ضغوط غربية لمحاكمة عناصر "داعش" الأجانب في العراق

ضغوط غربية لمحاكمة عناصر "داعش" الأجانب في العراق

26 فبراير 2019
حاكم العراق 600 أجنبي من "داعش" سابقاً(صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
في سجن التاجي الواقع على بعد 30 كيلومتراً شمالي العاصمة العراقية بغداد، تجري ومنذ عدة أيام عمليات تأهيل واسعة في أقسام السجن، بينها توسعة عدد من أقسام الإيواء والزنازين وتعزيز الإجراءات الأمنية في محيطه، وسط ترجيحات أن يكون ذلك استعداداً لاستقبال المئات من مقاتلي تنظيم "داعش" العراقيين، الذين تسلّمتهم بغداد من الفصائل الكردية المسلحة في سورية، من دون أن يرد حول ذلك أي تأكيد من بغداد.

ويترافق ذلك مع ضغوط متصاعدة على الحكومة العراقية من دول مختلفة، للموافقة على استقبال المقاتلين الأجانب من عناصر "داعش" ومحاكمتهم في العراق، خصوصاً مع عدم حماسة دول أوروبية لاستعادة مواطنيها الذين انخرطوا في التنظيم، مع توقعات بأن تقبل بغداد بمحاكمة هؤلاء، خصوصاً بعدما نقلت وكالة "فرانس برس"، أمس الاثنين، عن مصدر حكومي عراقي، قوله إن السلطات العراقية تسلّمت 14 مقاتلاً فرنسياً في تنظيم "داعش" من "قسد". وأكد الرئيس العراقي برهم صالح، بعد لقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس أمس، أن بلاده ستحاكم المواطنين الفرنسيين الذين تسلمتهم من "قسد" بموجب أحكام القانون العراقي.

وتسلّم العراق حتى الآن، بحسب بيان رسمي صدر عن خلية الإعلام الأمني، 280 عراقياً من عناصر "داعش". فيما تشير توقعات إلى تسلّم أعداد أخرى، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء، ليصل العدد إلى أكثر من 500 مسلح عراقي، معظمهم من الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وبغداد، كذلك أكراد من إقليم كردستان.
وقال بيان خلية الإعلام، أمس الاثنين، إن العراق تسلّم دفعتين من عناصر تنظيم "داعش"، الذين اعتقلتهم "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مبرراً ذلك بأنه جاء للحيلولة دون إطلاق سراحهم وضمان إحالتهم للقضاء، مؤكداً أن مجموع العراقيين من بين الموجودين لدى "قسد" من عناصر "داعش" يبلغ أكثر من 500 عنصر، مشدداً على أن العراق سيتسلم المقاتلين العراقيين فقط، وأن عملية الاستلام من "قسد" مستمرة حتى اكتمال تسلم كل من لديهم من العراقيين. 


لكن ما ذكرته وكالة "فرانس برس" عن تسلم 14 مقاتلاً فرنسياً في تنظيم "داعش" من "قسد" يعيد التساؤلات حول ما إذا كان سيتم نقل أعداد إضافية من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش" إلى العراق، كحل وسط يرضي الولايات المتحدة التي تطالب الدول باستعادة مواطنيها والدول الأوروبية التي تتحفظ على فكرة إعادتهم طالما أنه لا تتوفر لها أدلة تتيح لها محاكمتهم والإبقاء عليهم في السجون. 

وفي السياق، كشف مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، أمس، عن ضغوط غربية على حكومة بلاده من أجل القبول باستقبال ما بين 400 إلى 600 مسلح من عناصر التنظيم من جنسيات أجنبية، أبرزها الفرنسية والألمانية والبريطانية والكندية وجنسيات أوروبية أخرى، إضافة إلى جنسيات عربية، كالسعودية والمغربية والتونسية والأردنية والمصرية. لكنه أشار إلى أن "الدول الغربية وحدها هي التي تتحرك الآن لإقناع العراق بتسلمهم ومحاكمتهم لديه وفقا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد".

وأعرب المسؤول العراقي عن قلقه من أن يتحوّل الموضوع إلى سياسي بحت مع الشد والجذب بين الإدارة الأميركية ودول أوروبية عدة، وبين تصريحات الكتل السياسية العراقية الرافضة لهذا الخيار، مؤكداً أن سفارات أوروبية في بغداد تجري تحركات على عدة مستويات في هذا الإطار منذ أيام. وأوضح أن "اعتراض الكتل السياسية على استقبال العراق للمقاتلين غير العراقيين ومحاكمتهم، صادر عن مخاوف من سيناريو مشابه لاقتحام سجن أبو غريب عام 2013 وتحرير مئات السجناء منه، أو ما حصل في سجن بادوش في الموصل عام 2014 الذي حُررت منه قيادات بارزة في تنظيم القاعدة كانت معتقلة منذ سنوات وبعد تحريرها بايعت تنظيم داعش".

ولفت المسؤول إلى أن "مقترح محاكمة مقاتلي داعش الأجانب في مناطق سيطرة قسد، لم يعد خياراً، كونه يواجه معارضة أطراف عدة، أبرزها أنقرة، على اعتبار أنه يمنح شرعية لتلك الفصائل في سيطرتها على الشرق السوري، كما أن دولهم ترفض استقبالهم"، كاشفاً عن أن العراق قد يضطر في النهاية إلى قبول محاكمة من يثبت تورطه بارتكاب جرائم ضد العراقيين، سواء كانوا من قوات الأمن أو المدنيين أو كان قد دخل سابقاً إلى العراق خلال فترة استباحة الحدود وشارك بأنشطة لصالح تنظيم داعش في العراق، وهو الأرجح حتى الآن، فتركهم داخل مناطق قسد يعني أنهم قد يتمكّنون من الإفلات في النهاية والعودة ليشكلوا تهديداً على العراق، خصوصاً أنهم يُحتجزون على بعد بضعة كيلومترات من حدودنا الغربية".

محاكمات داخل العراق؟
ووسط اختلاف ردود الفعل السياسية في بغداد تجاه هذا الملف وعدم تصريح الحكومة العراقية بشكل واضح حول مقاتلي "داعش" غير العراقيين أو حتى أسرهم، يؤكد برلمانيون أن المرجح هو أنهم سيحاكمون في العراق، فيما عائلاتهم تبقى في مخيم الهول السوري في الوقت الحالي.
وكشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عمار طعمة، لـ"العربي الجديد"، عن أن كل المؤشرات تذهب إلى أنهم سيُحاكمون داخل العراق، ووفقاً للقانون العراقي، مهما كانت جنسياتهم، ولا يحق لأي دولة أن تعترض على نوع الحكم. وأشار إلى أن "العراق يمتلك قاعدة بيانات تُظهر أن معظمهم متورط بشكل أو بآخر في عمليات وأنشطة إرهابية ضد العراقيين، لذا سيتم تسلّم الأجانب المتورطين بجرائم بشكل مباشر أو غير مباشر ضد العراقيين من الجرائم الموصوفة في القانون العراقي".

أما عضو اللجنة القانونية البرلمانية محمود ملا طلال، فأوضح لـ"العربي الجديد"، أن تسلّم العراق لعناصر مسلحة اعتُقلوا داخل سورية يكون بسبب تورطهم في أعمال تهدد الأمن الوطني العراقي، ولن تتم محاكمتهم سوى في إطار القانون العراقي، معتبراً أن ضغوط الدول حيال الأمر فيها جانب سياسي، لكن العراق سيتعامل مع الموضوع من منطلق قانوني وأمني قبل كل شيء.

وحول تسلم العراق من "قسد" مقاتلين من الجنسية الفرنسية، أوضح القيادي في الحشد العشائري في مدينة القائم محمد الكربولي، لـ"العربي الجديد"، أن تلك المجموعة متورطة في عمليات إرهابية خطيرة داخل العراق ولها صلة بعملية تمويل "داعش" وسرقة الآثار وبيعها، وكذلك اقتحام البنوك والمصارف العراقية عام 2014 والاستيلاء على أموال بالعملة الصعبة. ولفت إلى أن العملية جرت من قبل جهاز المخابرات، لذا فهي ملف منفصل عن المقاتلين الآخرين الذين ينتظرون مصيرهم داخل معتقلات مؤقتة في الأراضي السورية، مؤكداً أن "جميع الذين تسلّمهم العراق الآن موجودون في قاعدة عسكرية في الأنبار باستثناء عناصر غير عراقية، بينهم فرنسيون وعرب، تم نقلهم إلى مكان احتجاز خاص لخطورتهم، ويرجَّح أنهم يملكون خيوطاً توصل إلى زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي".


ويتم احتجاز مقاتلي "داعش" على مقربة من الحدود العراقية السورية داخل معسكر سابق لقوات النظام السوري في البوكمال، يبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود العراقية، ويخضع لحراسة مشددة من "قسد" وقوات أميركية، بينما تم نقل عدد كبير من النساء والأطفال إلى مدارس ابتدائية ومسجدين في الباغوز بشكل مؤقت، وينتظر أن يتسلم العراق مواطنيه منهم، بينما يرجح نقل غير العراقيين منهم إلى مخيم الهول السوري.

ويُتوقَع أن تبدأ محاكمة العراقيين الذين تسلّمتهم بغداد سريعاً، بعد انتهاء التحقيقات معهم للتعرف على مسؤولياتهم في التنظيم والجرائم المتورطين فيها. وأكد مسؤول محلي في بلدة القائم الحدودية مع سورية، غربي الأنبار، لـ"العربي الجديد"، أنه التقى مع عدد من العناصر الذين تسلّمتهم بغداد يوم الأحد، وقالوا إن الجانب الأميركي حقق مع قسم منهم داخل سورية قبل أن يتم تسليمهم إلى العراق، وأن هناك آخرين يُعتَقد أنهم قياديون ما زالوا لدى الأميركيين يخضعون للتحقيق، لافتاً إلى أن معظمهم في وضع صحي سيئ وأكدوا أنهم أمضوا أياماً يعيشون على الماء والسكر وبعض النباتات.

خلافات داخلية

وصعّدت قوى سياسية عراقية عدة من لهجتها حيال تسلم العراق المقاتلين الأجانب، معتبرة أنه يتم بضغوط أميركية. وحذر نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، مما وصفه "تصدير عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق"، معتبراً أنه "بداية لسيناريو أميركي جديد"، مطالباً "القادة العراقيين بالانتباه إلى ذلك واتخاذ الخطوات اللازمة لإيقاف تنفيذ هذا السيناريو". وأضاف أن المراد هو إيجاد نوع من التهديد الجديد للقوات الأمنية لتكون هناك ذريعة لبقاء القوات الأميركية في العراق بل زيادة عديدها".

من جهته، قال زعيم "العصائب" المرتبطة بإيران، قيس الخزعلي، في تغريدة له على حسابه في "تويتر"، إن "‎الولايات المتحدة تأخذ الذهب العراقي إليها وتحول الدواعش الأجانب إلى العراق". فيما تساءل عضو حزب "الدعوة" علي الخفاجي، عن نفقات سيتحمّلها العراق جراء محاكمة هؤلاء وإقامتهم في السجون، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "كل سجين سيكلف العراق يومياً نحو 40 دولاراً، فمن سيدفع هذا المبلغ؟". وختم بالقول "الفرنسيون والبريطانيون على وجه التحديد لسان حالهم من خلال تحركاتهم الآن يقول: لا نريدهم افعلوا بهم ما تشاؤون".

ويتصاعد الجدل حول قانونية محاكمة مقاتلي "داعش" الأجانب في العراق. وفي هذا السياق، أشارت وكالة "فرانس برس" إلى أنه في أغسطس/ آب الماضي، حاكمت بغداد الفرنسي لحسن قبوج (58 عاماً)، الذي أكد للقضاة العراقيين أنه اعتقل من قبل الجيش السوري الحر، قبل أن ينقله جنود أميركيون إلى العراق. وفي حال تكرر هذا السيناريو على أكثر من ستين فرنسياً بالغاً من سجناء الأكراد في سورية، فإن هذا الأمر "سيكون مأساوياً"، كما قالت فيرونيك روي، العضو في "مجموعة العائلات المتحدة"، التي تضم 70 عائلة فرنسية التحق أقرباء لها بمناطق كان يسيطر عليها تنظيم "داعش".

من جهتها، أكدت بلقيس ويلي، من "هيومن رايتس ووتش"، لـ"فرانس برس"، أنه بمجرد وصولهم إلى العراق "هناك خطر أن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة". وأضافت أن القوات الأميركية سبق أن قامت "في خمس حالات على الأقل بتسليم معتقلين أجانب إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية". ولفتت "فرانس برس" إلى أن مصادر عدة تتحدث عن أن إجراء محاكمات في بغداد، سيضمن لدول الجهاديين المفترضين الأصلية، أحكاماً أشد بكثير من المحاكم الغربية. فيما مسألة محاكمة هؤلاء في سورية ليست بالسهلة، خصوصاً على الصعيد القانوني، إذ إن أكراد سورية ليسوا دولة والعلاقات الدبلوماسية بين باريس والنظام السوري مجمّدة.

لكن الخبير القانوني العراقي طارق حرب، أوضح أن العراق يمكنه محاكمة الأجانب الذين اعتُقلوا في سورية وفق المادة السادسة من قانون العقوبات، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المادة السادسة تنص على أن كل من ساهم في جريمة وقعت كلها أو بعضها في العراق ولو كانت مساهمته في الخارج، سواء أكان فاعلاً أم شريكاً، يُحاكم في العراق، وكذلك المادة التاسعة من قانون العقوبات العراقي أيضاً التي تقضي بسريان القانون على كل من ارتكب خارج العراق جريمة، مضيفاً "بذلك فإن عناصر داعش يخضعون للقانون العراقي وللمحاكم العراقية، سواء كانت مشاركتهم أصلية أم بالتحريض أم المساعدة أم الاتفاق حتى ولو كان ذلك قد حصل في سورية أو أي مكان آخر خارج العراق".
يُذكر أن مجلس القضاء الأعلى في العراق كان قد أعلن في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أنه حاكم أكثر من 600 شخص أجنبي بتهمة الانضمام لتنظيم "داعش"، أغلبهم من جنسيات أجنبية، أوروبية وآسيوية، جرى اعتقال معظمهم خلال معركة الموصل. ولاقت بعض الأحكام بحق كثير منهم اعتراضات من دول أوروبية ومنظمات حقوقية قالت إنها افتقرت إلى شروط العدالة.