البشير مرشّحاً وحيداً لرئاسة الحزب والبلاد

البشير مرشّحاً وحيداً لرئاسة الحزب والبلاد

23 أكتوبر 2014
لن يتنحى البشير قبل ضمانات تجنّبه الملاحقة الجنائية(أشرف شاذلي/ليبيا)
+ الخط -

لم يأتِ قرار الحزب الحاكم في السودان، في شأن هويّة مرشّحه للانتخابات العامة المقرّرة في أبريل/نيسان المقبل، مخالفاً لما كان متوقّعاً، إذ صوّت مجلس شورى الحزب، بأغلبيّة 266 صوتاً، لمصلحة اختيار الرئيس الحالي، عمر البشير، مرشحاً لرئاسة الحزب والانتخابات الرئاسيّة، والدفع به كمرشح وحيد إلى المؤتمر العام للحزب، في جلسة يعقدها، اليوم الخميس، لتبنّي ترشيحه بشكل نهائي. 

وفي موازاة الأصوات التي حصدها البشير، نال منافسوه الأربعة، الذين دفع بهم المجلس القيادي للحزب إلى اجتماع مجلس الشورى يوم الاثنين الماضي، 130 صوتاً توزعوا بين نائبي رئيس الجمهورية الحالي والسابق، بكري حسن صالح وعلي عثمان طه، ومساعدي البشير الحالي والسابق إبراهيم غندور ونافع علي نافع.

ولم تشكل خطوة اختيار البشير مفاجأة للأوساط السودانيّة، التي ترى أنّه لا خيار أمام الحزب الحاكم إلا الدفع به، للحفاظ على وحدة الحزب، على الرغم من وجود قيادات داخل المؤتمر الوطني، تطمح إلى خلافة البشير، وإن لم تعلن ذلك صراحة، ومن بينهم طه، الذي أبعِد عن منصبه العام الماضي في إطار عملية الإصلاح التي أعلنها الحزب بعد أن ظل يتنقّل داخل السلطة خمسة وعشرين عاماً من منصب إلى آخر، إضافة إلى نافع الذي أُبعد، بدوره، العام الماضي للأسباب ذاتها. ويمثّل الرجلان نقيضين، وبقيت الأوساط السودانيّة، طيلة وجودهما في السلطة، تتحدّث عن صراع خفي بينهما، في ظلّ محاولة كلّ طرف إقصاء الآخر والتقرّب من البشير. وكثيراً ما تجلّى الخلاف بين الرجلين، في السياسات المتقلبة التي اتخذتها الحكومة طيلة الفترة الماضية، في وقت استند كلاهما إلى نفوذ قوي داخل السلطة والحزب. ويرى مراقبون أنّه في حال ترجّل البشير وترك المساحة أمام التنافس الحرّ في حزبه، فإنّ ذلك حتماً سيقود إلى انشقاق الحزب وسيحدث هزّة في داخله، كما أنّ من شأن احتدام التنافس بين طه ونافع أن يهدّد بقاء الحزب نفسه.


ويكشف متابعون لاجتماعات المجلس القيادي التي سبقت اجتماعات مجلس الشورى الأخيرة، أنّ جدلاً واسعاً تخلّلها، وتحديداً بين نائبي الرئيس السوداني الحالي والسابق بكري صالح وعلي عثمان طه، اللذين تساجلا خارج الاجتماع قبل أن يعيدهما مساعد الرئيس، إبراهيم غندور، إلى القاعة. وتُرجّح المعلومات أن يكون الرجلان قد تجادلا على خلفيّة رغبة طه في الترشّح، وخصوصاً أنّ قادة الحزب ظلوا يعلنون، طيلة الاسبوع الماضي، أنّ أيَاً من قيادات الحزب، الذين أُبعدوا عن السلطة أخيراً، لن يترشحوا لرئاسة الحزب والجمهوريّة.

وإبّان اجتماعات مجلس الشورى، يوم الثلاثاء الماضي، رصد أعضاء الحزب في الولايات، مناقشات جانبيّة قبل إعلان النتيجة النهائيّة، ما يؤكّد قطع الحزب الطريق أمام أمر ما، واحتياطه المسبق، وخصوصاً أنّ إقرار الحزب عملية التصويت السرّي والدفع بمنافسين للبشير، للمرّة الأولى، في ظلّ رغبة طه ونافع في الفوز بمنصب الرئيس، وما قد يحدثه ذلك من مفاجآت.

وكان القيادي في الحزب الحاكم، رئيس ملف سلام دارفور، أمين حسن عمر، قد أبدى لـ"العربي الجديد"، قبل انتهاء الاجتماع الحاسم، تفاؤله بإمكانيّة نجاح حزبه في الدفع بمرشح جديد إلى الرئاسة، انطلاقاً من سريّة التصويت وحصره بمرشّح واحد فقط. وذهب إلى حدّ اعتبار التصويت بمثابة "اختبار حقيقي لجديّة المؤتمر الوطني في الإصلاح، وما إذا كان مع التجديد أم أنّه يخشى من التغيير".

في المقابل، لا يبدو مستغرباً أن يتجنّب البشير قرار التنحي، في غياب ضمانات تُبعد عنه شبح "المحكمة الجنائيّة"، التي ظلّت تلاحقه طيلة الفترة الماضية. وفي سياق متّصل، يرى القيادي في تحالف قوى المعارضة، ساطع الحاج، أنّ اختيار البشير "أمر طبيعي بالنظر إلى حزبه، الذي يدير البلاد بطريقة ديكتاتوريّة إقصائيّة، ما يستبعد أية ممارسة ديمقراطيّة حقيقيّة داخل الحزب". 

وعلى الرغم من إعلان البشير، في أكثر من مناسبة، رغبته في عدم الترشّح لرئاسة الجمهورية والتنحّي لمصلحة وجوه جديدة، وقوله في إحدى الفعاليات الخاصة بحزبه: "كنت سابقاً أقف على المنصّة لأخاطبكم لأكثر من ثلاث ساعات، لكنني الآن لا أستطيع فعل ذلك لأكثر من ربع ساعة بسبب العمر، الأمر الذي يحتّم الترجل للشباب"، لكنّ الحاج لا يرى في ذلك "أكثر من مسرحيّة"، باعتبار أّن "عمليّة الترشيح ترتبط بنظام محدد يفتقره الحزب الحاكم الذي يعمل وفق مبدأ أنّ القابض على السلطة هو المرشّح".


ويُعرب الحاج عن اعتقاده أنّ البشير "لن يترجّل عن السلطة إلا عبر انتفاضة شعبيّة سلميّة، أو يتوفاه الله"، معتبراً أنّ في ذلك رسالة مباشرة إلى القوى السياسية المؤيدة للحوار الوطني، والتي تمنّي نفسها بتداول السلطة. ويربط بين الواقعين السوداني والمصري، الذي أطاح الرئيس، حسني مبارك: "يذكّرنا الوضع الراهن بما أقدم عليه الرئيس المصري المقال بثورة شعبيّة، حسني مبارك، فالرجلان عقدا مؤتمر حزبيها العام في أكتوبر/تشرين الأول، بدعوة قرابة مائة دولة من أنحاء العالم، لكنّ مبارك وبعد مضيّ 57 يوماً على المؤتمر خرج ضدّه شعبه وذهب الي مزبلة التاريخ". ويضيف: "لا يمكن للمؤتمر الوطني أن يختار غير البشير لتغطية مصالحهم الضيّقة وعوراتهم".

ويرى المحلّل السياسي، خالد عبدالعزيز، أنّ "الحزب الحاكم اختار بترشيح البشير الخيار الأسهل، ونأى بنفسه عن الخوض في التجديد الذي هزم فكرته، حتى لا يفتح باب المنافسة، وهو انحاز بذلك إلى وحدة الحزب من دون مراعاة الحسابات الدولية المتّصلة بحصار البلاد اقتصاديّاً وسياسيّاً والمطالبة الجنائية للبشير".

المساهمون