روسيا والحل السوري... استشعار بالخطر أم مشاغبة على أميركا؟

روسيا والحل السوري... استشعار بالخطر أم مشاغبة على أميركا؟

24 نوفمبر 2014
المعلم يزور موسكو الأربعاء للقاء بوتين (فرانس برس)
+ الخط -

يتزامن القصف الجوي الذي يقوم به طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في العراق وسورية منذ نحو شهرين، مع نشاط تقوم به الدبلوماسية الروسية لتحريك المياه الراكدة على المسار السياسي السوري، في محاولة من موسكو كما يبدو لاستثمار "الأجواء الجديدة" التي أشاعها هذا القصف، لجهة توحيد الجهود ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش، وفكرة محاربة الإرهاب من جهة، ومحاولة الاستفادة من الانتقادات الموجّهة لواشنطن بأن قصفها ومجمل استراتيجيتها في المنطقة، غير منتجة سياسياً ولا تفتح أفقاً لحل الصراع بل تزيد من تفاقمه، من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار يلتقي وفد رسمي سوري رفيع برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الأربعاء المقبل، بهدف مناقشة ما وُصف بأفكار روسية لإطلاق مباحثات السلام في سورية.

وكانت آخر زيارة قام بها المعلم لموسكو في سبتمبر/أيلول 2013، وتم خلالها الإعلان أن دمشق ستقوم بتدمير ترسانة أسلحتها الكيماوية تحت إشراف الامم المتحدة.

وكشف مصدر مطلع قريب من الاتحاد الأوروبي أن شخصيات من تيار "بناء الدولة" المحسوب على المعارضة السورية الداخلية، بالإضافة إلى اللواء مناف طلاس المنشق عن الحرس الجمهوري في النظام السوري، وعضو "هيئة التنسيق" سمير العيطة، يقومون بجولات مكوكية لدى خارجيات الاتحاد الأوروبي للتسويق لخطة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا التي تصب في خانة الجهود الروسية، كخطة إجرائية تمهّد لحل سياسي.

كذلك يسعى هؤلاء لطرح أفكار لحل سياسي يغفل رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط لإنجازه، ويقوم على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح حكومة تضم شخصيات من المعارضة وأخرى من النظام.

وأوضح المصدر أن مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي، على رأسها ألمانيا وإيطاليا، توافق على هذا الطرح، فيما لا تزال كل من فرنسا وبريطانيا تعارض الحديث عن أي حل سياسي لا يتضمن رحيل الأسد عن السلطة.

وتشير مصادر مقرّبة من النظام السوري إلى أن اللقاء سيبحث الأفكار التي تطرحها موسكو من أجل جمع المعارضة والنظام "للبدء بحوار أولي من شأنه تفعيل العملية السياسية المتوقفة منذ جنيف"، بحسب تعبير وضاح عبد ربه، رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السورية التي يملكها رجل الأعمال رامي مخلوف قريب الأسد.

ويقول عبد ربه إن الخطة الروسية تعتمد على عقد حوار بين أطراف سورية في موسكو، يحضره إضافة إلى الوفد الرسمي السوري، عدد من شخصيات المعارضة من الداخل والخارج وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض معاذ الخطيب.

وأشار مسؤول سوري في تصريحات لـ"فرانس برس" إلى أن الأمر لن يتعلق بالتباحث مع الائتلاف المعارض "كممثل وحيد للشعب السوري" ولكن مع جماعات مختلفة وخصوصاً مع معارضة الداخل المقبولة من النظام وعدد من معارضي الخارج الذين نأوا بأنفسهم عن الائتلاف.

وكان الخطيب قد زار موسكو في السابع من الشهر الحالي، وبحث خلال الزيارة أفكاراً لإطلاق العملية السياسية، وقال وقتها إنه أكد للمسؤولين الروس أن نجاح أي عملية سياسية مرهون باستبعاد الأسد منها.

وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو الثلاثاء الماضي، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ركّز في مباحثاته مع الخطيب على ضرورة تحويل الأزمة السورية إلى المسار السياسي، مشيراً إلى أن موسكو لا تعترض على النقطتين اللتين قدمهما الخطيب وهما "محاربة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية، والثانية مفاوضات سياسية تفضي لحوار واتفاق بين الحكومة السورية المعارضة".

وأكد بوغدانوف أنه تم التوافق على ضرورة إشراك الأطراف الخارجية كروسيا والولايات المتحدة، والإقليمية كإيران والسعودية وتركيا ومصر، وذلك بغية الدفع باتجاه عقد مؤتمر "جنيف 3".

وكان وفدان من النظام والمعارضة قد عقدا مفاوضات مباشرة برعاية الأمم المتحدة في جنيف في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، من دون تحقيق أي تقدم في سبيل التوصل إلى حل سياسي للأزمة.

ويبحث الائتلاف المعارض خلال اجتماع دوري بدأ أمس الأول السبت ويستمر ثلاثة أيام، الحلول السياسية المطروحة للأزمة السورية.

ويؤكد عضو الهيئة السياسية للائتلاف عقاب يحيى لـ"العربي الجديد" ضرورة "التعاطي الإيجابي" مع روسيا من أجل حل الأزمة السورية، مشيراً إلى أن الروس يبدون نوعاً من المرونة في ما يخصّ موقع ومستقبل الأسد، مشدداً على أن وجوده في السلطة بعد كل القتل والدمار الذي لحق بسورية غير مقبول ولا ليوم واحد.

ويلفت يحيى إلى أن "الروس يتحدثون عن نيّتهم بلورة مبادرة سياسية تطوّر مضامين جنيف وأسلوبه، لكنهم ما زالوا يطرحون أفكاراً عامة لم تصل الى مستوى بلورة مبادرة شاملة ومقبولة"، وفق تعبيره.

ولم يستبعد يحيى أن يُقدّم الروس مبادرة جديدة مختلفة عن خطابهم التقليدي الذي يدعو إلى الحوار بين المعارضة والسلطة من دون شروط، قائلاً إن هذه المبادرة "تتقاطع مع تسريبات إيرانية تفيد بتشكيل جسم انتقالي، أو حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات يرأسها الأسد لمدة محدودة، بعد أن يقوم بحل مجلس الشعب الحالي، والدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية، وبعدها يمكن أن يغادر أي مسؤولية، وهذا الأمر مرفوض بالتأكيد، وهو نوع من تأهيل ملتبس للنظام".

من جهته، يقول المعارض السوري ورئيس صحيفة "كلنا سوريون" بسام يوسف لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا ومعها إيران تحاولان إنجاز تصوّر لحل سياسي في سورية، تحت تأثير عدة عوامل أهمها إدراكهما استحالة الحسم العسكري من قِبل النظام، واستشعارهما خطورة تطوّر التحالف وعملياته إلى مرحلة عسكرية قد تُفقد النظام آخر ما لديه من قدرة على الاستمرار، يضاف إلى ذلك محاولتهما الإفادة من الحالة التي يعيشها الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال السنتين المتبقيتين من ولايته بعدما أصبح ضعيفاً وخسر انتخابات الكونغرس، من أجل الاستعجال بإنجاز حل سياسي".

وعن توقعاته من التحركات الروسية، يرى يوسف أن النتائج متوقّفة على عدة عوامل، منها إقناع الأطراف الإقليمية المعنية بهذا الحل وخصوصاً السعودية وتركيا، وإقناع المعارضة السورية وخصوصاً الائتلاف، معرباً عن اعتقاده "بصعوبة الوصول إلى حل من قِبل الأطراف التي تتحرك الآن، لكن هناك لقاءات تتم بين روسيا والسعودية قد تحقّق بعض التقدم على هذا الصعيد خصوصاً في ضوء تسريبات كثيرة تؤكد أن رحيل الأسد لم يعد مشكلة لدى داعميه الروس".

المساهمون