فصائل السويداء تواجه مساعي النظام لإخضاع المحافظة

فصائل السويداء تواجه مساعي النظام لإخضاع المحافظة

29 ديسمبر 2018
يحمّل كثيرون النظام مسؤولية الفلتان في المحافظة(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -


في قرية المزرعة، على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي مركز محافظة السويداء جنوبي سورية، التقت فصائل محلية في المحافظة، ظهر الثلاثاء الماضي، لتعلن اندماجها وتوحيد كلمتها، في رفض تسليم سلاحها للنظام، مؤكدة الموقف السابق برفض التحاق آلاف الشباب من المحافظة بقوات النظام، الذي كثّف تحركاته عبر مؤسساته المختلفة في الفترة الأخيرة، بهدف الهيمنة على محافظة السويداء، التي بقي لها وضع خاصٌ خلال سنوات الثورة في سورية. فلماذا حصل هذا التحرك في المحافظة الآن؟

يُجمع عددٌ من سكان وناشطي السويداء، الذين تواصلت معهم "العربي الجديد"، على أن النظام آخذٌ بتسريع وتيرة تحركات القوى المؤيدة له داخل المحافظة، لإغلاق ملف السيطرة الأمنية فيها، بعد سنواتٍ بقي فيها النظام غير مسيطر فعلياً بالكامل على هذه المحافظة، إذ تَعتبر أجهزة أمن النظام أن عدم التحاق نحو أربعين ألف شابٍ فيها، بالخدمة العسكرية الإلزامية، هو "تمردٌ" يجب إنهاؤه، من دون صدامٍ مباشر مع المحافظة ذات الغالبية الدرزية، المنقسمة بين معارضة النظام وتأييده، منذ بدء الثورة السورية سنة 2011.

النظام يكثّف تحركاته

منذ نحو عشرة أيام، جرى اجتماعٌ بين أبرز شخصية استخباراتية بالنظام، أي رئيس ما يُدعى "مكتب الأمن الوطني"، علي مملوك، مع وجهاء من السويداء، على رأسهم شخصيات من شيوخ العقل، أبرز سلطة روحية في المحافظة، وجاء الاجتماع ضمن سلسلة تحركاتٍ للنظام، يهدف من خلالها لإيجاد "حل وسط"، يستعيد من خلاله "الهيبة" المفقودة في السويداء، من دون استخدام القوة المباشرة ضد مجتمعها.

وكشفت مصادر محلية في المحافظة لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماع تناول القضايا الأمنية، ووجود مظاهر للفلتان الأمني في المحافظة، وكذلك تم بحث حل الفصائل المحلية المُشكّلة من أبناء المحافظة، وسبل إيجاد حل لالتحاق المتخلّفين عن الخدمة بجيش النظام، وعددهم بحدود أربعين ألف شاب". وأشارت إلى أن "بعض الشخصيات من السويداء اعتبرت خلال الاجتماع أن أجهزة النظام الأمنية، وعلى رأسها الأمن العسكري، تتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤولية الفلتان الأمني، لكونها تدعم مجموعات مسلحة تقوم بأعمال الخطف وما شابه، فيما حمّل مسؤولو النظام الأمنيون سبب الفلتان الأمني للفصائل المحلية المُشكّلة من قِبل أبناء السويداء، وطالبوا بضرورة تسليم سلاحها وحلها نهائياً، ووصفوا الفصائل المحلية بأنها مليشيات طائفية".

الاجتماع مع مملوك، سبقه اجتماعٌ مماثل مع مسؤولٍ كبير في "حزب البعث" يدعى ياسر الشوفي، الذي اقترح في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على وجهاء من السويداء، أن يساعدوا بنشر حواجز لقوات النظام في المحافظة، بحجة أن هذه ضرورة لضبط الأمن ووقف مظاهر الفلتان الأمني، وهو ما رفضه وجهاء المحافظة حينها، معتبرين أن أجهزة أمن النظام على علمٍ بمن يقف خلف حواجز الخطف وسواها، لكنها لا تتحرك لإيقافها، كي تكون مدخلاً لعودة أجهزة استخبارات النظام إلى السويداء.


وقبل هذا الاجتماع أيضاً، كان ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، قد أرسل ضباطاً من "الفرقة الرابعة"، ليقدّموا مبادرة لشباب السويداء "المتخلّفين عن الخدمة"، وهي أن يلتحقوا بقوات النظام، على أن تكون خدمة المطلوبين للاحتياط، أو للتجنيد الإلزامي ممن تزيد أعمارهم عن خمسة وثلاثين عاماً، ضمن "الفيلق الأول" في نطاق محافظة السويداء، وعلى طول الطريق بينها وبين العاصمة دمشق، أما الذين تقل أعمارهم عن خمسة وثلاثين، فيتم فرزهم إلى مختلف المحافظات السورية. وقد فشل هذا العرض، الذي قدمه عميدٌ مقربٌ من ماهر الأسد، خلال اجتماع مع شخصيات من السويداء في قرية ميماس، في أكتوبر/تشرين الأول، إذ لم توافق عليه قوى كثيرة في السويداء، التي بقي عشرات الآلاف من شبابها رافضين الالتحاق بقوات النظام.

وجاءت كل هذه الاجتماعات و"المبادرات" وغيرها، بعد "مجزرة الأربعاء الأسود"، يوم 25 يوليو/تموز الماضي، عندما هاجم مسلحون من تنظيم "داعش"، قرى في ريف السويداء الشرقي، وقتلوا أكثر من 200 شخصٍ من السكان هناك، وخطفوا ثلاثين شخصاً معظمهم نساء وأطفال، أعدم التنظيم شاباً وشابة منهم، كما توفيت إحدى النساء خلال الاختطاف، قبل أن يتم تحرير الباقين في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
واتهمت قوى في السويداء، النظام السوري بتسهيل حركة مسلحي "داعش"، وعدم حماية قواته الحدودَ الشرقية من المحافظة، لترهيب الأهالي، ودفعهم للتسليم بضرورة إعادة أجهزة النظام الأمنية والعسكرية إلى المحافظة، وتركهم لاحتضان الفصائل المحلية التي شكّلها أبناء السويداء، خلال السنوات القليلة الماضية.

الفصائل تستشعر "الخطر"
كل هذه الوقائع، قرأتها الفصائل المحلية في السويداء، على أنها سلسلة تحركاتٍ للنظام، تم تكثيفها في الفترة الأخيرة لفتح أبوابٍ يعود من خلالها النظام للهيمنة الكاملة على المحافظة، إذ تعتبر هذه الفصائل والقوى المحلية في السويداء، التي ترفض فكرة التحاق أبناء المحافظة بقوات النظام، أنها المستهدفة من هذه التحركات، لكونها تشكّل حاجزاً أمام خطط النظام الرامية لبسط سيطرته الكاملة في السويداء، بعد أن ضمن سيطرته على مختلف المناطق التي كانت تستنزف قواته خلال السنوات الأخيرة.
ويبدو أن بعض فصائل السويداء المحلية، حصلت كما تقول، على معلوماتٍ تفيد بتخطيط أجهزة أمن النظام لإنشاء حواجز والقيام بعمليات مداهمة في قرى وبلداتٍ بالسويداء، وهو ما رفضته هذه الفصائل، واجتمعت في قرية المزرعة شمال غربي مدينة السويداء، الثلاثاء الماضي، لتعلن اندماج أربعة عشر فصيلاً مسلحاً، لمواجهة خطط النظام.

واطّلعت "العربي الجديد"، على فحوى الكلمات التي ألقيت خلال الاجتماع، الذي تظهر مشاهد الفيديو أنه ضم عشرات الشباب المسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة. وأعلن أحد قياديي الفصائل المسلحة، أنه و"بناء على التطورات الأخيرة التي حدثت بالمحافظة، وبناء على المخططات التي سيتم تنفيذها بنشر حواجز داخل المحافظة والقرى، ومعرفتنا بنيّة بعض الأفرع الأمنية القيام باعتقالات ومداهمات للقرى وحرمة البيوت، فإن فصائل: مغاوير الكرامة، قوات الفهد، قوات شيخ الكرامة، قوات شهبا، مجموعة السلمان، مجموعة المقرن القبلي، مجموعة أحرار القريا، مجموعات المدينة، قوات المقرن الشرقي، مجموعة نشامى الجبل، قوات المقرن الغربي، مجموعة سرايا الكرامة، مجموعة فدائيي السويداء، مجموعة درع الجبل، تعلن اتحادها كشريان واحد". وأضاف: "تم الاجتماع بيننا على ما يلي: أولاً، الدفاع عن كرامة أهالي وبيوت الجبل من جميع الطوائف والأطياف الذين يسكنون الجبل، ونرفض التسميات، ونرفض وصفنا بالإرهاب والتعصب الديني. ثانياً، لا مساومة على سلاحنا؛ ففيه حفظ أمننا وأماننا. ثالثاً، نرفض زج شبابنا وإخوتنا بالجبل في هذه المحرقة الطائفية. وعلى هذا، نقرر قولاً وفعلاً، منع المداهمات والاعتقالات والسَوق إلى الخدمة الإلزامية جبراً من داخل حدود المحافظة".

وكان فصيل "بيرق الفهد"، في السويداء، قد حذر في بيانٍ له، من أنه حصل على معلومات تفيد بتخطيط النظام لتفجيرات في المحافظة، بغية تبرير سحب سلاح الفصائل المحلية، إضافة إلى وجود مخططات بتنفيذ عمليات اغتيالٍ وخطف في المحافظة، معتبراً أنه "عند اغتيال (وحيد) البلعوس، كابر أبناء السويداء على الجراح التي تركتها تلك المجزرة التي قُتل فيها عشرات الأبرياء، أما اليوم فسيكون الرد مزلزلاً على أي اعتداء".

وتبدو بيانات وتحركات الفصائل المحلية في السويداء، الأكثر تصعيداً في لهجتها، منذ اغتيال زعيم "مشايخ الكرامة" وحيد البلعوس وعدد من مرافقيه، ومقتل مواطنين آخرين من المحافظة، في الثالث من سبتمبر/أيلول 2015، ووُجهت اتهامات لجهاز الأمن العسكري التابع للنظام، بتنفيذ تلك التفجيرات، للقضاء على أكبر حركة مسلحة ناهضت النظام في السويداء، على الرغم من أنها كانت قد تجنّبت محاربته مباشرة، واكتفت بتعريف نفسها كقوةٍ تحمي المحافظة من مختلف المخاطر المحيطة بها.

المساهمون