مليشيات "الحشد" والمقاتلون الأكراد يربطون الأراضي العراقية بالسورية

"الحشد الشعبي" العراقي يصل إلى الحدود السورية...وواشنطن تحذّر النظام من الاقتراب للتنف

29 مايو 2017
أعلن "الحشد" استعداده للتحرك إلى داخل سورية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
في حين يتلقى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خسائر على مختلف الجبهات في سورية، خصوصاً في محيط الرقة وريف حلب الشرقي، تسارعت مراحل معركة البادية، أو حرب طريق دمشق ــ بغداد ــ طهران، مع محاولات تقدم قوات النظام السوري نحو قاعدة ومعبر التنف الحدودي مع العراق، فيما أكد التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد "داعش" مجدداً أنه لن يسمح لهذه المليشيات بالاقتراب نحو المعبر. غير أن المليشيات العراقية باتت بالفعل عند الحدود السورية من جهة الحسكة السورية. وأعلنت مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية، المدعومة من إيران، وصولها إلى الحدود، بعد طرد "داعش" من مجموعة من القرى على الحدود مع سورية. وتتصل المناطق العراقية التي سيطرت عليها "الحشد الشعبي" بأراض خاضعة لسيطرة جماعات كردية سورية، مدعومة من الولايات المتحدة، على الجانب السوري من الحدود. وذكرت المليشيا، في بيان مقتضب على موقعها الإلكتروني، "حقق الصائمون من أبطال الحشد الشعبي في رمضان معجزة ووصلوا إلى الحدود السورية". وقال النائب العراقي، كريم النوري، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن "قوات الحشد الشعبي تسعى إلى طرد مسلحي داعش من وسط بلدة البعاج"، غرب الموصل بالقرب من الحدود مع سورية. وأشار إلى أن "القوات استعادت بالفعل السيطرة على الكثير من القرى المحيطة بالبعاج"، وأنه "بمجرد سقوط البعاج سينتقل القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الحدود السورية"، فيما أعلن القيادي في مليشيا "النخبة"، هشام الهاشمي، أن قواته مستعدة للتحرك داخل الأراضي السورية، لكن هذا يحتاج لموافقة من الحكومة العراقية. وفي السياق ذاته، قال القيادي في مليشيا "الحشد"، الشيخ سامي المسعودي، إن "البعاج بلدة استراتيجية لداعش، باعتبارها آخر خط إمداد" يربط التنظيم بسورية. وأشار إلى أن كتيبة من "الحشد" وصلت إلى الحدود السورية، وسيطرت على قرية أم جريس.

وفي آخر تطورات معركة الرقة، لا تزال "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل الوحدات الكردية عمادها الرئيسي، تواصل قضم المزيد من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في محيط مدينة الرقة، التي تتعرض يومياً لعشرات الغارات الجوية من طيران التحالف، والتي تتسبب بمقتل مدنيين ودمار كبير يطاول مرافقها الحيوية. ومنذ يومين تقدمت القوات المهاجمة، لتقطع طريق الرصافة-المنصورة، إلى الجنوب من بلدة المنصورة بنحو ثمانية كيلومترات، في مسعى لتضييق الخناق على مسلحي التنظيم، ومن ثم اقتحام هذه البلدة، التي باتت أهم معقل للتنظيم في ريف الرقة الغربي بعد خسارته الطبقة. وتقع بلدة المنصورة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، ويقطعها من الوسط الطريق الدولي الذي يربط حلب بدير الزور. وانتزاع السيطرة عليها يفتح باباً واسعاً أمام "سورية الديمقراطية" للتقدم شرقاً، والسيطرة على قرى البارودة، والحمام، والبورجب، والسحل الغربي، والسحل الشرقي، وصولاً إلى قرية كسرة شيخ الجمعة الواقعة جنوب مدينة الرقة. وتعني السيطرة على هذه المناطق إقفال المزيد من الأبواب أمام مسلحي "داعش" للفرار من مدينة الرقة، التي ما زالت سيناريوهات المعركة الفاصلة فيها مفتوحة، بين أن يُترك مجال لمسلحي التنظيم بالانسحاب من جنوب المدينة نحو دير الزور والبادية السورية، أو أن تحاصر "سورية الديمقراطية" الجهة الرابعة (الجنوبية) من الرقة، وتفتح حرب شوارع مع من تبقى من مسلحي التنظيم داخل المدينة.

وفيما تستمر المعارك بين "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" على عدة محاور في محيط الرقة، يواصل طيران التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، إسناد الأكراد على الأرض، إذ استهدف، أول من أمس، مدينة الرقة بأكثر من 30 غارة، إضافة إلى نحو مائة قذيفة مدفعية من "قسد"، ما أدى إلى مقتل نحو 35 مدنياً. ونشر نشطاء محليون صوراً تظهر حجم الدمار الذي نال مرافق حيوية ومنازل داخل المدينة، نتيجة القصف الجوي والمدفعي، الذي لا يراعي وجود عشرات آلاف المدنيين ما زالوا عالقين، ولم تتيسر لهم سبل النجاة والهروب من المدينة بعد. وألقى طيران التحالف الدولي، في اليومين الماضيين، مناشير تدعو المدنيين للخروج من الرقة، لكن ناشطين يصفون ذلك بأنه محاولة سافرة للتنصل من المسؤولية القانونية والأخلاقية من قبل التحالف، الذي لم يوفر ممرات آمنة للمدنيين، بل استهدف مركبات تقل من يحاول الخروج.

وفي سياق المعارك مع "داعش"، لكن في ريف حلب الشرقي، المتاخم لغربي الرقة، فقد واصلت قوات النظام ومليشيات إيرانية، تقدمها باتجاه مدينة مسكنة في ريف حلب الشرقي، وباتت على أبواب هذه المدينة التي تعد آخر معقل للتنظيم في شرقي حلب. وقال ناشطون إن قوات النظام انتزعت السيطرة على عدة قرى غربي مدينة مسكنة خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرين إلى أن معارك كر وفر تدور رحاها في مسعى أخير من مسلحي التنظيم للتشبث بالمدينة التي نزح معظم سكانها عنها. وأكد الناشطون أن قوات النظام والمليشيات التابعة لها تستخدم سياسة الأرض المحروقة، من خلال استهداف المدينة بمئات الصواريخ وقذائف المدفعية، فضلاً عن القصف الجوي، مشيرين إلى أنها ارتكبت مجزرة بحق مدنيين في قرية الفرعية غربي مدينة مسكنة. وتعد مسكنة آخر منطقة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حلب، حيث تقع إلى الشرق منها بعدة كيلومترات دبسي عفنان ودبسي فرج، وهما ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، ولا تزالان تحت سيطرة التنظيم الذي يتلقى ضربات باتت تهدد وجوده في شرق سورية، ومن المرجح أن يُخلي مسكنة خلال أيام.

وبات من الواضح أن تفاهمات روسية أميركية جعلت ريف حلب الشرقي من نصيب النظام، فيما يذهب ريف الرقة الغربي إلى "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة أميركياً، ما يعني تحوّل شرق البلاد إلى مناطق نفوذ روسية أميركية، عبر وكلاء. وخرج التنافس بين موسكو وطهران من جهة، وواشنطن من جهة ثانية على البادية السورية إلى مستويات تنذر بصدام مسلح، يحاول التحالف الدولي تفاديه على ما يبدو، كي لا ينعكس سلباً على حربه ضد تنظيم "داعش". وفي حادثة هي الأولى من نوعها، ألقت طائرات التحالف الدولي، مساء أول من أمس، مناشير على مناطق تسيطر عليها قوات النظام ومليشيات إيرانية في البادية السورية تطالبها فيها بالابتعاد عن معبر التنف الحدودي مع العراق.

وقالت مصادر في المعارضة السورية إن التحالف الدولي طلب من قوات النظام البقاء بعيداً عن المعبر، والعودة إلى نقطة حاجز ظاظا، محذراً من عواقب عدم الاكتراث إلى مطالبه. وكان طيران التحالف الدولي قصف، في 19 مايو/أيار الحالي، مسلحين تابعين إلى مليشيا إيرانية كانوا يحاولون التوغل أكثر في البادية للوصول إلى معبر التنف، الذي يقع تحت سيطرة قوات المعارضة، ومن المرجح وجود خبراء عسكريين من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى مشاركة بالتحالف الدولي ضد "داعش" فيه. واعتبر قصف التحالف، حينها، رسالة واضحة للروس والإيرانيين بالبقاء بعيداً عن المناطق الواقعة ضمن المثلث الحدودي الذي يربط سورية والعراق والأردن.

وتشكّل البادية السورية نحو ثلث مساحة سورية، وهي غنية بالبترول والفوسفات، وباتت اليوم ميدان صراع من المرجح أن يتصاعد أكثر في ظل تراجع "داعش"، الذي ظل لعدة أعوام اللاعب البارز فيها. وتسعى إيران، بدعم روسي واضح، إلى وضع يدها على منطقة البادية السورية، كي يتسنى لها فتح ممر بري يربط طهران بدمشق عبر الأراضي العراقية، وهو ما تحاول الإدارة الأميركية إفشاله، من خلال فرض قوات من المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على الشريط الحدودي السوري العراقي. وتدرك جميع أطراف الصراع على سورية أهمية البادية في تحديد مستقبل البلاد، وهو ما يفسر اشتداد النزاع عليها، إذ تؤكد مصادر قيادية في الجيش السوري الحر أنها لن تسمح لقوات النظام بفرض السيطرة على كامل البادية السورية. وبرزت مخاوف جدية على النازحين في مخيم الركبان، الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، جراء توغل قوات النظام ومليشيات إيرانية في المنطقة. وقد نزح جميع أهالي مدينة تدمر وريفها إثر السيطرة الأولى لقوات النظام على المدينة في العام الماضي، واتجه عدد كبير منهم إلى الساتر الحدودي مع الأردن، مشكلين المخيم الذي سرعان ما استقطب سوريين، خصوصاً من المنطقة الشرقية، يعيشون ضمن ظروف صعبة.