الانسحاب الأميركي من أفغانستان: مخاوف من نتائج عكسية للاستعجال
التحدي الثاني لترامب هو مدى شفافية قرار الانسحاب في الداخل الأميركي، لا سيما أن هناك تساؤلات حول ملاحق اتفاق السلام مع "طالبان" التي تبقى سرية، ولم يسمح البيت الأبيض سوى لعدد قليل من أعضاء الكونغرس الاطّلاع عليها من دون أخذ أي نسخ منها. هذه التساؤلات في الكونغرس تتمحور حول كيف يمكن تقييم تنفيذ "طالبان" التزاماتها، وما إذا كان هناك سلام كافٍ لتسحب أميركا قواتها من أفغانستان، كما أن هناك تحفظات على عدم وجود آلية واضحة للتحقق من امتثال حركة "طالبان". ولم يتم التشاور مع مروحة كبيرة من المسؤولين الأميركيين المعنيين بالملف الأفغاني، قبل توقيع الاتفاق، في ظل إحكام خليل زاد سيطرته على التفاوض بوجود خطوط مفتوحة مباشرة مع ترامب. هذه الملاحق السرية، التي وصفها وزير الخارجية مايك بومبيو بأنها "وثائق التنفيذ العسكري"، تضع بحسب التسريبات جدولاً زمنياً لتنفيذ الاتفاق ونوعية الاعتداءات المحظورة من الطرفين وكيف ستعطي القوات الأميركية أماكن تواجدها لـ"طالبان"، لتفادي أي استهداف لها من الحركة، كما تشكّل لجان تواصل بين الطرفين. في السياق، تساءل النائب الديمقراطي توم مالينوسكي عبر "تويتر"، حول كيفية إعطاء شروط الانسحاب من أفغانستان "إلى مجموعة إرهابية لكن ليس إلى الشعب الأميركي".
عدا عن ذلك فإن هناك صراعا دائرا يهدد وحدة الحكومة الأفغانية، بعد الخلاف الذي نشب حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما أدى إلى إقامة حفلي تنصيب وأداء اليمين لكل من الرئيس أشرف غني ومنافسه عبدالله عبدالله. هذا يعني أن أمام خليل زاد مهمة صعبة إضافية بين الرجلين، لضمان عدم تشكيل حكومتين قبل تسهيل التفاوض بين كابول و"طالبان"، فلا أحد يستفيد من هذا الانقسام أكثر من الحركة. وتخلل حفل تنصيب غني سقوط صواريخ أطلقها تنظيم "داعش" على القصر الرئاسي الأفغاني.
لم تكن المرة الأولى التي تحاول فيها واشنطن التفاوض مع "طالبان"، أو محاولة الخروج من أفغانستان. فقد سعت إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون في تسعينات القرن الماضي إلى توقيع اتفاق مع الحركة حول أنابيب الطاقة التي تمر عبر أفغانستان، كما كان هناك محاولات لإجراء مفاوضات عامي 2011 و2012، لكن كل هذه المساعي فشلت، لأن "طالبان" تملك النفس الطويل الذي يستنزف الأميركيين. لا يوجد ضمانات واضحة بأن "طالبان" لن تمسك بالحكم فور الانسحاب الأميركي وتردع كل حلفاء واشنطن في الداخل الأفغاني أو أن تنظيم "داعش" لن يصبح لاعباً رئيسياً في المعادلة الأفغانية. كما أنه ليس هناك ضمانات بأن هذا التسرّع الأميركي للخروج من أفغانستان لحسابات ترامب الانتخابية، لن يؤدي إلى تدهور الأوضاع، لدرجة طلب "البنتاغون" إعادة زيادة مستوى القوات الأميركية. امتحان ترامب في الأشهر المقبلة، هو أن يصبح الرئيس الذي يعلن هزيمة بلاده في أطول حرب في التاريخ الأميركي أم الرئيس الذي يتسبّب في دخول أفغانستان في حرب أهلية قد تستدعي تدخلاً دولياً جديداً لمنع توسعها.