​الانتخابات الأوروبية بفرنسا: أحزاب اليمين تقحم الهجرة والإرهاب بالنقاش

​الانتخابات الأوروبية بفرنسا: أحزاب اليمين تقحم الهجرة والإرهاب بالنقاش السياسي

11 ابريل 2019
لوبان تواصل التحريض ضد المهاجرين والمسلمين (مارتن بورو/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من أن هاجس الفرنسيين، وكما أكدت على ذلك حركة "السترات الصفراء"، وباعتراف رئيس الحكومة الفرنسي إدوار فيليب، يظل القدرة الشرائية في المقام الأول، إذ يتطلع الفرنسيون إلى عدالة ضريبية واجتماعية وإيكولوجية، إلا أن قوى اليمين الفرنسي مجتمعة، ("التجمع الوطني"، "الجمهوريون" و"انهضي فرنسا") تحاول إخراج مواضيع أخرى إلى العلن وإقحامها في الجدل السياسي العام، بمناسبة الانتخابات الأوروبية.

هذا التوجه أمْكَن تلمُّسُه يوم الأربعاء، في النقاش السياسي الذي نظمته قناة "سي نيوز"، وشاركت فيه سبعة أحزاب، ثلاثة منها يمينية وثلاثة أخرى يسارية وإيكولوجية، والحزب السابع هو حزب الرئيس إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام".

وقد تعرّض رئيس حزب "الجمهورية إلى الأمام" إلى هجمات قاسية من طرف الجميع (أحياناً اتهامات بالكذب من طرف فوكييز ودوبون إنيان)، وهو شيء طبيعي، لأنه الحزب الحاكم الذي لا يخفي طموحاته الوطنية والأوروبية، والذي يجب الحد من تطلعاته، وأيضاً لأنه الحزب الذي يتصدّر استطلاعات الرأي (إلى جانب حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف)، وأيضاً لأنّه ساهم ولا يزال، في تمزيق الحزبين الفرنسيين الكبيرين "الجمهوريين" و"الحزب الاشتراكي" والإيكولوجيين، واستمال كثيراً من قياداتها، وهي تؤدي الآن أدواراً مهمة في الحكومة، ولأن بينه وبين حزب "التجمع الوطني" ثارات كبيرة، منذ أن هزم المرشح ماكرون زعيمته مارين لوبان.

كما أن النقاش السياسي شهد أيضاً تلاسُناً قوياً بين مكونات اليمين الثلاثة الحاضرة، وخاصة أن برامجها لا تختلف في كثير من القضايا الداخلية، حتى وإن كان "الجمهوريون" يدافع عن الاتحاد الأوروبي، بشروط. 

وينظر "الجمهوريون" بقلق إلى التصاق حزب مارين لوبان بالصدارة، في حين أن حزب المعارضة الرئيسي، بمائة نائب في مجلس النواب وبأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ، يُجاهد لتجاوز 13 في المائة، في حين أن "انهضي فرنسا" يرى نفسَه دون الخمسة في المائة.

وقررت قوى اليمين، التي تدرك أنها لن تقدّم الشيء الكثير في المواضيع التي تخص المواطنين، والهموم التي حركت "السترات الصفراء"، في ما يتعلق بتعزيز القدرة الشرائية وخفض الضرائب، وعودة مرافق الدولة إلى المناطق القروية والريفية، وأيضاً التحول الإيكولوجي، وخاصة أن مواقفها المعلنة غالباً ما تتفق على أشياء تذهب عكس رغبات الأغلبية، وخاصة قضية خفض الموظفين، وأيضاً خفض الإنفاق الحكومي، وكذلك إعفاء أصحاب الثروات الكبرى من الضرائب، بدعوى أنها ستحثّهم على الاستثمار في البلد وتشغيل المواطنين، (قررت) في هذا النقاش التوقف بقوة عند قضايا العلمانية والهجرة، وإبراز مدى اختلافها عن الأحزاب الأخرى، المتَّهَمة بالعجز أو التواطؤ أو اتباع سياسات رخوة.

وحاول ممثلو اليمين إقحام المهاجرين في كل القضايا التي تخضع للنقاش، فلم يكن مستغرَباً أن تقول مارين لوبان إن "الفرنسيين لا يريدون أن يدفعوا مصاريف إسعاف وإسكان المهاجرين".

واندفع لوران فوكييز زعيم "الجمهوريين"، في خطاب ناري ضد المسلمين، متحدّثاً عن "مائة مسجد سلفي يجب إغلاقها"، وعن "كثير من الأجانب الذين يخضعون لمراقبة الشرطة، والذين يجب طردهم"، ثم كرّر لازمته عن إنشاء محكمة نورمبيرغ من أجل "محاكمة الجهاديين الفرنسيين في العراق وسورية"، على غرار ما جرى بُعيد الحرب الكونية الثانية، ثم تحدث عن المعاناة التي يتعرض لها اليهود في فرنسا، بسبب معاداة السامية.


ولم يختلف عنه نيكولا دوبون إينيان، فأكد أنه توجد مناطق تشهد هجرة اليهود، بسبب التضييق عليهم. وتحدث عن "جهاديين يعتدون على النساء"، ثم طالب بطرد كل الأئمة، الذين قال إن خُطبَهم تدعو للتطرف.

وأعاد زعماء اليمين الثلاثة، في نوع التنافس والمزايدات، رفضهم استقبال المزيد من المهاجرين، ورأوا أن فرنسا استقبلت أكثر مما يجب، وأن ثمة فرنسيين أوْلى بالمساعدات التي تقدَّم للمهاجرين، ووجهوا التحية لتصريح حديث لوزير الداخلية كريستوف كاستانير، يتهم فيه الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تقدم العون للمهاجرين واللاجئين بأنها "متواطئة مع شبكات التهريب".

وعلى الرغم من ردود ممثلي اليسار على هذه الخطابات، التي تنتقد وتستهجن هذا الانطواء وهذا الغياب للتضامن والإنسانية، الذي تعبر عنه قوى اليمين التي تريد استثمار قلق الفرنسيين، الأمني والمعيشي، والتردد الذي يطبع مواقف ماكرون وحكومته: "المرشح ماكرون وجَّهَ التحية لأريحية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه المهاجرين، ورئيس الجمهورية ماكرون رفض استقبال 300 مهاجر عالق على متن الأكواريوس"، كما قال أوليفيي فور، الأمين العام للحزب الاشتراكي، إلا أن اليمين الفرنسي لن يغيّر من حصانه الرابح، وسيركز على هذه المواضيع التي تخيف الفرنسيين وتنشر الفرقة بينهم، في كل النقاشات القادمة، لأنها تُثمر بالتأكيد مقاعدَ في البرلمان الأوروبي، الذي طالما انتقدوه واتهموه بكل أنواع الشرور وحمّلوه كلَّ المآسي. وقليلون يتذكرون أن حزب مارين لوبان كان يمتلك حصة كبيرة من النواب في البرلمان الأوروبي المنتهية صلاحيته، وهو ما كان يُدرّ عليه أموالاً كثيرة.     ​