انتكاسة جديدة لتطبيق اتفاق الحديدة

انتكاسة جديدة لتطبيق اتفاق الحديدة

26 فبراير 2019
عودة التصعيد العسكري احتمال وراد بأي لحظة (فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من مرور قرابة شهرين ونصف الشهر على التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والشرعية اليمنية في السويد بشأن محافظة الحديدة، إلا أنه منذ ذلك الحين فشلت جميع محاولات تطبيق الخطوة الأولى من الاتفاق والمتمثلة بإعادة الانتشار في المدينة. وأعلن أمس للمرة الثانية، خلال يومين، فشل البدء في تطبيق الاتفاق، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول المسؤولية عن الأزمة التي تسبب بها بشكل أساسي الخلاف حول هوية القوات والقيادة المحلية، التي يجب أن تؤول إليها السيطرة في الحديدة. 
في موازاة ذلك، برز أمس التهديد الذي أطلقه زعيم جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، تحديداً للإمارات في كلمة متلفزة له بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة بقوله "أنصح الإمارات ألا تعود لمسار التصعيد العسكري"، قبل أن يضيف "هناك تعثر في كل مسارات اتفاق السويد بفعل تهرب الأعداء... إذا عادوا للتصعيد العسكري في الحديدة فلدينا خيارات للرد لا أحبذ الحديث عنها". من جهة ثانية، حاول الحوثي التنصل من المسؤولية عن تعطيل تطبيق الاتفاق، بإعلانه جهوزية جماعته "لتنفيذ اتفاق الحديدة والبدء بالخطوات الأولى من طرف واحد"، مشيراً إلى أن "الطرف الآخر يتنصل من تنفيذ اتفاق السويد ويسعى للالتفاف عليه والتهرب من تنفيذه، وهو يتحرك بأطماعه ولا تهمه مصلحة الشعب اليمني ولا مصلحة أهالي الحديدة تحديداً".
حديث الحوثي يتناقض مع الوقائع على الأرض، إذ أقرّت جماعة "أنصار الله" أمس، ضمنياً، بتقديمها اشتراطات للبدء بتنفيذ اتفاق المرحلة الأولى. وفي السياق، قال القائم بأعمال محافظ الحديدة المعين من الحوثيين، عياش قحيم، في تصريحات نقلتها قناة "المسيرة" الحوثية، بأنّ سبب تأجيل المرحلة الأولى من إعادة الانتشار هو طلب لوليسغارد اجتماعاً بين الطرفين، وأنّ فريق الجماعة في ما يُعرف بـ"لجنة التهدئة والتنسيق"، طلب من رئيس فريق المراقبين تحديد النقاط التي سيناقشها الاجتماع. كما اتهم قحيم الطرف الحكومي بأنه "غير ملتزم بالاتفاقات منذ توقيع اتفاق السويد، ولا يزال يتلكأ ويماطل في تنفيذ خطوة إعادة الانتشار"، قبل أن يعود ويتهمه بـ"محاولة الانقلاب على اتفاق السويد بإرسال كتائب عسكرية لاستلام الموانئ".
وجاء تصريح المسؤول الحوثي في وقتٍ أفادت فيه مصادر محلية مقربة من الفريق الحكومي في "لجنة التنسيق وإعادة الانتشار" لـ"العربي الجديد"، بأنّ الحكومة حصلت على تعهدات من الجانب الأممي تضمن انسحاب القوات التابعة للحوثيين من موانئ الحديدة، بناءً على خطة لوليسغارد في "المرحلة الأولى"، وعلى نحوٍ يؤدي إلى إعادة موظفي السلطة المحلية وأجهزة الأمن المحلية قبل سيطرة الحوثيين على الحديدة أواخر عام 2014، كحلٍ وسطٍ بين إصرار القوات الحكومية المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي على انتزاع السيطرة على المدينة، وبين سعي الحوثيين للحفاظ على سيطرتهم عليها.
بدورها، نقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصدر يمني حكومي، أمس الاثنين، تأكيده تأجيل عملية الانسحاب الجزئي من مدينة الحديدة والموانئ الرئيسية بالبلاد، إلى يوم الخميس المقبل، جراء ما قال إنه "رفض الحوثيين" لذلك.
وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، إنه "كان من المقرّر أن تجري المرحلة الأولى من إعادة الانتشار الأحد، لكنها تأجلت إلى الاثنين، ومن جديد تأجلت حتى الخميس، بسبب رفض الحوثيين تنفيذ الانسحاب". وأشار إلى أنّ ممثلي الحكومة في لجنة إعادة الانتشار وافقوا على المرحلة الأولى، والتي تتضمّن انسحاباً للقوات الحكومية والحوثيين من خطوط التماس بمسافات محددة، وانسحاب الحوثيين من الموانئ بمسافة خمسة كيلومترات، مستدركاً بالقول "لكن الحوثيين يرفضون تنفيذ ذلك على الأرض، رغم إعلان موافقتهم على وسائل الإعلام".
والاثنين الماضي، أعلن المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، استعداد "أنصار الله" تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق على الفور، وقال إن قوات جماعته تنتظر إشارة رئيس لجنة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد. لكن المصدر الحكومي قال إنّ "الجماعة ليس لها أي نية في تنفيذ الاتفاق، وإن ممثليهم في لجنة الانتشار يتعذرون بأنّ القيادات العسكرية في قواتهم ترفض الانسحاب".
وتأتي الخلافات التي برزت حول بدء تنفيذ "المرحلة الأولى" من إعادة الانتشار، وبروز ملامح تحفّظ من قبل الحوثيين من خلال مطالبة الجماعة بتحديد النقاط التي سيناقشها اجتماع اللجنة بقيادة لوليسغارد، بعدما كانت أظهرت ترحيباً واندفاعاً نحو التنفيذ، عبر تأكيدها الاستعداد الفوري لذلك اعتباراً من منتصف الأسبوع الماضي، في مقابل التحفّظ الحكومي الذي يرى أن "إعادة الانتشار" من قبل الحوثيين بتسليم الموانئ إلى قوات تابعة لهم خطوة بمثابة العدم، ولا تختلف كثيراً عن الخطوة الأحادية الجانب التي شرع فيها الحوثيون الشهر الماضي، بإعلان "إعادة الانتشار" في ميناء الحديدة وتسليمه من مسلحي الجماعة بالزي المدني إلى القوات التابعة لهم بزيّ شرطة خفر السواحل.
وبصرف النظر عن التفاصيل، ما تزال الخلافات تدور حول نقطة الخلاف الجوهرية منذ البداية، وهي من يتسلّم إدارة الأمن وسلطة الموانئ في مدينة الحديدة؟ إذ إنّ الحوثيون يقدمون السلطة المحلية والقوات الأمنية المسيطرة في المدينة حالياً، كجهات معنية بالبقاء، مع انسحاب القوات العسكرية التابعة للجماعة من المرافق المحلية. في المقابل، ترى الحكومة اليمنية ومعها "التحالف"، أنّ الاتفاق يؤدي إلى انسحاب الحوثيين من الحديدة وعودتها للسلطة المحلية التي كانت قائمة حتى أواخر عام 2014. ومع تأجيل تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، يبدو أنّ الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة ومن خلفها الدول الغربية، لم تتمكّن حتى اليوم، من تحقيق الاختراق النهائي بحلّ جوهر الخلاف، بقدر ما تدفع الطرفين إلى موافقات قائمة على الضغوط، تتكشف هشاشتها خلال اختبار التنفيذ.
من زاوية أخرى، وفي ظلّ التعثّر المستمر لتنفيذ اتفاق السويد، لا يتردّد الجانب الحكومي المدعوم من "التحالف" بالتلويح بأنّ مواصلة العمليات العسكرية هو الخيار البديل، إذا ما تنصّل الحوثيون من تنفيذ الاتفاق. في المقابل، فإنّ الجماعة ما تزال تتمتع بسيطرة على أجزاء واسعة من المدينة ومناطق الحديدة الثانوية، على نحوٍ يجعل من عودة التصعيد العسكري احتمالاً وراداً في أي لحظة. إلا أنّ العامل الأبرز في مسار معركة الحديدة حتى اليوم، هو الموقف الدولي، الذي تمكّن من فرض وقف إطلاق النار في أصعب الظروف، ثمّ دفع الطرفين إلى توقيع اتفاق استوكهولم، وإن كان كل منهما لا يزال يحتفظ بتفسيره الخاص لتنفيذه، ويبقى وضع الحديدة مفتوحاً على الاحتمالات كافة، بما فيها تحقيق اختراق تفاوضي أو عودة التصعيد ولو نسبياً، كورقة ضغط تلقي بظلالها على طاولة التفاوض.
ويُخشى ألا يبقى التصعيد مقتصراً على الحديدة، خصوصاً بعد أن سجل خلال الأيام الماضية اشتداد المعارك في عدد من الجبهات، تحديداً في منطقة حجور في محافظة حجة اليمنية، التي تشهد مواجهات بين المسلحين الحوثيين ورجال القبائل.

كما شهدت جبهات قانية والملاجم في محافظة البيضاء مواجهات عنيفة، تزامناً مع مواجهات أخرى في جبهات صرواح في مأرب المحاذية للبيضاء. كذلك تحركت جبهة نهم شرق العاصمة صنعاء، فضلاً عن تسجيل مواجهات على حدود محافظتي الجوف وعمران.