شرق الفرات: خروقات تهدد التفاهم التركي الأميركي

شرق الفرات: خروقات تهدد التفاهم التركي الأميركي

20 أكتوبر 2019
أطفال نازحون في شرق الفرات (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت مهلة الأيام الخمسة، التي حددها الاتفاق الأميركي ـ التركي في شأن شرق الفرات، بدءاً من يوم الخميس الماضي، إلى سباق لفرض شروط إضافية بعد انقضاء المهلة يوم الثلاثاء المقبل، حسبما ما هو مقرّر. ومن مؤشرات السباق، إعلان الخارجية الروسية، أمس السبت، أن وفداً من المسؤولين الروس التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، يوم الجمعة، لمناقشة الحاجة لخفض التصعيد في شمالي شرق البلاد. وأضافت الوزارة في بيان أن النقاشات بين الوفد الذي ضمّ المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين وبين الأسد، ركّزت على الموقف الراهن على الأرض في سورية، في ضوء تصاعد التوتر، مضيفة أنه جرت الإشارة إلى الحاجة لاتخاذ إجراءات لخفض تصعيد الموقف وضمان الأمن في تلك المناطق. ومن الواضح أن الجانب الروسي يحاول الاستثمار بالاتفاق والعملية العسكرية التركية، لتحقيق مكاسب في منطقة شرقي الفرات. مع العلم أن موسكو رعت اتفاقاً بين النظام و"قسد" منذ أيام، سمح لقوات النظام بالعبور إلى منطقة شرقي الفرات وعلى جانب من الحدود السورية التركية في ريف الحسكة وفي منطقة عين العرب في ريف حلب. وذكرت مصادر إعلامية أن هناك مسعى روسي للوساطة بين دمشق وأنقرة، يمكن أن يتبلور أكثر خلال القمة المنتظرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين خلال الأيام المقبلة في سوتشي.

المناقشات في دمشق لم تحجب الأنظار عن الخرق المتبادل للاتفاق الأميركي ـ التركي، بعد قول "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، إن تركيا لم تلتزم شروط وقف إطلاق النار برفضها رفع الحصار الذي فرضته على بلدة رأس العين بعد 30 ساعة من سريان الهدنة. ودعت "قسد" نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي تفاوض على الاتفاق مع أردوغان، إلى تحمل مسؤولية فرض وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام. في المقابل، استمر القتال المتقطع في رأس العين، وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس، أن "الجيش الوطني السوري" يمنع قافلة طبية من الوصول إلى رأس العين منذ يوم الجمعة. لكن مصادر من "الجيش الوطني السوري" أكدت لـ"العربي الجديد" أن الهدوء ما زال مستمراً على جبهات رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي. في المقابل، اتهمت وزارة الدفاع التركية أمس من سمتهم "الإرهابيين" بخرق الاتفاق التركي الأميركي 14 مرة خلال 36 ساعة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. وجاء في بيان للوزارة أن "القوات المسلحة التركية تلتزم بشكل كامل باتفاق المنطقة الآمنة، الذي توصلت إليه تركيا والولايات المتحدة في 17 أكتوبر الحالي"، مضيفاً أنه "على الرغم من ذلك، قامت عناصر إرهابية بـ 12 هجوماً وتحرشاً في رأس العين، وباثنين في منطقة تل تمر، خلال آخر 36 ساعة".

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، أن "القوات في شمال سورية مستعدة لاستئناف الهجوم إذا لم يُنفذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع واشنطن بالكامل". وقال: "أوقفنا العملية لخمسة أيام. في تلك الأثناء سينسحب الإرهابيون من المنطقة الآمنة، وستُجمَع أسلحتهم وتدمَّر مواقعهم. إذا لم يحدث ذلك فسنواصل العملية". وأضاف في حدث أقيم في مدينة قيصري: "استعداداتنا تامة. إذا صدر الأمر المطلوب، فسيكون جنودنا مستعدين للتوجه إلى أي مكان".

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فأكد أنه "إذا لم ينجح الاتفاق مع الأميركيين فسنواصل من حيث توقفنا عند انتهاء الـ120 ساعة ونستمر في سحق رؤوس الإرهابيين". وفي شأن قوات النظام المدعومة من روسيا، قال: "توجَد في جزء من منطقة عملياتنا، وسيتناول هذه المسألة مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، علينا إيجاد حل. ففي حال التوصل إلى حل مع روسيا كان بها، وإلا فإننا سنواصل تنفيذ خططنا". 

من جانبها، أكدت القيادة العامة لـ"قسد" في بيان أنها ملتزمة اتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا، الذي تمّ بوساطة أميركية، متهمة الجانب التركي بـ"الاستمرار في هجومه، منتهكاً وقف إطلاق النار، ولا يسمح حتى الآن بفتح ممر آمن لإخراج الجرحى والمدنيين المحاصرين في مدينة رأس العين، رغم مضيّ أكثر من 30 ساعة على سريان وقف إطلاق النار". 

تضع كل تلك المحطات الاتفاق التركي ـ الأميركي أمام تحديات عدة من الممكن أن تطيحه، في حال عدم إظهار واشنطن جدّية في الضغط على هذه القوات، التي لا تزال تناور من أجل تطبيق جزئي للاتفاق، الذي في حال التزامه يحرمها نفوذها في شمالي شرق سورية. وهو ما يعد بداية النهاية لمشروعها المثير لقلق أنقرة التي كما يبدو لن تقبل بأي تساهل في تنفيذ الاتفاق الذي اعتبرته نصراً سياسياً من شأنه تبديد مخاوفها من قيام إقليم ذي صبغة كردية.

ويواجه الاتفاق التركي الأميركي في شرقي الفرات جملة تحديات من الممكن أن تطيحه، في حال عدم التعامل الجدي هذه المرة من قبل الولايات المتحدة، التي لطالما تجاوزت اتفاقات من الجانب التركي تخصّ الأوضاع في شرقي الفرات وغربه، ولعل موضوع مدينة منبج أبرز مثال.



من جهته، اعتبر القيادي في "الجيش الوطني السوري"، الذي شارك إلى جانب الجيش التركي في العملية، مصطفى سيجري، في حديث لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق تنتظره تحديات عدة، ومنها مدى قدرة واشنطن على إجبار "قسد" على الانسحاب من المنطقة المتفق عليها في ظل رفض مؤسسات أميركية لقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأبدى اعتقاده بأن هذا التحدّي هو الأهم أمام تطبيق الاتفاق مع تركيا.

وأضاف سيجري أن هناك تحدياً آخر، هو الوجود الروسي المستجد في منطقة شرقي نهر الفرات بعد الصفقة مع "قسد" التي سمحت للقوات العسكرية الروسية بتسيير دوريات في منطقتي منبج وعين العرب. وأكد أنه حتى ظهر أمس السبت، لم تُسجّل أي عملية انسحاب من قبل قوات "قسد" من المنطقة المحددة بالاتفاق التركي ـ الأميركي، مضيفاً أن هناك تصريحات من قبل مسؤولين في "قسد" يطالبون فيها بإرسال مراقبين دوليين ومن الجامعة العربية إلى شرق الفرات. وهذا مؤشر على عدم نيتهم التزام الاتفاق بين الجانبين التركي والأميركي، في حين أن "قسد" تتحدث فقط عن المنطقة الواقعة بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وهذه مخالفة صريحة لنص الاتفاق. وأشار سيجري إلى أن معظم حلفاء "قسد" رفضوا الاتفاق واعتبروه انتصاراً للجانب التركي. وهذا الأمر يعتبر أيضاً تحدياً أمام الاتفاق، مع استمرار تقديم الدعم لقوات "قسد" من قبل حلفائها الرافضين للاتفاق، في ظل حديث عن دعم أوروبي وإسرائيلي وسعودي وإماراتي لهذه القوات.

بدورها، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، مساء الجمعة، أن القوات الأميركية الموجودة في سورية لن تشارك في إنشاء المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإنشائها شمالي البلاد. ورغم أن وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أكد في بيان أنه "لن تشارك أي قوات برية أميركية في فرض هذه المنطقة الآمنة"، إلا أنه أشار إلى أن بلاده ستبقى على اتصال مع كل من تركيا و"قسد"، لافتاً إلى أنه يتطلع إلى لقاء نظيره التركي خلوصي أكار، في بروكسل، الأسبوع المقبل، بهدف "تعزيز أهمية ضمان حل سياسي دائم للوضع في سورية".

وكانت أنقرة وواشنطن قد أعلنتا بعد محادثات الخميس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووفد أميركي برئاسة نائب الرئيس مايك بنس، عن اتفاق ينصّ على تعليق كل العمليات العسكرية شرقي الفرات لـ 120 ساعة، وانسحاب القوات الكردية من منطقة بعمق 32 كيلومتراً، من دون أن يحدد طولها، تتحول في النهاية إلى "منطقة آمنة". وحقق الاتفاق الجديد ما كانت تطالب به تركيا من إنشاء منطقة آمنة من الممكن أن تبدد مخاوفها تجاه طموحات الأكراد السوريين من تحقيق قدر من الاستقلال الإداري والعسكري في منطقة شرق نهر الفرات. وأكدت الإدارة الذاتية الكردية في شمالي شرق سورية، أمس الجمعة "التزامها التام" بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار الذي حصل بين الولايات المتحدة وتركيا. وذكرت أن الاتفاق الذي تمَّ يشمل المنطقة الممتدة ما بين رأس العين وتل أبيض مع ضمان عودةِ جميعِ النازحين ومن كل المكونات السورية إلى مناطقهم التي نزحوا منها، معتبرة أن الاتفاق " يُفوِّت على النظام التركي احتلال المزيد من الأراضي السورية الطاهرة". وطالب "مجلس سورية الديمقراطي" (مسد) الجناح السياسي لقوات "قسد"، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والجامعة العربية والولايات المتحدة إرسال مراقبين دوليين إلى مناطق شمال وشرق سورية بهدف "الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت وجعله دائماً".

ويشي هذا البيان مع تصريحات مسؤولين في الوحدات الكردية أن الأخيرة بصدد المناورة السياسية من أجل تطبيق جزئي للاتفاق، فلا يشمل مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، ولا يشمل القامشلي في ريف الحسكة، وهو ما يدفع الاتفاق برمته إلى حافة الانهيار، ومن ثم عودة العمليات العسكرية التي إن تجددت فقد لا يتوقف الجيش التركي عند حدود الاتفاق.

ويأمل الجانب التركي وفق تصريحات كبار المسؤولين الأتراك أن يعود عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا إلى المنطقة الآمنة، فيما يرفض الجانب الكردي السوري عودة سوريين من خارج المنطقة إليها، معتبراً أن أي عودة لسوريين من خارج منطقة شرقي الفرات هو عملية تغيير ديمغرافي من قبل الأتراك.

من جهته، يرى الباحث المقرب من الإدارة الذاتية، إبراهيم مسلم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تحديات عدة تواجه الاتفاق التركي الأميركي، منها عدم قبول تركيا نفسها بهذا الاتفاق، لأنه لا يحقق طموح الدولة التركية في المنطقة، حتى إذا تحقق هدفها باحتلال 440 كيلومتراً وعمق 32 كيلومتراً، فسيبقى هناك هواجس تركية بوجود قوات سورية الديمقراطية". ويضيف أن قوات سورية الديمقراطية رحّبت بالاتفاق، إلا أنها لا تقبل أن تكون المنطقة الآمنة برعاية تركية، وطلبت التدخل الدولي على شكل قوات دولية لحفظ السلام. ويشير إلى أن "الوجود الروسي والنظام في المنطقة، يعد تحدياً للاتفاق، خصوصاً بعد انتشار قوات النظام المدعومة روسياً على الحدود مع تركيا، وحتى بوجود اتفاقية أضنة التي أحيتها روسيا، فإن النظام يعتبر الاحتلال التركي خرقاً لاتفاقية أضنة وربما يعلن انتهاءها. ويعتقد مسلم أن الوجود الإيراني ومنافسته للوجود التركي في سورية يُعدّ تحدياً للاتفاق، معرباً عن اعتقاده بأنه سيكون للوجود الإيراني دور في المستقبل القريب.