فرنسا: اضطهاد مستتر لمسلميها

فرنسا: اضطهاد مستتر لمسلميها

01 أكتوبر 2014
بدأ كل شي مع سؤال "بريء" لـ"لوفيغارو (العربي الجديد)
+ الخط -
خرجت صحيفة "لوفيغارو" اليمينية الفرنسية، بسؤال غريب على موقعها الالكتروني، على الرغم من أنها سحبته لاحقاً، وكان جارحاً بحقّ مسلمي البلاد. لم يكن السؤال مهنياً، حين سألت الصحيفة مسلمي فرنسا عن "سبب سلبيتهم في التعاطي مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومع قتل الرهائن الغربيين في العراق والجزائر وعن مآسي مسيحيي الشرق". حاولت الصحيفة أن تقارن مسلمي فرنسا بجاليات وطوائف فرنسية أخرى، أكثر حماسة في الدفاع عن فرنسا، ظالمة كانت أم مظلومة.

ومهّدت الصحيفة لذلك عبر سلسلة من المواقف والمقالات المنتظمة، التي "حرص" فيها كتّابها، على إظهار مبدأ أنه "لا يُمكن التعايش مع الإسلام في فرنسا، إلّا إذا غيّروا معتقداتهم".
وبرع في ذلك تحديداً، الصحافي إيريك زمّور، وكاتب آخر، لا يقلّ حقداً على العرب والمسلمين، إيفان ريوفول، في مقاله الأسبوعي. وفي العموم، لا يخلو مقال لريوفول من التهجّم على الإسلام أو على الجالية العربية والإسلامية في فرنسا.

وكتب ريوفول، يوم الجمعة 19 أيلول/سبتمبر الحالي، أن "ألان جوبيه يعترف بأنه طوال مساره المدرسي والجامعي، لم يقترح عليه أحدٌ فتح القرآن، الذي يجهل عنه كل شيء تقريباً". وهنا يمتلك الكاتب الجواب، وينصح السياسي بقراءة كلود ليفي شتروس، لافتاً إلى أن "قراءة كلود ليفي شتروس (في كتاب مدارات حزينة) ستجعله، ربما، يعي ما كان يُطلق عليه الأنثروبولوجي: اللا تسامح الإسلامي الذي يتبع شكلاً لاواعياً لدى المذنبين منه".

ويعود الكاتب نفسه في مقاله يوم 26 سبتمبر الحالي، ليكرّر الاتهامات والتجريحات ذاتها. ويرى أن عمليات القتل التي يقوم بها "داعش"، "تستلهم قراءة حربية للقرآن. فعشق الموت موجود فيه". ويضيف "هي حربٌ أعلنها المتعصبون الذين يعلنون ولاءهم للخلافة. هذا الإرث المباشر من (الرسول) محمد ينوي العودة إلى إسلام الينابيع".

ويتجرّأ في مقاله إلى دعوة المسلمين إلى "رفض الآيات القرآنية العنيفة، التي يأخذها بشكل حرفي أولئك الذين يرون فيها كلامَ الرسول المقدس". وينهي مقاله منتقداً الساسة الفرنسيين وكثيراً من الصحافيين الذين لا يجيبون على "أسئلة الإسلام والهجرة الكثيفة التي تسبّب فيها ولا على أسئلة تفكيك استيعاب المهاجرين. علماً أنها أجوبة يتعلق بها مستقبل فرنسا الفرنسية"، على حدّ تعبيره.

بالفعل عاشت الجالية الغربية والإسلامية محنة كبيرة بعد جريمة اغتيال الرهينة الفرنسية في الجزائر، ايرفيه بيار غورديل، وكأنها "طابور خامس". وتعرّضت الجالية لأسئلة تشكك في وجودها وولائها للدولة الفرنسية، وحتى في حسّها السليم وانحيازها للعدل والتسامح. وهي أسئلة لم تُطرح في تاريخ فرنسا إلا على العرب المسلمين.

ولعلّ سؤال "لوفيغارو" الذي طرحته وسحبته في جُبن، هو سؤال معظم وسائل الإعلام الفرنسية غير المحايدة. إذ كم من مرة يكرّر الفرنسيون من أصول عربية وإسلامية، ولا يسمعهم أحد أن "جرائم وحماقات التنظيمات المتطرفة في غير ما مكان تستهدف المسلمين قبل غيرهم".

وإذا كان يوم الجمعة وصلاتها الجماعية والتجمّعات التي نُظّمت بهذه المناسبة، قد خفّفت من العبء الثقيل الذي كان على كاهل المسلمين، فإنه يطرح قضية وجوب التخلّص من سيف ديموقريطس، المسلط على الدوام على رقاب العرب والمسلمين في فرنسا، وفي الغرب بأكمله، في كل مرة تجد فيها فرنسا الرسمية نفسها في حرب، إن في مالي أو أفريقيا الوسطى أو الصومال وغيرها.

لقد آن الآن إشعار السلطات الفرنسية، بشكل نهائي، أن ما يهمّ فرنسا يهمّ كل مواطنيها، بمن فيهم من عرب ومسلمين، وأن العرب والمسلمين ليسوا مختلفين. وقد أحسن أئمة ورؤساء مساجد فرنسا كلها صنيعاً، بوقفاتهم التضامنية مع عائلة الضحية الفرنسية والمندّدة بأي مواقف وأفعال تناقض تسامحية الدّين الإسلامي وإنسانيته. وقد جاءت هذه المواقف لتسحب البلاط من الإمام الميديوي حسن شلغومي، صديق الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي سبق له أن زار الكيان الصهيوني في يونيو/حزيران 2012، والذي يقدمه الإعلام المعادي للعرب والمسلمين، غالباً، على أنه أكبر أئمة فرنسا.

ولم تكن الوقفة التضامنية "ضد الإرهاب"، التي أُقيمت في مسجد باريس الكبير، عقب صلاة الجمعة الماضي، سوى محطة من محطات عبّر عنها مسلمو فرنسا عن تعاطفهم مع كل ضحايا الإرهاب الذي يتم اقترافه باسم الإسلام. كما قدّموا التعازي لعائلة غورديل.

ولفت الفرنسي من أصل جزائري، أحمد، إلى أنه "في كل مرة يُطلب منا، نحن فقط المسلمين، إبداء الرأي، وكأن آراءنا تفتقد المبدئية والحق". وأضاف: "نعم، نندد بجريمة قتل غورديل، وبجرائم القتل والإرهاب كلها". أما الفرنسية من أصل سنغالي، أميناتا، فكانت واضحة "نحن جزء من المجموعة الوطنية الفرنسية، لنا ما للباقي وعلينا ما عليهم، ليس طبيعياً أن تسأل المرء عن المبادئ".

أما صالح، مغربي مقيم في فرنسا منذ 34 سنة، فيقول: "لا تريد فرنسا أن تتغير. حين توقفني الشرطة وتطلب أوراقي، أُريهم جواز السفر الفرنسي، ولكنهم يلحّون مع ذلك، ويسألون: ولكن أصولك من أين؟. الأمر عينه يحصل الآن. يسألوك عن رأيك في إعدام الرهينة الفرنسية. ماذا ينتظرون كجواب؟ والله أنا حزين وغاضب، لمَ لم يفهموها؟".

ولا يجد العجوز محمد، من جزر القمر، جواباً أبلغ من الآية الكريمة: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً".

لا تختلف أجوبة المصلّين قرب جامع باريس وغيرها من مساجد فرنسا وجوامعها، ويُمكن تلخيصها في إدانة جريمة القتل وكل جرائم القتل باسم الإسلام، وكذلك التنديد بكل جرائم اضطهاد غير المسلمين من كل ملّة ودين.

لكن أصواتاً أخرى لا تريد الوقوف عند حدّ هذا السؤال. بل تسأل عن دور فرنسا والولايات المتحدة وقوى غربية أخرى في "حرب الخليج الثالثة"، وتسأل عن نواياها وما سيتمخّض عن هذا الحلف الجديد من إعادة احتلال العراق والشرق الأوسط.

"نعم، نحن ضد الإرهاب، ولكننا ضد الغرب كمخلصّ ومنقذ". هكذا عبّر كثر عن موقفهم الحالي، ومنهم الموريتاني، عبد الرحمن، الذي علّق على تدخّل قوات التحالف في العراق وسورية، "إن عودة الغرب إلى الشرق ستُشجّع على التطرف. فالأولى دعم الجيوش العربية والإسلامية للتخلّص من عصاتها ودعاة الفتن فيها. لقد جرّبنا الدعم الأميركي في العراق وأفغانستان ولم يجلب لنا سوى الخراب".

من جهة أخرى، ذهبت بعض التنظيمات والجمعيات والأحزاب الفرنسية الأخرى، إلى التساؤل عن "نداء مسلمي فرنسا" الذي صدر باسم عدد من المنظمات الإسلامية. والذي منح لنفسه صفة النداء التلقائي والمسؤول والجامع. وهنا أصدر "حزب أهالي الجمهورية" الفرنسي، بياناً، بتاريخ 25 أيلول /سبتمبر، شكك في تلقائية البيان ومسؤوليته وطابعه الإجماعي، مؤكداً على أن "مُصدِري البيان لا يمتلكون حصرية تمثيل مسلمي فرنسا".

وإذ أكد حزب "أهالي الجمهورية" على أن "تنظيم داعش صنيعة لحلف شمال الأطلسي وليس صنيعة الإسلام"، سخر من مطالبة الموقعين على "بيان مسلمي فرنسا" من المجتمع الدولي التحقيق في أصول أعضاء تنظيم داعش وتمويلها، في الوقت الذي لا يجرؤون فيه على مطالبة السلطات الفرنسية على إجراء تحقيق في مشاركة 8000 جندي إسرائيلي يحملون الجنسية الفرنسية في مجازر غزة، قبل أقل من شهر، وفي الوقت الذي تحقق فيه السلطات الفرنسية مع "شبيبة مسلمي فرنسا" الذين يتوجهون لمؤازرة "داعش".

ويصل بيان "حزب أهالي الجمهورية" إلى خلاصة مريرة: "سيُصيبنا الذهول أيضاً من كون موقعي البيان، وهم يستجيبون لإلحاح الحكومة الفرنسية وبرنار هنري ليفي وأونفراي وبروكنير، لم يتوقفوا بالقوة نفسها والإجماع عند القضايا التي تغضب مسلمي فرنسا والمتمثلة في القوانين والقضايا الإسلاموفوبية، والأمهات الممنوعات من استقبال أبنائهن عند أبواب المدارس، وكذلك الجرائم البوليسية ووضع المساجد تحت المراقبة ومنع التظاهر من أجل غزة".

ورأى بيان حزب "أهالي الجمهورية"، أن "كل هذه التصرفات تؤدي إلى تعزيز هذه المؤسسة الغريبة التي يُطلق عليها: الإسلام الفرنسي، وفي الآن نفسه، إلى تعزيز الجهاز القمعي الذي يتيح الحفاظ على مسلمي فرنسا في مكانهم كأهالٍ (وليس كمواطنين)".

وأنهى الحزب بيانه بـ"مثلما قال الرئيس فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس، أكثر من مرة، إن بعض التظاهرات المؤيدة لفلسطينيي غزة في وجه الإبادة الإسرائيلية تجلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى فرنسا، لا يمكن سوى أن نقول الشيء ذاته ونحن نرى فرنسا تتورط أكثر فأكثر في المستنقع العراقي".