من يحسم معركة رئاسة المفوضية الأوروبية؟

من يحسم معركة رئاسة المفوضية الأوروبية؟

15 يوليو 2019
ترشيح دير لاين لرئاسة المفوضية الأوروبية (توماس لوهيس/Getty)
+ الخط -

عقب اجتماعات متتالية، تمكّن المجلس الأوروبي الذي يضم رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي، من الاتفاق على المناصب العليا في بروكسل. إلا أن المفاجأة كانت في ترشيح وزيرة الدفاع الألمانية لرئاسة المفوضية الأوروبية، خلفاً لجان كلود يونكر، الذي تنتهي ولايته في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
هذا الترشيح ضرب بفكرة "المرشح الأعلى" التي تم اعتمادها لأول مرة عام 2014 عند انتخاب الرئيس الحالي يونكر للمفوضية الأوروبية بصفته يمثل أقوى فصيل في البرلمان الأوروبي، حزب الشعب الأوروبي، عرض الحائط. 

وتبيّن أن ميزان القوى بين أهم الشركاء في الاتحاد الأوروبي تم احترامه، بعد أن تم توزيع المناصب بالتراضي، لكن هذا لا يصرف الانتباه عن حقيقة أنّ العلاقة بين ألمانيا وفرنسا سيئة نسبياً، بعد أن رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرشح حزب "الشعب" الأوروبي المدعوم من قبل المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها "المسيحي الديمقراطي"، وكان أول من تبنّى فكرة ترشيح فون دير لاين، الأمر الذي أظهر أنّ للجانبين فهماً مختلفاً اختلافاً جذرياً في سياسة المحاور في بروكسل، ناهيك عن المقاربات فيما يخص ميزانية منطقة اليورو وحماية المناخ.

واكتسب الشعبويون ودول أوروبا الشرقية المزيد من النفوذ، جنباً إلى جنب مع إيطاليا ودول فيسغراد، بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا. وتواجه المجر وبولندا ترشح الاشتراكي تيمرمانس لنيابة رئاسة المفوضية، بعدما كان قد انتقد الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل في كلا البلدين، وهذا ما بات واضحا من تصريحات المسؤولين في تلك الدول، فضلا عن تراجع الأحزاب التقليدية التي كانت تقرر بسهولة الاتفاق على المناصب الرئيسية. وجاء كل ذلك بفعل تمدد اليمين الشعبوي الذي اقتنص مع الليبراليين العشرات من مقاعد البرلمان الأوروبي، فارضا هذا العدد الكبير من التكتلات السياسية، وهو ما كان عاملا حاسما لترتيب الصفقات حول شخصيات ومراكز بعينها.



ويبدو أن المستشارة ميركل لم تعد تستطيع كسر مقاومة قادة الدول ورؤساء الوزراء في الاتحاد الأوروبي كما في السابق، وقد يكون الأمر مرتبطاً بحقيقة أن الأخيرة لم تعد تتمتع بالسلطة المطلقة، كما حصل عند وقوع أزمة اليورو، وهو ما تشير إليه العديد من التحليلات، ربما بسبب قرب نهاية حياتها السياسية، حسبما تحدثت عن ذلك في وقت سابق.

ورغم موجة الاعتراضات على مسار التعيينات المركبة التي تم الاتفاق عليها للمناصب الرفيعة بمعزل عن بعض الاعتبارات، إلا أن خبراء في الشؤون الأوروبية يقولون إن ذلك مسّ بالديمقراطية التي يتغنى بها الأوروبي وعرّضها لانتكاسة، بعد أن استحضر القادة الأوروبيون أسماء بعينها داخل الغرف المغلقة، من دون إعارة أي اهتمام لدور أعضاء البرلمان، وفق ما هو واضح حتى الآن، فيما يُطلب بأن تكون السياسة الأوروبية أكثر شفافية. علماً أنّ هناك حديثا عن اعتراضات كبيرة على طريقة التعاطي، وقد يفشل النواب في الاتفاق على خسارة فون دير لاين يوم الانتخاب المقررة غدا الثلاثاء.

ويخالف المؤرخ الألماني هاينريش أوغست فينكلر هذا الأمر، إذ اعتبر أن الشرعية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي، والتي أكدت عليها المحكمة الدستورية في حكمها على معاهدة لشبونة عام 2009، بحق الدول الأعضاء وبرلماناتها الديمقراطية، لا تزال تضمن مبدأ احترام الديمقراطية في أوروبا. وبعبارة أخرى، فإن المجلس الأوروبي، وهو الهيئة الدستورية لرؤساء الدول والحكومات، يمثل مبدأ الديمقراطية بشكل أكثر إقناعا من البرلمان الأوروبي، من منطلق أن لدى جميع هؤلاء ولاية مباشرة من شعوبهم أو شرعية ديمقراطية من برلمان خرج من نفس العملية الانتخابية في بلدانهم.

وتعزز دور المرأة في أورقة بروكسل بصورة مثالية، لاسيما وأن القادة أقدموا على ما يمكن تسميته بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد الأوروبي من المقرر أن يتم اختيار المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، الفرنسية كريستين لاغارد، لرئاسة البنك المركزي الأوروبي، ووزيرة الدفاع الألمانية ورزولا فون دير لاين للمفوضية الأوروربية.

وتعد ألمانيا الفائز الأكبر، وذلك بفعل التوجه إلى استعادتها رئاسة المفوضية الأوروبية، إذا ما تم انتخاب فون دير لاين غداً في ستراسبورغ، على الرغم من التشكيك في قدراتها ومدى ملاءمتها للمنصب في ألمانيا، علماً أنها تتمتع بما يكفي من الخبرة السياسية وتتقن عدة لغات. ويتحدث المراقبون عن نهاية مبكرة لحياتها السياسية بعد العديد من الإخفاقات في وزارة الدفاع الألمانية، ولذلك فإن الخوف من أن يزيد المنصب من هيمنة ألمانيا على الاتحاد الأوروبي لا يمكن التسليم به من منطلق أن المناصب تم توزيعها بطريقة متوازنة. ولعل منصب رئاسة البنك الأوروبي الذي ستتولاه الفرنسية كريستين لاغارد أقوى من رئاسة المفوضية.

وفيما يخص أحزاب اليمين الشعبوي (73 نائبا) الذي عمل على تشكيل كيان له في البرلمان الأوروبي، بعد أن وحّد صفوف القوى اليمينية واليسارية، لم يتمكن من فرض مرشح لأي منصب رفيع في بروكسل، وحال التوافق بعدم حصول كتلة "هوية وديمقراطية" على أي من مناصب نائب الرئيس الأربعة عشر، بعد التضييق عليه من الأحزاب المؤيدة للاتحاد الاوروبي، كما تكرر الأمر بمواجهة الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي، من خلال الحديث عن حرمانها من تولي رئاسة بعض اللجان المهمة في بروكسل، بينها حزبا الليغا الإيطالي والتجمع الوطني الفرنسي بقيادة لوبان. وينسحب هذا الأمر أيضا على الانتكاسة التي مُني بها سالفيني نفسه بانتزاع منصبي رئاسة المركزي الأوروبي ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي من إيطاليا.

ونسف ترشيح فون دير لاين مبدأ المرشح الأعلى، بعد أن رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه الصيغة، وأصابت الخيبة أقوى قوة في البرلمان، حزب الشعب الأوروبي ومرشحه الألماني مانفريد فيبر، ناهيك عن ضمور حظوظ مرشح الاشتراكي إلى تبنّي الخضر، الذين عززوا حضورهم في برلمان ستراسبورغ، للبرنامج وليس للأشخاص.

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة المرشح الأعلى تقوم على أنه يمكن فقط للمرشحين الرئيسيين للأحزاب التي نالت أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات الأوروبية يمكنه أن يصبح رئيسا للمفوضية الأوروبية، وهو أمر غير منصوص عليه في معاهدة الاتحاد الأوروبي.

المساهمون