حماية الملاحة بمضيق هرمز: بريطانيا أقرب لأميركا من أوروبا

حماية الملاحة بمضيق هرمز: برلين متخوفّة من تغيّر مسار لندن نحو واشنطن

01 اغسطس 2019
رفضت ألمانيا مساندة أميركا في حماية مضيق هرمز (Getty)
+ الخط -
يبدو أن فكرة بريطانيا بتشكيل قوة أمنية أوروبية لحماية مضيق هرمز، والتي دعمتها ألمانيا أولاً، قد انحرفت عن مسارها، فبدلاً من أن تكون مثالاً للسياسة الأوروبية المشتركة، أصبحت موضع خلاف، بعد أن تبدلت الفكرة الأساسية للمشروع، مع دعوة الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للانضمام إلى تحالف قوة عسكرية بحرية، لحماية الملاحة في الخليج.

أمام هذا الواقع المستجد، بدا أنّ الأرضية الأوروبية المشتركة في الملفات الشائكة تزداد صعوبة، وبالأخص مع بريطانيا التي تتحضر للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي التي يبدو أنها قد قررت الإبحار في المهمة الأمنية في مضيق هرمز تحت قيادة الولايات المتحدة، علماً أنّها وعند إطلاق المبادرة يوم 22 يوليو/تموز، كانت تحت رعاية أوروبية.

وأعلن حينها وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هنت، أنّ "هناك سعياً لإنشاء بعثة حماية بقيادة أوروبية للمساعدة في ضمان المرور والأمن للطواقم والبضائع في هذه المنطقة، يجب ألا تكون جزءاً من سياسة الضغط الأميركية على إيران"، وفق ما أوردته مجلة "دير شبيغل" الألمانية، وهو ما وصف حينها بأنّه توجّه بريطاني بغطاء أوروبي.

ومع تولّي بوريس جونسون رئاسة الوزراء في بريطانيا، خلفاً لـتيريزا ماي، فضلاً عن تسلّم دومينيك راب وزارة الخارجية بدلاً من هنت، تبيّن أنّ الوضع بات مختلفاً، لا سيما أنّ راب أعلن أخيراً وبصراحة خلال تصريحات لقناة "بي بي سي" البريطانية، عن اعتقاده بأنّ المهمة مع الولايات المتحدة "ستكون مجدية".

وإزاء ذلك، حذر المستشار الألماني السابق الاشتراكي غيرهارد شرودر، الذي رفض عام 2003 إلى جانب فرنسا الانضمام إلى التحالف المشارك في حرب العراق، من "توريط" ألمانيا في مهمة مضيق هرمز، والنزاع القائم بين الولايات المتحدة وإيران، "لأنّ الأمر سيكون بمثابة شرعنة بأثر رجعي لحرب العراق"، حسب تصريحات أدلى بها، أمس الأربعاء، لصحيفة "راينشه بوست" الألمانية.

وفي ظل التقارير التي تشير إلى أنّ الحكومة البريطانية تدرس دمج العملية مع ما تخطط له الولايات المتحدة لحماية الخليج، على الرغم من عدم وجود تفاصيل عن هذه المهمة الأميركية، يمكن التماس التوجّه البريطاني الجديد مع وصول جونسون لرئاسة الوزراء، لا سيما أنّ الأخير يسعى أكثر من أي وقت مضى للتقارب مع واشنطن، بعد أن باتت لندن نسبياً في غربة عن شركائها الأوروبيين.

ويبقى السؤال عما إذا كانت ستسخر الدول الأوروبية الأخرى التي أبدت حماسها أساساً للمبادرة البريطانية، قواتها كجزء من تلك الخطة الأميركية التي لا تحظى بشعبية كبيرة في أوروبا، وسط تساؤلات عن الجهة الواجب حماية حرية الملاحة منها، وما إذا كان هناك مهمة واحدة أو مهمتان، فيما يبقى الأمر الوحيد الواضح، بحسب متابعين، أنّ برلين لا تريد أن تكون مسيّرة من قبل الأميركيين في الخليج.


برلين متخوفّة من تغيّر مسار لندن نحو واشنطن

وفيما يخص العلاقة البريطانية الأميركية، يلفت خبراء في الشؤون الأوروبية إلى أنّه وفي عهد جونسون يبدو وكان الأمر سيستتبع بتغيير المسار في لندن، وبدا ذلك من خلال تلميح الوزير راب في حديث مع صحيفة "ذا تايمز"، مؤخراً، إلى أنّه "على الأوروبيين القيام بمقاربة جديدة"، مستدركاً بالقول في الوقت عينه إنّ "هذا الأمر لا يبدو ممكناً بدون دعم أميركي".

ويلفت هؤلاء إلى أنّ توجهات جونسون تدفع برلين للتخوّف من ارتمائه في الحضن الأميركي، مع أنّ مساندته لهم قد تكون لأسباب عملية وأمنية يضاف إليها الضغوط الداخلية، وحيث قد يتراءى للبريطانيين أنّ الولايات المتحدة، وبقدراتها العسكرية، قد توفّر لهم حماية وأمناً أكثر من الاتحاد الأوروبي، عندما يتعلّق الأمر بمراقبة الطرق البحرية في الخليج.

وفي خضم ذلك، هناك تصور عام في برلين أنّه وإذا ما قالت بريطانيا "وداعاً" للمهمة الأوروبية، فإنّ الخطة لن تشهد مشاركة ألمانية، لأنّ الألماني يتطلّع حالياً إلى دور الوساطة الدبلوماسية بجهود عاجلة ومشتركة من أجل إبقاء إيران في الاتفاق النووي، وبالتالي وقف انتشار الأسلحة النووية، من دون إغفال مسؤولية النظام الايراني عن تصرفاته "غير المسؤولة" والتي أدت إلى تفاقم الوضع في المنطقة، مع قناعة تامة بأنّ الانضمام إلى تحالف الولايات المتحدة لا يمكن أن يسهم في وقف التصعيد.

في المقابل، اعتبر رئيس مؤتمر ميونخ للأمن فولجانج إيشينجر، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، أخيراً، أنّه "يجب على برلين ألا تتابع الوضع من مقاعد البدلاء، وذلك من منطلق أنّه لا توجد دولة في العالم رهينة سلامة حركة الملاحة العالمية كما هو الحال بالنسبة لألمانيا، إحدى أكبر الدول المصدرة في العالم"، معرباً عن تأييده للمهمة الأوروبية لحماية حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز، ومنتقداً ادعاءات جونسون أنّ الحماية الأوروبية "قد تكون من دون نفع".

تجدر الإشارة إلى أنّه ومع إعلان ألمانيا موقفا رافضاً لطلب الدعم الأميركي بالمساندة عسكرياً لحماية الملاحة في مضيق هرمز، هاجم السفير الأميركي لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل، اليوم الخميس، في حديث مع صحيفة "أوغسبورغر تسايتونغ" الحكومة الألمانية لإحجامها عن القيام بمثل هذا الدور.

وذكّر السفير برلين بأنّها أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، كما وحجم صادراتها الضخم حول العالم "هو بفضل الولايات المتحدة الاميركية عليها"، بحسب قوله، معبّراً عن إحباطه بشأن الموقف الألماني من خطط بلاده.

المساهمون