المخبرون... "عيون" القوات العراقية لتتبع بقايا "داعش"

المخبرون... "عيون" القوات العراقية لتتبع بقايا "داعش"

02 ابريل 2019
تحصل القوات العراقية على معلومات شاملة من المخبرين(فرانس برس)
+ الخط -
تكثف القيادات العسكرية والأمنية العراقية من عملية تجنيد مخبرين لها في أكثر من 52 مدينة وبلدة وناحية عراقية محررة من سيطرة تنظيم "داعش"، شمال وغرب ووسط البلاد، بعضهم يتلقى مساعدات مالية، وآخرون تكفيهم الحظوة والحصانة التي يتمتعون بها لقاء قبولهم في العمل بهذا المجال، بحسب ما تؤكّد مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد".
وفيما تذهب بعض التقديرات إلى وجود المئات من المواطنين الذي يعلمون كمخبرين، أخذاً بالاعتبار عدد المدن والبلدات والنواحي المحررة من "داعش"، لا يستبعد البعض أن يرتفع هذا العدد إلى الآلاف، إذ لا تزال السلطات العراقية تعمل على تنظيم علاقات مع مواطنين من شرائح مختلفة في المجتمع كمخبرين، والذين يعرفون محلياً إلى جانب اسم "المخبرين"، باسم "العيون" أو "المصادر". ويثير هذا الأمر مخاوف عدة، لا سيما بعد التداعيات السلبية لظاهرة "المخبر السري" التي انتشرت في سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي، خصوصاً في مرحلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وتحصل القوات العراقية على معلومات شاملة من الأشخاص الذين يتم تجنيدهم، والذين عادة ما يتم تكليفهم بالحصول على معلومات محددة أو معلومات عامة في حال استجد أي شيء داخل المدينة التي يعملون في إطارها.
ولا تتوقف هذه المهمة عند محاولة معرفة من تعاون مع "داعش" أو تعامل معه بصفته الشخصية خلال فترة احتلال التنظيم للمدن، وإنما تتجاوز ذلك إلى أقرباء العناصر المتهمين بالتعاون مع "داعش" من الدرجة الأولى وحتى الثالثة، وأفكارهم، انتهاءً بمعلومات عامة تصل إلى انتقال الأسر من منزل إلى آخر أو حتى زيجاتهم ووفياتهم. كما يتم التركيز على معرفة الأحاديث المتداولة بين الناس في المقاهي والمجالس العامة والدواوين، والتي عادة ما تكون حول الوضع العام في المدن من الناحية الأمنية والمعيشية وحتى السياسية.
وفي السياق، يوضح جنرال بارز في الجيش العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تجنيد المخبرين يعدّ الطريقة المثلى للسيطرة على الأوضاع ورصد المدن من الداخل ومعرفة المتشدد والمتطرف، والمتسامح أيضاً". وأكد أنّ "التحرّك لتجنيد عملاء محليين جاء بضوء أخضر من بغداد، ولم تسجل صعوبة في تنفيذ الخطة بأي مدينة، فهناك من تطوعوا بلا طلب في محاولة للتقرّب من قوات الأمن من هذا الباب، لكننا في العادة نفضّل الأشخاص المشهود لهم بحسن السيرة والسلوك، تحديداً من كبار السنّ الذين لا يكذبون أو يبالغون"، على حد تعبيره.
ويوضح الجنرال أنه "بسبب شبكة العملاء المحليين تمّ إحباط عدد من العمليات الإرهابية، وأيضاً تمّ اعتقال عشرات المتعاونين السابقين مع داعش بمختلف المستويات؛ تبدأ من الذين هتفوا للتنظيم في الشوارع، مروراً بالمتعاونين معه الذين أعدوا لعناصره الطعام ورحبوا بهم، وانتهاءً بمن قاتل إلى جانبه ثمّ انزوى بعدما تأكّد من خسارته، وحاول التخفي من خلال الخروج مع جموع النازحين الآخرين خلال معارك التحرير".
ويضيف "نحن نلاحق عناصر داعش، ونريد أن نتأكّد من أنّ المدن لم يعد فيها من تورط بشكل أو بآخر مع داعش، وهذه المهمة صعبة، وبدون المتعاونين المحليين ستكون مستحيلة". ويلفت إلى أنه "في كل مدينة من المدن المحررة هناك وحدات استخبارات تابعة للجيش، وأخرى تابعة لوزارة الداخلية، وكل واحدة منها تتعامل مع عملائها ومعلوماتهم، وتتأكد من ألا تكون كيدية. فهناك عملاء لديهم مشاكل شخصية وعشائرية مع آخرين يحاولون من خلال عملهم الإيقاع بهم".

وتنشط "جيوش المخبرين" في معظم المدن المحررة، إن لم تكن كلها، كالموصل وتلعفر وتلكيف والبعاج والقيارة والشرقاط وربيعة والحويجة وتكريت والدور وبلد وبيجي والضلوعية، ومدن أخرى في شمال العراق، عدا عن الفلوجة والرمادي وهيت والقائم والرطبة والكرمة والخالدية والنخيب وبلدات أخرى في غرب العراق، كانت كلها محتلة من قبل تنظيم "داعش"، وتمثّل ما مساحته أكثر من 47 في المائة من مساحة العراق الإجمالية.

وفي السياق، يقول المقدّم نصر الجبوري، من قيادة عمليات نينوى، وهو التشكيل العسكري المسؤول عن إدارة قوات الجيش والشرطة ومهماتها في المحافظة، إنّ "المواطنين عيننا الأولى وتعاونهم يعني الكثير، خصوصاً لناحية حقن دماء القوات الأمنية والمدنيين". ويوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك صعوبة في محو أخطاء سابقة في طريقة التعامل معهم قبل عام 2014، والتي تسببت بفجوة بيننا وبينهم. لذا نحن الآن نعتمد على المصادر المحلية، رغم وجود أكثر من 13 خطّاً هاتفياً ساخناً ومجانياً في المحافظة للإبلاغ عن العمليات الإرهابية يتبع لوزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني".
ووفقاً للجبوري، فإنّ بلاغات المصادر "بعضها صحيح وبعضها الآخر مجرّد شكوك، أو حتى تهم مختلقة، ويتمّ استبعاد من يثبت تقديمه معلومات غير صحيحة ومعاقبته في بعض الأحيان"، مشيراً إلى أنه "في بعض المناطق يتطلّب الوضع وجود أكثر من 10 مخبرين أو متعاونين".
من جهته، يقول الشيخ سعود الشمري، أحد أعيان قبيلة شمر في نينوى، إنّ "هناك مخاوف من عودة منظومة المخبر السري التي ابتدعها نوري المالكي، وتم توظيفها لغايات طائفية، وبسببها العشرات سيقوا للإعدام ظلماً".
ويضيف الشمري، في حديث مع "العربي الجديد": "كان يمكن للحكومة أن تستعيض عن حملة تجنيد المخبرين بإعادة الثقة بين المواطن وقوات الأمن، وتجاوز أخطاء الماضي، وكذلك أن تتعامل مع المواطن باحترام وتقدير لا بعين الشكّ والريبة". ويتابع "قلنا لهم أوقفوا الدهم الليلي واقتحام المنازل وترويع الأطفال بحجة التفتيش، واحترموا حرمة البيوت والنساء، واعقدوا اجتماعاً في كل منطقة بين قادة الجيش والشرطة والعشائر، ولتكن هناك وثيقة عهد، فالأمن أولاً وأخيراً للمواطن وليس للجندي".
ويوضح الشمري أنه "في مناطق العشائر والقرى الضيقة، هناك مشاكل وثارات وعداوات شخصية، وللأسف كل شخص يكره آخر يذهب ويقول عنه إنه داعشي فيتم اعتقاله، وريثما يثبت أنه بريء يكون قد ذهب نصف وزنه بالضرب والتعذيب والخوف، وهذا خطأ كبير". ويؤكد أنّ "الحكومة قادرة على كسب الناس المتعبة وجعلها عيوناً للأمن بلا تعب، لكنها بدلاً من ذلك تذهب دوماً للخيار الخاطئ. والعميل أو المخبر في العادة لن تجده إنساناً مثقفاً أو أميناً ليقبل أن يعمل بمهنة كهذه".
بدوره، يصف عضو التيار المدني في الأنبار طلال الدليمي، ملف الأمن في المدن المحررة بـ"تكرار أخطاء الماضي"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "السلطات الأمنية ستجد نفسها ليست بحاجة إلى صرف مكافآت مالية ولا طلب التعاون معها، لو أصلحت ورممت العلاقة مع المواطنين".
ويضيف الدليمي "في الأنبار مثلاً، المواطن يخاف من الجيش ومن الشرطة، ومن الحشد الشعبي، ومن قوات العشائر، ومن جهاز مكافحة الإرهاب، ومن الشرطة الاتحادية ومن كل التشكيلات والتسميات الأخرى، فهي لا تزال تتبع أسلوب الإذلال وطريقة مواطن درجة ثانية وآخر درجة أولى، ويخاف المواطن أن يسلمها معلومة حتى لا يدخل نفسه في مشكلة". ويؤكد أنه "تكرّرت حالات احتجاز أشخاص أبلغوا عن عمليات إرهابية، لذا المواطن يحاول الابتعاد عن هذا الجو بالكامل، وعلى المنظومة الأمنية أن تجد طريقة تعامل أفضل مع المواطنين، فتصرفات اليوم هي نفسها المتبعة قبل اجتياح داعش للعراق، ويبدو أنّ الكثير من القادة لا يتعظون من أخطاء الماضي".
ويشير الدليمي إلى أنّ "خلق ثقة بين المواطن والشرطي والجندي، سيغني عن جيوش المخبرين الحالية، الذين لا يفوقون المواطن العادي حرصاً وأمانة على البلد، بل يتفوقون في إجادة إدارة مصالحهم الشخصية لا أكثر".

دلالات