قوانين السيسي تتجاهل دستوره وتفتح الباب للإخفاء القسري
عندما كُتب الدستور المصري الحالي في 2012 وتم تعديله في 2014 كانت مسألة الاختفاء القسري شاخصة في أذهان المشرعين، إذ نصت المادة 54 على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته إلّا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته". كما تنص المادة 55 على أن "كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً. ولا يكون حجزه أو حبسه إلّا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانياً وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة".
ويظهر من ذلك أن الدستور يلزم الشرطة، أو أي جهة تحرٍ أو ضبط أخرى، بالحصول على إذن القضاء أولاً قبل القبض على أي شخص، وألّا تتجاوز فترة التحفظ عليه، قبل عرضه على سلطة التحقيق، مدة 24 ساعة، مع إخطاره بأنه مقبوض عليه بأمر جهة التحقيق. لكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عندما أصدر قانون مكافحة الإرهاب في العام 2015 ضمن المادة 40 منه أحكاماً مناقضة نظرياً وعملياً للإلزام الدستوري، فهذه المادة تسمح "لمأمور الضبط القضائي، لدى قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب ولضرورة تقتضيها مواجهة هذا الخطر، الحق في جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز 24 ساعة"، على أن "يحرر مأمور الضبط القضائي محضراً بالإجراءات ويعرض المتحفظ عليه، بصحبة المحضر، على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال".
وتحققت لأجهزة النظام تلك الحماية في وقت كان يجب أن تبادر الدولة بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الصادرة في أول ديسمبر/كانون الأول 2006، والتي تحظر بشكل قاطع تعريض أي شخص للاختفاء القسري، وتحظر التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب أو بانعدام الاستقرار السياسي، إذ إن مصر من الدول القليلة على مستوى العالم التي لم توقع على هذه الاتفاقية. ويتجه رأي قانوني إلى أن عدم توقيع مصر على تلك الاتفاقية لا يبرر مخالفتها، كما لا يبرر مخالفة دستورها المحلي بطبيعة الحال، إذ إن المادة 93 من الدستور تنص على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة"، وهو ما يعني أن ما توقع عليه القاهرة أصبح يتمتع بقوة الإلزام القانوني الداخلي، أما ما لم توقع عليه فيبقى محتفظاً بإلزام أدبي دولي، بما أن مصر عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة.