أجواء حربٍ في إدلب: ترجمة لفشل التفاهمات التركية الروسية

أجواء حربٍ في إدلب: ترجمة لفشل التفاهمات التركية الروسية

14 مارس 2019
يواصل النظام السوري قصف قرى إدلب (الأناضول)
+ الخط -
صعّد النظام السوري على نحو غير مسبوق في إدلب، إذ انتقل إلى قصف المدنيين بأسلحة محرمة دولياً، مُنتهكاً اتفاق "سوتشي" الذي تم التوصل إليه بين روسيا وتركيا، والذي كان من المفترض أن يجنّب المحافظة ومحيطها العمليات العسكرية. في المقابل، ينتظر أن تعلن المعارضة، اليوم الخميس، موقفها من الخروقات المتواصلة، عبر اجتماع موسّع لقواها السياسية والعسكرية تحت رعاية الجانب التركي، الذي يتعرّض لابتزاز سياسي من قبل الجانب الروسي من خلال مواصلة استهداف بلدات شمال غربي سورية. ووصل تصعيد النظام إلى ذروته، مساء أوّل من أمس الثلاثاء، بقصف طاول بلدة التمانعة بالأسلحة المحرمة، إذ أكّد الدفاع المدني أنّ قوات النظام استهدفت البلدة بـ82 صاروخاً محمّلاً بمادة الفوسفور الحارق المحرمة دولياً. كما طاول القصف بلدات معرتحمة وتلمنس ومعرشمارين، وبلدتي تل مرديخ وخان السبل بريف إدلب، وأدى إلى مقتل امرأتين وإصابة نحو عشرين شخصاً آخرين في مخيم بالقرب من قرية كفرعميم، شرق إدلب. كما جرحت امرأتان في مدينة سراقب نتيجة قصف الطائرات الحربية الروسية بالصواريخ الارتجاجية الأحياء السكنية بالمدينة. وطاول قصف مماثل بلدة النيرب، فيما ردت فصائل معارضة بقصف مواقع لقوات النظام في ريف حماة.

واستفاق المدنيون، أمس الأربعاء، على قصف مدفعي أدى إلى إصابة مدنيين، طاول منطقة قلعة المضيق، شمال غرب حماة، من قبل حواجز النظام المتمركزة في قرية الكريم. كما طاول القصف قرى الكركات والشريعة والجماسة والحويز، حيث أحصى ناشطون سقوط أكثر من 50 قذيفة مدفعية، والعديد من قذائف الهاون على القرى المذكورة. كما استهدفت قوات النظام بالصواريخ، بعد ظهر أمس، مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ما تسبب بوقوع أضرار مادية في سوق المدينة والممتلكات العامة.

وفي ريف حلب، قالت مصادر محلية إنّ قوات النظام قصفت بأكثر من 35 قذيفة صاروخية مدينة عندان وبلدة حريتان وقريتي كفرحمرة والمنصورة في ريفي حلب الشمالي والغربي، ما تسبب باندلاع حريق في معمل للأدوية. كما ارتفعت حصيلة القتلى نتيجة سقوط قذائف مدفعية وإطلاق نار على مدينة حلب، إلى ثلاثة أشخاص. ويشكّل هذا القصف المتواصل منذ بداية فبراير/ شباط الماضي، ولا سيما على إدلب، التحدّي الأكبر لاتفاق سوتشي المبرم بين أنقرة وموسكو في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة "منزوعة السلاح" في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل، فيما تسعى قوات النظام للسيطرة عليها كخطوة أولى باتجاه عمق محافظة إدلب، معقل المعارضة البارز.

وبات من الواضح أنّ النظام وحلفاءه يحاولون من خلال مواصلة التصعيد على محافظة إدلب الضغط على الجانب التركي لإبداء مرونة في العديد من الملفات العالقة، وخصوصاً في ريف حلب الشمالي، ومنبج في ريف حلب الشمالي الشرقي. ويحاول الجانبان التركي والروسي نسج خيوط تفاهم يحدّد مصير منطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي، والتي لا تزال تحت سيطرة الوحدات الكردية. في هذا الإطار، ذكرت مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي وتسيطر على مدينة منبج، في تصريحات صحافية، أنّ الجانب الروسي أبلغ قيادة "مجلس منبج العسكري" التابع لهذه القوات، بأن وزارة الدفاع الروسية ستقوم بنشر قواتها على طول الخط الذي يفصل منبج عن مناطق سيطرة فصائل "الجيش السوري الحر"، فور انسحاب القوات الأميركية من المنطقة. وأشارت المصادر إلى أنه سيكون من السهل دخول روسيا إلى مدينة منبج، لأن القوات الروسية تبعد مسافة نصف كيلومتر فقط عن القوات الأميركية الموجودة في المدينة.
ولكن الجانب التركي يعمل على انتزاع فصائل المعارضة السورية المرتبطة به للسيطرة على مدينة منبج للقضاء بشكل نهائي على أي خطر كردي في منطقة غربي نهر الفرات. وفشلت أنقرة طوال سنوات في إقناع الجانب الأميركي بالتخلي عن منبج لصالحها، وهي تسعى للتفاهم مع الروس من أجل تسهيل مهام الجيش التركي في حال تحركه باتجاه المدينة الاستراتيجية ذات الغالبية العربية من السكان.

وفي ظل هذه المعطيات، قالت مصادر تركية مطلعة في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الدوريات المشتركة التركية الروسية في المنطقة منزوعة السلاح، "لم تنجح بمهمتها بالشكل المطلوب والمتوقّع منها في التهدئة"، من دون أن تعتبر أنها فشلت بشكل كامل. ووضعت المصادر القصف الروسي لإدلب في إطار محاولة موسكو الحصول على مزيد من التنازلات من أنقرة في عدد من الملفات، وأهمها إبعاد تركيا عن الأميركيين في شرق الفرات، والرغبة بالحصول على مزيد من المناطق في محافظة إدلب.
وأرجعت المصادر سبب عدم نجاح الدوريات المشتركة بمهمتها بالشكل المطلوب إلى أنّ تركيا رفضت الطلب الروسي بتسيير دوريات مشتركة متقابلة، أي متزامنة في التوقيت والمكان، ما استتبع تصعيداً روسياً في إطار الرغبة في المساومة على أكثر من ملف.

وبحسب المصادر، فإنّ روسيا تتعاون مع المقاتلين الأكراد بشكل مباشر شرق الفرات، واضعة مطلبهم بدخول روسيا إلى مناطق انسحاب الأميركيين، في سياق السعي لمنع دخول الأتراك إلى المنطقة، وهو ما يصطدم برفض مزدوج أميركي وتركي. ولخّصت المصادر المطالب الروسية بمزيد من النفوذ شرق الفرات عبر الأكراد وبالسيطرة على مزيد من المناطق في إدلب، مقابل التنازل عن الوجود مباشرة في شرق الفرات، وفتح الطرق الدولية، تحديداً طريق حلب دمشق وطريق حلب اللاذقية، إلى جانب السيطرة على أجزاء جنوبية من منطقة خفض التصعيد بإدلب. وتوقعت المصادر أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من اللقاءات الروسية التركية لاستيعاب الوضع، ومحاولة العودة إلى التهدئة والخروج من هذه الأزمة، في ظلّ إدراك روسيا لمحورية الدور التركي، لا سيما في ما يتعلق بالتنسيق مع المعارضة لعدم خرق الاتفاق بشأن منطقة خفض التصعيد، على غرار ما يفعل النظام السوري بغطاء روسي.



وكانت وزارة الدفاع التركية قد أفادت، الثلاثاء، بأنّ أنقرة تواصل التنسيق مع روسيا بتسيير دوريات مشتركة، بهدف منع الهجمات وعمليات القصف من منطقة مدينة تل رفعت. وقالت الوزارة في بيان: "لا يتخلّى الإرهابيون عن محاولات زعزعة استقرار الأوضاع في منطقة تنفيذ عملية غصن الزيتون بمدينة عفرين السورية، حيث تمت حتى هذا اليوم (الثلاثاء) تصفية 4609 من المسلحين"، مشيرةً إلى أنّ "عمليات القصف لمواقع القوات المسلحة التركية في عفرين من أراضي تل رفعت لا تزال مستمرة، ويشنّ الجيش التركي ضربات جوابية على أهداف الإرهابيين".

إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ الجانبين التركي والروسي بصدد تنظيف طريق حلب غازي عينتاب التركية من الألغام، كخطوة أولى، كما يبدو، لاستئناف العمل على الطريق المقطوع منذ سنوات عدة. ومن الواضح أنّ الجانب الروسي يحاول ابتزاز الجانب التركي سياسياً من خلال الضغط على الشمال الغربي من سورية، والذي يشكّل أهمية كبرى للأتراك، خصوصاً أنّ المنطقة تضم نحو 4 ملايين مدني سيقع العبء الأكبر على أنقرة في حال تعرضهم لعمل عسكري يدفعهم إلى نزوح جماعي باتجاه الأراضي التركية.

في هذه الأثناء، دعت فعاليات مدنية في محافظة إدلب الجانب التركي بصفته ضامناً في اتفاق خفض التصعيد، إلى "أن يتخذ ما يلزم لإيقاف الخروقات اليومية"، مطالبةً في بيان لها، الفصائل بالردّ الفوري على هذه الخروقات في حال استمرار القصف. من جانبه، اعتبر "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، في بيان أصدره أمس الأربعاء، أن التصعيد على إدلب يعد خرقاً لاتفاق المنطقة منزوعة السلاح، مشيراً إلى أنّ النظام لم يلتزم بأي اتفاق أو قرار دولي منذ عام 2011. ولفت البيان إلى أنّ هذه التطورات "تستدعي مواقف جادة من قبل الدول الضامنة للاتفاق بالدرجة الأولى"، مضيفاً أنّ "استمرار وقوع الجرائم بحق الشعب السوري واستمرار قصف المناطق المدنية وخرق الاتفاقات، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته مجدداً، خصوصاً في ما يتعلق بحفظ السلام والأمن الدوليين وضرورة التدخل لوقف جرائم الحرب ومحاسبة المجرمين".

واعتبر "الائتلاف" أن التصعيد الذي تقوم به قوات النظام وروسيا يشوّش على مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل السوريين، فيما يزور وفد من "الائتلاف" العاصمة البجيكية لعقد لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على هامش المؤتمر. وفي السياق، أشارت مصادر مطلعة على جدول أعمال الوفد أنه سيناقش ملفات كثيرة في مقدمتها الوضع في محافظة إدلب على ضوء التصعيد المتواصل من قبل النظام وحلفائه.

في هذه الأثناء، تعقد قوى المعارضة السياسية والعسكرية اجتماعاً، اليوم الخميس، في مدينة أنطاكيا، جنوب تركيا، لبحث مصير إدلب، وقضايا أخرى.
وأشار مصدر مشرف على عقد المؤتمر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ اجتماع قوى المعارضة السياسية والعسكرية "يأتي في سياق مواجهة التحديات القائمة"، موضحاً أنه "سيصدر بيان عن الاجتماع متضمناً مجموعة من القرارات على مستوى عال من الأهمية، سيتم إعلانها في نهاية الاجتماعات المغلقة".

ومن المتوقع حضور شخصيات قيادية في هيئة التفاوض، و"الائتلاف الوطني السوري"، ورئيس وفد قوى الثورة العسكرية إلى مفاوضات مسار أستانة أحمد طعمة، إضافة إلى شخصيات سياسية وعسكرية فاعلة في المعارضة والثورة السورية. وينتظر أن تؤكّد المعارضة السورية في اجتماعها، اليوم، مواقفها المعلنة، الرافضة لعودة النظام إلى شمال غربي سورية، الذي بات المعقل البارز لها في البلاد. كما من المنتظر أن تعلن المعارضة تمسّكها بحلّ سياسي للقضية السورية وفق قرارات الشرعية الدولية، بدءاً من بيان جنيف1، وصولاً إلى القرار الدولي 2254، والتي تدعو جميعها إلى إقرار حلّ سياسي جدّي، يؤدي إلى تغيير عميق في بنية النظام، الذي لا يزال يصرّ على رفض تطبيق القرارات الدولية.

المساهمون