ترامب في الرياض... "مهرجان" بعناوين سياسية أمنية اقتصادية

ترامب في الرياض... "مهرجان" بعناوين سياسية أمنية اقتصادية

20 مايو 2017
لافتة ترحيب في الرياض بمناسبة الحدث (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
يبدأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم السبت، ولمدة يومين، زيارة "تاريخية" إلى المملكة العربية السعودية، في مستهل جولته الخارجية الأولى والتي تشمل إضافة إلى الرياض، إسرائيل والفاتيكان. "تاريخية" موضوعياً لأسباب عدة، أولها لأنه اختار هذا البلد ليكون محطته الخارجية الأولى بعد 5 أشهر من تسلمه الرئاسة الأميركية، بما يحمله ذلك من رسائل.
ويعقد الرئيس الأميركي ثلاث قمم في الرياض، أولها مع القيادة السعودية، في الوقت الذي دعا فيه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، لانعقاد قمة خليجية – أميركية وعربية – إسلامية – أميركية.

وتحولت الرياض خلال الأيام القليلة الماضية إلى ورشة عمل استثنائية للتجهيز للقمم الثلاث التي حملت شعارات "العزم يجمعنا" و"سوياً نحقق النجاح" و"ثلاث قمم... رؤية واحدة"، إذ ملأت صور العاهل السعودي والرئيس الأميركي شوارع العاصمة السعودية، إضافةً إلى أعلام الدول المشاركة في القمة الخليجية، والعربية الإسلامية.

وتأتي زيارة ترامب إلى المملكة بعد توتر طويل في العلاقات السعودية – الأميركية خلال ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب إصرار الأخير على نزع فتيل الأزمة الغربية – الإيرانية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني بصورة سلمية، الأمر الذي توج باتفاق 2015، والذي لم يحظ بدعم الرياض. وغاب الطرف السعودي عن كل مراحل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، وهو يرى أنه لم يأخذ مصالح السعودية بعين الاعتبار.

بيد أن الرياض تعتبر أن المشكلة مع طهران تتجاوز معضلة البرنامج النووي، وتتركز على "سعي إيران للهيمنة على دول عربية" و"زعزعة إيران لاستقرار المنطقة"، وهي الرؤية التي تتطابق مع موقف الإدارة الأميركية الجديدة. وتعول الرياض على زيارة ترامب لفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية – الأميركية، بعد الفتور الذي قارب الثماني سنوات، في الوقت الذي ستعمق فيه الاتفاقيات الثنائية بين البلدين علاقاتهما الاقتصادية والاستراتيجية.

وأشار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى تأرجح العلاقات السعودية – الأميركية في المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس في الرياض، للحديث عن زيارة ترامب للمملكة. وقال الجبير إن هذه الزيارة تمثل "نقطة تحول من علاقة توتر إلى علاقة شراكة استراتيجية بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي"، معتبراً أن القمم التي تستضيفها الرياض ستساهم في "إرساء السلام وبناء المجتمعات ومحاربة الإرهاب والتطرف". وحاول الجبير في حديثه عن قمة الرياض، الإشارة إلى علاقة شراكة مستمرة مع أميركا، تتجاوز الإدارات الأميركية المتعاقبة، من خلال اعتبار قمة الرياض الحالية امتداداً لقمة الرياض العام الماضي بحضور أوباما، وقمة كامب ديفيد الخليجية ـ الأميركية في مايو/ أيار 2015 في الولايات المتحدة. كما تطرق إلى ملفات إيران ومواجهة الإرهاب وسورية والقضية الفلسطينية.

نقاط مشتركة مع واشنطن
لم تكتف الرياض بالنقاط المشتركة السياسية، لترميم علاقتها مع واشنطن، إذ أعادت الملف الاقتصادي، الهام جداً بالنسبة للرئيس الأميركي، إلى قلب الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. ويشمل التلاقي السياسي السعودي – الأميركي، موضوعين تقليديين، طالما تأثرت العلاقة بين البلدين فيهما، سلباً أو إيجاباً. يتعلق الأول بمكافحة الإرهاب، وهو البند الذي أصبح رئيسياً على الأجندة السياسية بين البلدين بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، إضافة إلى مواجهة إيران، الملف الذي أدى إلى فتور العلاقة خلال رئاسة أوباما، ويبدو أنه في طور تعزيزها مع ترامب اليوم.


وأكد الجبير، في مؤتمره الصحافي عن زيارة ترامب، أهمية التعاون بين الرياض وواشنطن ضد طهران من أجل "العمل معاً بكل قوة وصرامة، للتصدي للسياسات الإيرانية العدوانية ولممارساتها السلبية المتمثلة في تدخلها السافر في شؤون البلدان المجاورة لها، وإصرارها على دعم الإرهاب". وهذا الكلام يؤكد محورية الملف الإيراني في القمم الثلاث التي تحتضنها الرياض. وأضاف السعوديون لهذين الملفين التقليديين أخيراً، الحديث عن "الوقوف ضد نظام (بشار) الأسد ومساعدة الشعب السوري" باعتباره بنداً سياسياً ثالثاً ورئيسياً، لا سيما بعد تغيير ترامب لموقفه من الأسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي، وشن الولايات المتحدة ضربات صاروخية على قاعدة الشعيرات الشهر الماضي.

ومع اقتراب موعد قمم الرياض، شنت طائرات "التحالف الدولي" لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، هجمات على قوات موالية لإيران، والنظام السوري، ما يدفع باتجاه ترسيخ التغير في التعاطي الأميركي مع هذا الملف، منذ ضربات "التوماهوك". وكانت السعودية قد عرضت مراراً، منذ عام 2015، رغبتها بإرسال قوات برية للتدخل في سورية ضد تنظيم "داعش"، شريطة أن تكون الخطوة ضمن مظلة "التحالف الدولي"، وبقيادة الولايات المتحدة.

وفي الملف السوري أيضاً، أكد الجبير وجود توافق مع الولايات المتحدة حول "ضرورة تطبيق اتفاق جنيف1، الذي يدعو إلى كتابة دستور جديد وعقد انتخابات تقود إلى مستقبل يشارك فيه السوريون جميعاً لا مكان للأسد فيه"، إضافةً إلى "دعم فكرة إيجاد مناطق آمنة ومستقرة في سورية لحماية المدنيين ولضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم وحمايتهم من انتهاكات نظام الأسد وحلفائه من الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله وغيرها من المليشيات الطائفية القادمة من خارج سورية للقتال بجانبه ضد الشعب السوري".

أما في الملف اليمني، فتظهر المواقف الأميركية الأخيرة، أن الولايات المتحدة في صدد تقديم دعم كبير للسعودية، و"التحالف العربي" لدعم الشرعية والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. إذ جدد الأميركيون عزمهم على مساندة السعودية لما يرونه مواجهة لمليشيات مدعومة من طهران (مليشيات الحوثيين)، في الوقت الذي كثفت فيه واشنطن تأكيداتها على رفض تهديد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، ومواجهة أنشطة المليشيات هناك.

أما في جانب التعاون الاقتصادي، فمن المتوقع أن تعزز القمة السعودية – الأميركية الشراكة الاقتصادية بين الجانبين. وأشارت وكالة "رويترز" في وقت سابق هذا الشهر، إلى أن السعودية ستوقّع صفقات تسلح مع واشنطن تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، في الوقت الذي سربت فيه صحيفة "بلومبرغ" معلومات عن احتمال استثمار السعودية بما يقارب 40 مليار دولار في البنية التحتية الأميركية.

إلا أن صفقات السلاح، والاتفاقيات العسكرية، لم تكن حكراً على السعودية. إذ تعتزم دول الخليج، وتزامناً مع القمة الخليجية – الأميركية في الرياض، توقيع صفقات عسكرية تقارب قيمتها 12 مليار دولار، في الوقت الذي وقع فيه الجانبان الأميركي والإماراتي اتفاقية عسكرية جديدة أثناء زيارة ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، إلى واشنطن، الأسبوع الماضي، في زيارة استباقية لقمم الرياض.

القضية الفلسطينية
استباقاً لزيارة ترامب إلى الرياض، جددت السعودية موقفها التقليدي من القضية الفلسطينية، من خلال تأكيدها على مبادرة السلام العربية (في بيروت عام 2002)، وإيجاد حل ضمن إطار الدولتين، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد 4 يونيو/ حزيران 1967. وأشار الجبير في مؤتمره الصحافي الاستباقي إلى ما وصفه بـ"موقف المملكة الثابت دائماً من القضية الفلسطينية"، والذي ينص على "التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، مبني على المبادرة السعودية التي أقرها مجلس الأمن التي تفضي إلى إنشاء دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، وبدولة فلسطينية عاصمتها القدس". وفي الوقت الذي لم تحضر فيه القضية الفلسطينية في العناوين العريضة للقمة، تلك التي تركز على ملفات الإرهاب ومواجهة إيران وإيجاد حل للأزمة السورية، إلا أن الرئيس الأميركي، وفي إطار تحولاته الدائمة، وربما في سبيل تقديم نفسه بصورة مختلفة مجدداً إلى العالم الإسلامي، قام بالتراجع خطوة إلى الخلف في اندفاعه غير المحدود مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وقرر ترامب تجميد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ورفضه مرافقة مسؤولين إسرائيليين في زيارته إلى حائط البراق في القدس الشرقية، ما يعني أن إقراره الضمني السابق بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، لم يعد بالصيغة القطعية التي كان عليها خلال حملته الانتخابية، وأيام رئاسته الأولى. وهذا الأمر يضع مقاربة الإدارة الأميركية لملف الصراع العربي – الإسرائيلي في إطار غامض، مليء بالتقلبات.


الإسلام ومكافحة الإرهاب
وبحسب الإدارة الأميركية، فإن ترامب سيتحدث عن الإسلام أمام قرابة 37 قائداً لدول عربية وإسلامية، يوم غد الأحد. كما أعلنت السعودية أنه سيشارك في ملتقى "مغردون" لنقاش التطرف والإرهاب. وبحسب مستشار الأمن القومي الأميركي، إتش آر ماكماستر، فإن ترامب سيتحدث في خطابه عن "الحاجة لمواجهة الأيديولوجية المتطرفة"، وأنه يسعى إلى "تعزيز رؤية سلمية للإسلام". وأشارت مواقع أميركية، منها الموقع الصهيوني "ذا هيل" و"نيويورك مغازين"، إلى أن من سيكتب خطاب ترامب هو مستشاره اليميني المتطرف ستيفن ميلر، الذي يقف وراء ما يُعرف إعلامياً بـ"قانون حظر دخول المسلمين إلى أميركا"، والذي علقته محكمتان أميركيتان في نسختيه المقترحتين. ويتطلع مراقبون إلى ما سيقوله الرئيس الأميركي الذي عُرف بآرائه المتشددة تجاه الإسلام، وإصراره على استخدام عبارة "الإسلام الراديكالي" لوصف الجماعات الإرهابية، وهو الوصف الذي استخدمه بكثرة أثناء حملته الانتخابية، وأيام رئاسته الأولى، قبل توقفه عن تكراره، بعد ضغوطات من أركان إدارته، خاصة مستشاره للأمن القومي، ماكماستر. واعتبر الأخير في وقت سابق الأسبوع الماضي، أن ترامب يريد "توحيد العالم الإسلامي ضد الأعداء المشتركين" و"توحيد الرؤية مع الشركاء المسلمين لمحاربة الإرهاب". وحاول ترامب إضفاء طابع ديني على زيارته الخارجية الأولى، من خلال اختيار السعودية وإسرائيل والفاتيكان، باعتبار الأولى حاضنة للحرمين الشريفين، أهم المقدسات الإسلامية، والثانية تضم أماكن مقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين، أما الثالثة فممثلة للعالم المسيحي.

واعتبر وزير الخارجية السعودي أن الزيارة ستعزز الشراكة بين العالم العربي والإسلامي والولايات المتحدة في مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب. واعتبر أن أميركا "لها دور كبير في مواجهة التطرف، (إذ) تتمتع بتقنية عالية ولها خبرات عسكرية كبيرة وتستطيع أن تقدم الدعم اللازم في ما يتعلق بالتحالف العسكري الإسلامي"، معتبراً أن القمة "ستعمل على زيادة التعاون بين التحالف العسكري الإسلامي والولايات المتحدة". كما أشار إلى تعزيز التعاون العسكري الخليجي – الأميركي، عبر قوات "درع الجزيرة".

ملتقى مغردون
وتستضيف مؤسسة محمد بن سلمان "مسك الخيرية"، الرئيس الأميركي يوم غد الأحد، في ملتقى "مغردون"، والذي خصص للحديث عن "محاربة الإرهاب والتطرف". وسيناقش الملتقى بحضور ترامب الآليات المستخدمة من الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب، وكيفية مواجهتها في شبكات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى سبل نشر التعايش والتقارب بين الثقافات والأديان.
وبالإضافة إلى مشاركة ترامب في الملتقى، سيشارك وزير الخارجية السعودي، الجبير، ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، ورئيس السياسة العامة والعلاقات الحكومية في شركة "تويتر"، قطاع الشرق الأوسط، جورج سلامة، إضافة إلى مدير سياسات "فيسبوك" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيمون ميلنر.

وسيقوم الرئيس الأميركي خلال زيارته إلى الرياض بافتتاح "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف"، وهو المركز الذي تسعى السعودية من خلاله لأن تكون منصة لمحاربة الفكر المتشدد، إضافةً إلى زيارته عدة مراكز بحثية وثقافية في العاصمة السعودية، في إطار سعي الرياض لصياغة علاقات شاملة مع الجانب الأميركي.

أزمة الداخل الأميركي
على صعيد آخر، تبدو النظرة إلى ترامب أقل تفاؤلاً، في الوقت الذي تزداد فيه أزمات الإدارة الأميركية الداخلية، وانخفاض شعبية الرئيس، مع الفضائح المتتالية التي تلاحق ساكن البيت الأبيض الجديد وأركان إدارته. وأكد ترامب مراراً أنه "أكثر رئيس أميركي استهدف إعلامياً". وهذا صحيح إلى حد ما، إلا أن أخطاءه المتتالية أعطت المتربصين به فرصاً كثيرة للنيل منه، ما يجعل استقرار إدارته مستبعداً خلال المستقبل القريب. وكانت آخر الضربات التي تلقتها الإدارة الأميركية تتلخص بالتقارير التي تتحدث عن تسريب ترامب لمعلومات حساسة إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال لقائهما في المكتب البيضاوي. وتتعلق المعلومات باختراق دولة ثالثة حليفة للولايات المتحدة (إسرائيل) لقيادة "داعش"، الأمر الذي قاد إلى معلومات ثمينة، أدت إلى حظر أجهزة الحواسيب المحمولة على متن الطائرات الآتية إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. أما الضربة الثانية، فتتعلق بتداعيات إقالة ترامب الأسبوع الماضي، لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (أف بي آي)، جيمس كومي. وتأتي الإقالة بعد طلب كومي مبالغ إضافية لتمويل التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلاقة رجال ترامب بالكرملين. وكان كومي عازماً على استمرار التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، الأمر الذي لم يقم بنفيه أبداً، في الوقت الذي أصر فيه على نفي اتهامات ترامب حول تنصت باراك أوباما عليه وعلى حملته الانتخابية العام الماضي. أما الضربة الثالثة لترامب، هذا الأسبوع، فتتعلق بتعيين وزارة العدل لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق، روبرت مولر، للتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.

وفيما كان رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، السيناتور الجمهوري ديفين نونيس، المقرب من ترامب، والذي سرب إليه معلومات أدت إلى انسحابه من التحقيقات لاحقاً، فإن مولر يعرف بصرامته وعدم تورطه في الانقسامات الحزبية الأميركية، ما يعطي التحقيق طابعاً جاداً، قد يحمل مستقبلاً مفاجآت لترامب وإدارته.

ويرى مراقبون أن ترامب يعول على الشراكة الاقتصادية مع السعودية، والخليج، لتحسين أوضاع الاقتصاد الأميركي، وخلق وظائف للأميركيين. في الوقت الذي يسعى فيه السعوديون لتحقيق مشاريع "التحول الوطني 2020" و"رؤية 2030" لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، وهي المشاريع التي تحتاج للاستعانة بخبرات عالمية. لذلك يرون في الولايات المتحدة أيضاً شريكاً اقتصادياً هاماً، إضافة إلى استخدام الملف الاقتصادي لتعزيز التعاون الاستراتيجي، خاصة في القضايا السياسية والعسكرية.