الجيش الجزائري يغازل المحتجين: مخاوف من مخططاته للمرحلة المقبلة

الجيش الجزائري يغازل المحتجين: مخاوف من مخططاته للمرحلة المقبلة

11 مارس 2019
نظم معارضو "العهدة الخامسة" تظاهرات جديدة(رياض كرمدي/ فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع التطورات السياسية في الجزائر قبل يومين من انتهاء المهلة المحددة للمجلس الدستوري لإعلان القائمة النهائية للمرشحين للسباق الرئاسي المقرر في 18 إبريل/ نيسان المقبل، وسط محاولة جميع الأطراف الفاعلة في المشهد استخدام أوراق الضغط التي تمتلكها، تحديداً من قبل المحتجّين الرافضين لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة والذين يطالبون بإرجاء الانتخابات. وفيما نفّذ أمس الأحد إضراب عام جزئي شلّ قطاعات عدة واستمر خروج التظاهرات، تحديداً من قبل الطلاب، في رسالة واضحة بأن قرار غلق الجامعات بدءاً من أمس الأحد وتقديم إجازة الربيع على أمل التخفيف من زخم الحراك، لا سيما مع عودة الطلاب إلى ولاياتهم خلال الإجازة، لن يجدي نفعاً، كان التطور الأبرز أمس في موقف الجيش الذي انتقل من معاداة الحراك إلى محاولة مغازلته والحديث عن "قواسم مشتركة" مع الشعب. لكن هذا الموقف المستجد للجيش، بالتزامن مع عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من رحلته العلاجية في جنيف، يطرح علامات استفهام ومخاوف عدة بشأن طبيعة مخططات المؤسسة العسكرية للمرحلة المقبلة. ولا يستبعد مراقبون أن الجيش الذي أصبح خاضعاً للرئاسة في مرحلة بوتفليقة يريد العودة إلى نفوذه الذي سبق هذه المرحلة والتي كان خلالها يتحكم في المشهد السياسي، تماماً مثلما لا يُستبعد وجود أوساط عسكرية وأمنية تستغلّ الحراك الشعبي العادل لمحاولة استرجاع النفوذ السياسي.
وأعلن نائب وزير الدفاع، قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح، في كلمة ألقاها أمام القيادات العسكرية في منطقة الرويبة في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، أن "الجيش والشعب يملكان نفس الرؤية للمستقبل، وهناك روابط قوية نابضة بالحياة بين الشعب والجيش". وذهب قائد الجيش بعيداً في مغازلة المعترضين على الولاية الخامسة لبوتفليقة، قائلاً إن "التضامن والتلاحم بين الشعب وجيشه في كل الظروف والأحوال، خاصة أثناء المحن والملمات والكوارث الطبيعية". وشدّد على أن "حوافز اكتساب الرفع من مستوى القدرة على توحيد الرؤية تجاه الوطن موجودة، وتصنعها الرؤية المشتركة للتاريخ والحاضر ولآفاق مستقبل الجزائر الواعد، التي يبقى شعبها يعرف خفايا عالم لا يرحم، يطبعه الغليان ويموج بالعديد من الأحداث والمتغيرات الطارئة والمدبّرة".



وجدّد قائد أركان الجيش دعوة الشعب الجزائري إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار بقوله "إنني أعلم علم اليقين أن الشعب الجزائري الأصيل والواعي الذي برهن في كافة الأوقات والظروف على أنه شعب مواقف، قد عرف وسيعرف كيف يحافظ على وطنه، ولا شك أن الجزائر محظوظة بشعبها ولا شك أيضاً أن الجيش هو أيضاً محظوظ بشعبه".
وفهم من الخطاب الجديد لقائد الجيش استدراكه لخطاب تمنراست جنوبي الجزائر قبل أيام، والذي استعدى فيه الحراك الشعبي ووصف فيه التظاهرات بالنداءات المجهولة، والمتظاهرين بالمغرر بهم، قبل أن يتراجع عن ذلك.
وبحسب معلومات، حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن الاجتماع الأمني المنعقد على نحو مستمر منذ مساء الخميس الماضي، والذي يضمّ أبرز قادة الأجهزة الأمنية، خلص إلى أن تقارير جهاز الاستخبارات بشأن توقع الحراك الشعبي وردة فعل الشارع إزاء ترشح بوتفليقة لم تكن دقيقة. وأشارت معلومات "العربي الجديد" إلى أن قيادة الجيش اعتبرت أن الشارع وضع السلطة ومؤسسات الدولة في وضع الأمر الواقع. وبحسب الاعتقاد الأمني السائد، تفرض التطورات الاستجابة لمطالب الشارع، والبحث عن المخارج الدستورية التي تحمي البلاد وتهدئ من الاحتقان الداخلي.
ويفتح هذا الاستنتاج الباب واسعاً أمام احتمالات عدة، خصوصاً أنه تزامن مع عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس الأحد الى الجزائر، آتياً من سويسرا بعدما كان قد وصل إليها في 24 فبراير/ شباط في إطار رحلة علاج قبل أن يعود أمس على الرغم من وضعه الصحي المثير للقلق. ولم يمنع هذا الوضع لبوتفليقة مصادر مسؤولة في الرئاسة الجزائرية من التأكيد في حديث مع "العربي الجديد" أن أول قرار قد يعلن من قبل الرئاسة هو إقالة حكومة أحمد أويحيى وتكليف وزير الدولة والمستشار الدبلوماسي للرئيس، رمضان لعمامرة، بتشكيل حكومة كفاءات تدير المرحلة المقبلة كخطوة للتهدئة. وبحسب المصادر فإن هذه الخطوة تأتي بطلب من الجيش لضمان المرحلة المقبلة. مع العلم أن لعمامرة كان قد نقل تطمينات إلى واشنطن والاتحاد الأوروبي بشأن تطورات الوضع في الجزائر والمآلات الممكنة.
وفي حال تطبيق المادة 102 من الدستور، وإعلان الشغور في منصب الرئاسة، تحال الصلاحيات إلى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، لمدة 45 يوماً، تتم بعدها الدعوة إلى انتخابات رئاسية في غضون ثلاثة أشهر.
في غضون ذلك، منح الإعلان عن عودة الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر أمس زخماً جديداً للتظاهرات التي عادت أمس إلى العاصمة الجزائرية وعدد من المدن، مجددة مطالبته بسحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، تزامناً مع بدء تنفيذ الجزائريين لإضراب عام بدا غير منظّم بسبب تباين المواقف بين النشطاء، الذين انقسموا بين رأيين. ودافع مؤيدو الإضراب عن الخطوة بوصفها تؤدي إلى زيادة الضغوط على السلطة قبل يومين من إعلان المجلس الدستوري موقفه النهائي من قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة أو التوجه إلى إعلان الشغور في منصب الرئيس للدخول في الاستحقاقات الدستورية المتصلة. في المقابل طالب آخرون بالتريث قبل إعلان الإضراب، نظراً لما يحتاجه من استعدادات تضمن نجاحه.
ورفض القيادي في الحراك، سمير بلعربي، الدعوات المجهولة لتنفيذ إضراب عام وعصيان مدني، مشيراً إلى أن هكذا إضراب عشوائي، يرهق الشعب ويخرب الحراك الشعبي الناجح، وينقل الصراع من ما بين الشعب والسلطة إلى الشعب والشعب، خصوصاً بعد غلق جزئي للمحال والمقرات والمؤسسات الخدمية. ولوحظ أمس في العاصمة وعدد من المدن الجزائرية توقف خدمة النقل بالقطارات والمترو. كما أغلق العديد من المحلات، فضلاً عن إقفال الموانئ في منطقة بجاية وسكيكدة شرقي الجزائر.
لكن الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، الذي يعيش حالة ارتباك سياسي وتصدع داخلي بادر إلى إطلاق تحذيرات من العصيان المدني، وأعلن أنه أطلق مشاورات سياسية مع مختلف الفاعلين السياسيين.
ونشر الحزب بياناً أكد فيه أنه "يتحرك مع كل الأطراف السياسية للخروج من هذه الأزمة بأقل ضرر، مراعين المصالح الوطنية والحفاظ على سلمية الحراك لضمان الأمن والاستقرار". وحذّر الحزب المواطنين من العصيان المدني، داعياً إلى الحيطة والحذر وعدم التهور في القرارات، "لأن ما وصل إليه الحراك الشعبي هو مكسب ومفخرة للشعب الجزائري، فلا ندع بعض الجهات المتهورة والمجهولة لتزج بالجزائر وشعبها نحو المجهول". كما دعا كافة القوى الفاعلة في الشارع إلى "الكف عن الترويج للعصيان المدني. حتى أعرق الديمقراطيات في العالم تجد صعوبة في تنظيم عصيان مدني".
في غضون ذلك، تواصل المعارضة استعداداتها للمرحلة المقبلة، معربة عن اعتقادها بأن الساعات المقبلة ستكون حاسمة على الصعيد السياسي، وإن كانت أغلب تقديراتها تشير إلى سقوط سيناريو الانتخابات في إبريل المقبل.
وفي السياق، قالت زعيمة حزب العمال اليساري، لويزة حنون، في حديث مع "العربي الجديد" إن "الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وستوضح ما إذا سيستجيب أولئك الذين يقررون باسم الرئيس بشكل إيجابي للشعب ويوقفوا هذه العملية التي تحمل كل المخاطر أم سيتحملون مسؤولية إشراك البلاد في الفوضى". ودعت حنون قوى المعارضة إلى الاستعداد لكل السيناريوهات، قائلةً "علينا أن نكون مستعدين لجميع الاحتمالات"، وذلك تزامناً مع تمسك القضاة الذين أعلنوا التمرد على السلطة بموقفهم في الالتحاق بالحراك الشعبي.
ويستعد القضاة اليوم الاثنين لتنظيم وقفة للإعلان رسمياً عن تخليهم عن الإشراف عن الانتخابات في حال أصرت السلطة على خيار الانتخابات بوضعها الحالي.
ولم يتأخر أمس رد الطلاب على القرار المفاجئ الذي اتخذته الحكومة أول من أمس بغلق الجامعات بدءاً من أمس الأحد وتقديم إجازة الربيع التي كان مقرراً أن تمتد من يوم 21 مارس/ آذار إلى 4 إبريل/ نيسان، في محاولة لإفراغ العاصمة والمدن الكبرى من آلاف الطلبة الذين يشاركون بشكل رئيسي في التظاهرات. وخرج الطلاب مجدداً إلى شوارع العاصمة وعدد من المدن الجزائرية.
وشهدت جامعة العلوم السياسية في العاصمة الجزائرية وقفة احتجاج للطلبة، فيما تظاهر الطلبة في ساحة البريد المركزي وسط العاصمة الجزائرية، وانضم إليهم طلبة الثانويات، ورفعوا شعارات مناوئة للولاية الرئاسية الخامسة ورفض ترشح الرئيس بوتفليقة للانتخابات. وراقبت الشرطة، التي كانت تتمركز وسط العاصمة، المظاهرة الطلابية، من دون أن تتدخل.