى انتخاب مجلس شرعي جديد، إضافة إلى إسقاط متبادل للدعاوى القضائية بين الطرفين، وإجراء مصالحة بين المفتي قباني ورئاسة الحكومة التي تتبع لها دار الفتوى بحسب القانون.

وبالفعل تم انتخاب مفتي التوافق الجديد في أجواء إيجابية، ومرّت الأشهر الأولى من انتخابه "على خير"، بحسب ما أفادت مصادر إسلامية مطلعة لـ"العربي الجديد". فقد نجح المفتي عبد اللطيف دريان "في إظهار التعاون مع مختلف الأطراف السياسية والتوجهات الإسلامية، ولم يتحيّز إلى تيار المستقبل بشكل كامل كما كان متوقعاً بعيد انتخابه".

وقد أثبت دريان "وسطيته" من خلال زيارة قام بها بعيداً عن الإعلام إلى أمين عام "الجماعة الإسلامية"، الجناح اللبناني لـ"الإخوان المسلمين"، إبراهيم المصري، قبل الانتخابات، تأكيداً على انفتاحه على الجميع. وكان الوسطاء الإقليميون قد اشترطوا التوافق على مفت بعيد عن "الإخوان والسلفيين"، بحسب ما أفادت مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار لـ"العربي الجديد".

لكن الوسطية "الدريانية" لم تدم طويلاً، فقد ترأس المفتي الجديد اجتماعاً للمجلس الشرعي المُمدد لنفسه (المحسوب على تيار المستقبل) قبل أيام، ووافق ضمناً على إعلان المجلس "استمراره في أداء مهامه القانونية لتسهيل مهمة مفتي الجمهورية". في حين نصّت بنود الاتفاق على "إستقالة المجلسين يوم 15 سبتمبر/ أيلول الماضي"، وهو ما التزم به فريق المفتي قباني.

يعتبر فريق المفتي السابق، محمد قباني، خطوة دريان "نقضاً للاتفاق المبرم بين الطرفين". ويُرجع ممثل المفتي قباني في المفاوضات، ماهر الصقال، أصل الخلاف في دار الفتوى إلى قضية المجلسين الشرعيين، "وهو ما لا يمكن تجاهله في بنود الاتفاق، التي نصّت بوضوح على استقالة المجلسين وانتخاب آخر جديد يمضي بالإصلاحات المطلوبة في الدار".

ويشير الصقال إلى خطوات عدة سيقوم بها أعضاء المجلس المستقيل المحسوب على المفتي قباني وهي: "التواصل مع الوسيط المصري لعلاج موضوع استمرار المجلس غير الشرعي في مهامه، إضافة إلى اجتماع أعضاء المجلس المستقيل لتحديد الخطوات اللاحقة".

في المقابل، أكدت أوساط المجلس الشرعي المُمدّد لنفسه (المحسوب على تيار المستقبل) أن "الإتفاق قد نُفذ، والطرف الآخر يتعامل مع الموضوع كمن ذاق طعاماً لذيذاً ثم طمع بالمزيد". وترى هذه الأوساط القريبة من "تيار المستقبل" أن "الهدف الأول والأخير للاتفاق كان إنقاذ المفتي قباني من القضايا المالية المرفوعة ضده، وهو ما تم بالفعل".

المرسوم 18: الخلاف

يُشكّل المرسوم الاشتراعي رقم 18، جوهر الخلاف بين المفتي السابق ورئيس الحكومة السابق رئيس كتلة "المستقبل" النيابية، فؤاد السنيورة، الذي طرح مراراً مجموعة تعديلات على المرسوم الذي ينظّم شؤون المسلمين في لبنان، ويمنح صلاحيات واسعة لمفتي الجمهورية في إدارة الأوقاف وسائر المؤسسات الدينية.

وتتضمّن تعديلات السنيورة نقل جزء من صلاحيات المفتي إلى المجلس الشرعي ونائب رئيس المجلس، وهو ما يراه فريق المفتي قباني "تحويل دار الفتوى إلى لعبة بيد السياسيين". لذلك رفض قباني التعديلات مراراً، ويخشى فريقه اليوم من "تمريرها عبر المجلس الشرعي تحت مسمى إصلاحات".

وفي وقت تشكل التعديلات مثار جدل سياسي، يرى القاضي الشرعي الشيخ عبد العزيز الشافعي، أن "التعديلات المطروحة جيدة من حيث المبدأ وتضمن إدارة أوسع لأوقاف ومؤسسات المسلمين، لكنها مرفوضة في حال أتت من خلال المجلس الشرعي الحالي". ويؤكد الشافعي أن "المهمة الوحيدة للمجلس الحالي هي إجراء انتخابات لمجلس جديد يقر التعديلات بصورة رسمية غير قابلة للطعن".

ويسعى الوسيط المصري إلى استدراك عودة الخلاف إلى الدار، من خلال استمهال الأفرقاء بعض الوقت ليصار إلى حله بصورة ودية. لكن مصادر متابعة للملف تتسائل عن جدية الوسيط المصري وهو غير قادر على حماية نصّ اتفاق وُقّع داخل السفارة المصرية في بيروت. كما يتساءل المتابعون عن الموقف الرسمي للمفتي الجديد، الذي قال مسؤوله الإعلامي لـ"العربي الجديد"، إن "دار الفتوى لن تصدر أي تعليق على موضوع المجلس الشرعي".

عاد الخلاف إذاً إلى المربّع الأول، مع اصطفاف المفتي دريان​ في خندق "تيار المستقبل" الرافض لإنتخاب مجلس شرعي جديد، في وقت تبدو خيارات فريق المفتي قباني محصورة في مراجعة الوسيط المصري وعقد لقاء "إثبات وجود" تمهيداً للعودة إلى المعركة من بوابة المعارضة. أما "تيار المستقبل" فيلعب في موقعه المفضّل كربّان أوحد للسفينة السنّية. ربّان له ما له وعليه ما عليه في لعبة احتكار التمثيل السنّي في لبنان.

دلالات

المساهمون