مباحثات تركية أميركية حول سورية... وخطر "النصرة" يتصاعد

مباحثات تركية أميركية حول سورية... وخطر "النصرة" يتصاعد

08 يناير 2019
ترامب لم يغير موقفه حول سحب القوات(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، إلى المنطقة، والتي بدأها من إسرائيل، المزيد من الجدل حول قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سورية، مع طرح بولتون شرطَين قبل الانسحاب، هما ضرورة حماية المقاتلين الأكراد الموالين لواشنطن، والقضاء نهائياً على تنظيم "داعش"، ما دفع الأكراد إلى طلب توضيحات، مقابل نفي تركيا اتهامها باستهداف الأكراد. هذه البلبلة سبقت وصول بولتون إلى أنقرة، أمس، حيث يلتقي مسؤولين أتراكا لبحث ملفات متعددة، أبرزها الانسحاب من سورية، في مسعى لحلحلة الخلافات وتضارب وجهات النظر حول هذا الملف، على الرغم من أن تركيا استبقت ذلك بتأكيدها مواصلة قتال حزب "العمال الكردستاني" والوحدات الكردية.
وليس بعيداً عن ذلك، لا تزال ارتدادات هجوم "هيئة تحرير الشام" (التي تُعتبر جبهة النصرة عامودها الفقري) وسيطرتها على أغلب ريف حلب الغربي، تتفاعل، خصوصاً مع سيطرة الهيئة على أجزاء واسعة من طريقين شمال غربي سورية، كان يُفترض فتحهما وفق اتفاق سوتشي المبرم بين الأتراك والروس، في سبتمبر/أيلول الماضي، بما بات يهدد هذا الاتفاق، مع سعي الهيئة لتكون رقماً مهماً في أي معادلة سياسية مقبلة.

وعاد ترامب للتأكيد أمس، في تغريدة عبر "تويتر"، أن نواياه حول الانسحاب لم تتغير، قائلاً "سنغادر بوتيرة مناسبة، وفي الوقت نفسه سنواصل محاربة داعش والقيام بكل ما هو حكيم وضروري". كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض مرسيدس شلاب، أمس، أن ترامب "لم يغير موقفه، فقد ذكر أن هدفه الأساسي هو ضمان سلامة قواتنا وسلامة حلفائنا أيضاً". وأضافت "لذلك سوف تقدّم وزارة الدفاع خطة عمليات لسحب قواتنا بسلام". وجاء ذلك فيما كان بولتون يصل أمس إلى أنقرة للقاء المسؤولين الأتراك لبحث ملفات عديدة، أبرزها مستقبل شرق الفرات، والانسحاب الأميركي من سورية وموعده، إضافة إلى توضيح تفاصيل قتال تنظيم "داعش"، فضلاً عن مصير السلاح الأميركي المقدّم للوحدات الكردية. ومن ضمن الملف السوري، سيكون تطبيق خارطة الطريق حول مدينة منبج على رأس المباحثات أيضاً، إذ إن الوفد الأميركي يضم رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، ومبعوث التحالف الدولي جيمس جيفري. إضافة إلى ذلك، يبحث الجانبان موضوع جماعة "الخدمة" برئاسة فتح الله غولن، وملف حزب "العمال الكردستاني"، وصفقتي شراء تركيا صواريخ "باتريوت" ومقاتلات "إف 35"، والعلاقات التجارية المشتركة.

واستبق وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وصول بولتون أمس، مؤكداً أن تركيا تقاتل "داعش" و"العمال الكردستاني" والوحدات الكردية الإرهابيين، وهي تنظيمات تشكّل تهديداً على الأكراد والعرب والتركمان وكل الأقليات في المنطقة، مشدداً على أن بلاده ستواصل محاربة الإرهاب بنفس الحزم والإصرار. ونفى أكار، في تصريح لـ"الأناضول"، أمس، أن يكون قتال "العمال الكردستاني" و"الوحدات الكردية"، موجهاً ضد الأكراد، الذين وصفهم بـ"الأشقاء"، مضيفاً "نِضال الجيش التركي منذ قرون في هذه المنطقة ليس موجهاً ضد الأشقاء الأكراد الذين نتقاسم معهم الأرض والزاد". وأكد الوزير التركي أن "العمال الكردستاني" و"الوحدات" لم يكونا أبداً ممثلين للأكراد. وأردف "هذا التنظيم الإرهابي يشكّل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة، وعائقاً أمام عودة اللاجئين السوريين، وفي مقدمتهم الأكراد، إلى أراضيهم".

تصريحات بولتون، الأحد، عن أن القوات الأميركية لن تنسحب من شمال شرق سورية حتى تتم هزيمة مسلحي "داعش"، وتوفير الحماية للمقاتلين الأكراد، أثارت أيضاً لغطاً في صفوف الأكراد، إذ قال مسؤول كردي سوري إن أكراد سورية بانتظار توضيحات من الولايات المتحدة بشأن خطط انسحاب قواتها بعد هذه التصريحات. ونقلت وكالة "أسوشييتد برس"، أمس، عن المسؤول الكردي، بدران جيا، أن الأكراد لم يتم إبلاغهم بأي تغيير في الموقف الأميركي، ولم يكونوا على علم بشأن التعليقات الأخيرة لبولتون وما تشير إليه.

في موازاة ذلك، يبدو الموقف العسكري في شمال غربي سورية متجهاً إلى مزيد من التأزيم، إذ بدأت تطفو على السطح أطماع "هيئة تحرير الشام" المصنفة كتنظيم إرهابي، في التفرد بقراري السلم والحرب في محافظة إدلب، معقل المعارضة البارز والأهم، في محاولة لفرض سلطة أمر واقع، ربما يجعل من الهيئة رقماً في معادلة سياسية مقبلة.
وتوقفت الاشتباكات في شمال غربي سورية بعد أسبوع من مواجهات دامية في ريف حلب الغربي، انتهت، الأحد، بسيطرة "تحرير الشام" على القسم الأكبر من هذا الريف، وهو ما بدّل مناطق السيطرة في منطقة يتحيّن النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون الفرص للانقضاض عليها. وأعلنت الهيئة، أمس الإثنين، انتهاء حملتها العسكرية في ريف حلب الغربي، بعد معارك عنيفة انتهت بتحييد "حركة نور الدين الزنكي"، إحدى مكوّنات "الجبهة الوطنية للتحرير".

وقالت مصادر إعلامية تابعة للهيئة إن "العمليات العسكرية في ريف حلب قد انتهت، ولا صحة لكل ما يشاع عن نيّتنا التوجّه إلى مناطق غصن الزيتون، وسنثبت نقاط الرباط، وسنرسل المؤازرات إلى نقاط التماس مع قوات النظام"، وفق المصادر. وكان مقاتلو "حركة نور الدين الزنكي" قد لجأوا إلى منطقة عفرين شمال غربي حلب والخاضعة لـ"الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، بعد أن فرضت "هيئة تحرير الشام" سيطرة كاملة على مقرات الحركة ومناطقها في ريف حلب الغربي.


ومن المتوقع أن تكون للتصعيد الكبير من قبل "هيئة تحرير الشام" تبعات على المشهد في شمال غربي سورية، في ظل حديث عن نيّة فصائل المعارضة السورية الاستعداد لجولة قتال جديدة مع الهيئة للسيطرة أولاً على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. ومن الواضح أن القضاء "السهل والسريع" على "حركة الزنكي" غربي حلب، فتح شهية الهيئة لابتلاع فصائل أخرى، إذ أكدت مصادر أن الهيئة تريد القضاء على فصيل "صقور الشام" في جبل الزاوية في ريف إدلب، مشيرة إلى أن مفاوضات بدأت بين الطرفين، أمس الإثنين، لم تكلل بالنجاح، إذ رفض الفصيل مطالب الهيئة بحل نفسه. ويسيطر "صقور الشام"، وهو من أقدم فصائل المعارضة المسلحة في شمال غربي البلاد، على العديد من قرى جبل الزاوية، وهو من أشد المعادين لمشروع "هيئة تحرير الشام" الهادف إلى الهيمنة على محافظة إدلب بشكل كامل.
وكان موقف "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمّع عسكري للمعارضة السورية شمال غربي سورية، تجاه "حركة الزنكي" وهي جزء من هذا التجمّع، محيّراً، فالجبهة لم تساند الحركة بشكل فعال وتركتها لمصيرها أمام "تحرير الشام" التي وضعت ثقلها العسكري في الاشتباكات التي جعلت منها القوة الأكبر في شمال غربي سورية.

ولكن القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حسون، أشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "تحرك هيئة تحرير الشام كان سريعاً، ومن عدة محاور"، مضيفاً: "عادة العمل ضد فصيل في المناطق المحررة يحتاج إلى وقت للإعداد، كون معظم المقاتلين مرابطين على جبهات التماس مع النظام، وتحريكهم باتجاه آخر، في ظل إمكانية تحشيد النظام يحتاج إلى وقت لتنظيمه". ومضى بالقول: "السقوط السريع وغير المتوقع لمناطق انتشار حركة الزنكي أمام هجوم هيئة تحرير الشام لم يسمح بإعطاء الوقت اللازم لتنظيم المؤازرات، والتي وصلت بشكل إفرادي وغير منظّم، مما جعلها غير فاعلة".

في المقابل، قال قيادي في "حركة الزنكي" لـ"العربي الجديد"، إن "الجبهة الوطنية للتحرير"، "ساندت الزنكي إعلامياً فقط، ما عدا فصيلي أحرار الشام، وصقور الشام، اللذين حاولا مساندتنا، ولكن القوة العسكرية للهيئة حالت دون تحقيق نتائج وتخفيف الضغط عنا". وأشار القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إلى أن مقاتلي الفصيلين "تقدّموا على جبهات إدلب الجنوبي والشرقي وسيطروا على مناطق واسعة، ولكن ذلك لم يخفف الضغط عن الزنكي، لأن أبو محمد الجولاني (قائد جبهة النصرة) حشد كافة القوى والوسائط وكل إمكانياته ودفع بنخبة مقاتليه إلى جبهات ريف حلب للسيطرة على مناطق الزنكي". ولفت إلى "أن المساندة الإعلامية الخجولة ساهمت في سرعة انهيار معنويات المقاتلين بعد وعود متكررة بدخول المعركة".

واعتبر القيادي أن "تحييد حركة الزنكي سابقة خطيرة في الثورة السورية"، مضيفاً: "الحركة ليست قوة عسكرية تسيطر على الأرض، إنما هي سكان ريف حلب الغربي، وقد تم تهجيرهم بعد هذه المعركة"، موضحاً أن "أغلب منازل قرى وبلدات الريف الغربي الآن فارغة من أهلها، وهو إذاً تهجير للشعب كما فعل النظام المجرم في العديد من المناطق السورية". وأشار إلى أن "حركة الزنكي ركيزة من ركائز الثورة والعقدة في وجه تعويم مشروع الجولاني، لذلك كان يوماً أسود على كل الثوار والأحرار، حتى المختلفين مع حركة الزنكي"، مضيفاً: "الجولاني حيّد حركتنا كي يتفرد بالقرار ويجبر الدول المهتمة بالشأن السوري بالجلوس أو الحوار معه".

في موازاة ذلك، تدل معطيات على أن النظام السوري سيتخذ من تمدد "تحرير الشام" ذريعة للتقدّم في ريف حلب الغربي، إذ عنونت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الإثنين، "اتفاق "المنزوعة السلاح" في مهب الريح، مشيرة إلى أن "جبهة النصرة سيطرت على الطرق الدولية شمال البلاد".

وباتت "هيئة تحرير الشام" تسيطر على جانب كبير من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالساحل السوري، وعلى الطريق الذي يربط شمال سورية بجنوبها، واللذين كان من المفترض فتحهما وفق اتفاق سوتشي، الذي أُعلن في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ومن المرجح أن تواصل "تحرير الشام" محاولات السيطرة على كل مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي لفرض سيطرة شبه مطلقة على الطريقين الدوليين، وهو ما قد يدفع المنطقة برمتها إلى صراع جديد، خصوصاً أنه من الواضح أن المجتمع الدولي لن يقبل بسياسة الأمر الواقع التي تحاول الهيئة فرضها.