تحوّلات داخل العراق تجاه الملف السوري: أسباب داخلية وخارجية

تحوّلات داخل العراق تجاه الملف السوري: أسباب داخلية وخارجية

10 ابريل 2017
وجّه مقتدى الصدر دعوة إلى الأسد للتنحي(حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
يطرح التحوّل الأخير في الموقف الرسمي العراقي إزاء الملف السوري، إلى جانب الموقف الذي اتخذه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، من نظام بشار الأسد، الكثيرَ من علامات الاستفهام حول أسباب هذه الانعطافة، فيما يربطها سياسيون ومراقبون بضغوط أميركية على حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وبالتنافس داخل الائتلاف الوطني الحاكم للبلاد.

الإدانة الرسمية التي أصدرتها بغداد رداً على قصف النظام السوري بالكيماوي منطقة خان شيخون، ودعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يقود أكبر الكتل السياسية الدينية تأثيراً في الشارع العراقي الشيعي، رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى التنحي عن منصبه، ومن قبلها تسرّب المعلومات حول سحب العشرات من أفراد المليشيات الموالية للخط الصدري من سورية (لواء المؤمل) بشكل تدريجي من الغوطة الشرقية، ومن ثم إصداره أمراً بعدم مشاركة أتباعه المسلحين في الانتخابات العراقية المقبلة، تعد التطورات السياسية الأبرز في "عراق ما بعد ترامب" هذا العام، كما وصف أحد الوزراء العراقيين الحالة على هامش لقائه مع وفد كردي وصل بغداد، الأسبوع الماضي، لمناقشة أزمة كركوك.


الموقف الحكومي العراقي، الذي اختار الاصطفاف إلى جانب نظام الأسد منذ الأيام الأولى للثورة السورية، لم يعد كذلك اليوم. فتبني بغداد روايات الأسد مع كل مجزرة تحدث والخروج عن الإجماع العربي، كما حدث سابقاً في مجزرة كيماوي الغوطة عام 2013، لم يكن مطروحاً في مجزرة خان شيخون، الأسبوع الماضي. أعلنت وزارة الخارجية العراقية إدانتها للهجوم الكيماوي، وطالبت بمعاقبة مرتكبي الجريمة. وأعقب ذلك مواقف سياسية مهمة إزاء الملف السوري جميعها تشير إلى تغيير واضح في الموقف العراقي، تمثل أبرزها في توجيه الصدر للأسد دعوة بالتنحي من منصبه ومنح الشعب السوري حق تقرير مصيره.
كما أبلغ وزير في حكومة العبادي، "العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء ألغى تحضيرات مؤتمر للحوثيين كان من المقرر إقامته في الثاني من شهر أبريل/نيسان الحالي، بمناسبة ما وصفه بالذكرى السنوية لبدء عمليات التحالف العربي في اليمن"، على الرغم من أن "المؤتمر كان يحظى برعاية كبيرة من أحزاب وكتل سياسية شيعية مختلفة".
ووفقاً للوزير نفسه، فإن "الإدارة الأميركية بدأت في الضغط على رئيس الوزراء من أجل تغيير موقف العراق من الملف السوري وملفات عدة كانت بغداد تتبنى فيها الموقف الإيراني". وأشار إلى أن "العبادي تلقى، في أقل من أسبوع، اتصالين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونائبه مايك بنس، ومن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قبل أن يلتقي بصهر ترامب ومستشاره الأبرز، جاريد كوشنر، في بغداد، ضمن لقاء مغلق حضره رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد".
واستدرك الوزير نفسه بالقول "فترة النفاق أو التلوّن في الموقف العراقي بين واشنطن وطهران لن تستمر طويلاً على ما يبدو، وفترة العطاء الأميركي بلا مقابل في عهد باراك أوباما انتهت، ورفع الولايات المتحدة يدها عن ملف داعش في العراق يعني إعادة الوضع إلى مربع البداية وبقاء المدن مدمرة بلا إعمار، وملفات أخرى كلها بيد الأميركيين، وهو ما تعيه حكومة العبادي بشكل واضح".

الموقف العراقي الجديد، على محدوديته، يعد مؤشراً على التغيير في السياسة العراقية، على الرغم من أن شيئاً لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن. فالطائرات التي تقلّ المتطوعين العراقيين الموالين للأسد لا تزال تقلع وتهبط في المطارات العراقية، والطيران الإيراني لا يزال يستخدم الأجواء العراقية كجسر لدعم النظام هناك. إلا أنه وفقا للوزير العراقي نفسه يمكن اعتبار الموقف العراقي الأخير بداية تغيير.

الصدر وموقفه الجديد
في غضون ذلك، انتقال مقتدى الصدر من زعيم ديني رفَد النظام السوري بمئات المقاتلين، طيلة السنوات الماضية من عمر الثورة، إلى منادٍ بتنحّي الأسد عن السلطة، ومنح الحق للشعب السوري في تقرير مستقبله بحرية، فضلاً عن استنكاره مجزرة الكيماوي، يعتبر الموقف المفاجئ لجميع الأوساط السياسية داخل العراق وخارجه. وقد جاءت مواقفه بعد فترة وجيزة من تسرّب معلومات حول سحب الصدر، وبشكل تدريجي، العشرات من عناصره المنضوين في مليشيا المؤمل في الغوطة الشرقية.

ولا يمكن فصل الموقف المفاجئ للصدر عن سلسلة خطوات تمهيدية لكسر احتكار حزب الدعوة منصب رئاسة الوزراء منذ 12 عاماً، من خلال إبراهيم الجعفري أولاً ثم نوري المالكي ثم حيدر العبادي. ويسعى الصدر إلى تقديم نفسه وتياره، للخارج والداخل، ككيان سياسي معتدل يمكن التعامل معه لاحقاً. ويمكن القول إن موقف الصدر الجديد أتى بثماره مبكراً، إذ رحّبت به كتل سياسية من المكوّنين السني والكردي. كما يبدو أنه سيكون لموقف الصدر انعكاس إيجابي لجهة تعميق تحالفه مع التيار المدني وكوادر الحزب الشيوعي والتيار العروبي في العراق، بعد بروز ترحيب بموقف الصدر. في المقابل، أثارت دعوة الصدر غضباً وتحفظاً من كتل شيعية ضمن التحالف الوطني، أبرزها حزب الدعوة الذي اعتبر، على لسان زعيمه، نوري المالكي، الهجوم الكيماوي بـ"المسرحية".

من جهته، يقول عضو التيار الصدري، حسين البصري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "دعوة الصدر للأسد بالتنحي ليست ارتجالية، بل جاءت بعد اجتماع ومشورة مع قيادات التيار الصدري". ووفقاً للبصري، فإنه "لا يمكن مهاجمة صدام حسين وأفعاله مع انتفاضة 1991 جنوب العراق، وفي الوقت نفسه نبارك ونؤيد الأسد في تعامله مع معارضيه، وسيكون هذا نفاقاً واضحاً، والأسد لا يمكن له أن يُخلّد في هذا المنصب، وكفى دماء".

في المقابل، تعتبر مصادر سياسية مقربة من التحالف الوطني أن موقف الصدر يأتي ضمن جهود تقديم نفسه كزعيم ديني معتدل خرج من عباءة إيران ويمكن لواشنطن أن توافق على رئاسة وزراء مقبلة في العراق يقودها صدري في انتخابات 2018، لا سيما أن واشنطن تمتلك تأثيراً على القوى السنية والكردية في تأييد هذا المرشح أو ذاك.
ويقول نائب بارز في البرلمان العراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "موقف الصدر يندرج ضمن سعيه لرئاسة الوزراء بالتأكيد، وهو أقرب إليها من أي وقت سابق، خصوصاً مع تراجع شعبية المجلس الأعلى، وتحميل حزب الدعوة مسؤولية الإخفاق الحاصل في العراق اليوم". كما يلفت النائب نفسه إلى أن "التيار الصدري بات لديه مرشحون لهذا المنصب (رئاسة الحكومة)، ومن أبرزهم السيد جعفر الصدر، المقيم في بيروت منذ سنوات طويلة، وهو ابن عم مقتدى الصدر وابن آية الله محمد باقر الصدر، الذي أعدمه النظام العراقي السابق عام 1980".
من جهته، يرى الخبير في الشأن العراقي، يحيى الكبيسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تغيّر خطاب الحكومة لا علاقة له بموقف الصدر من حيث السبب". ويلفت إلى أن "المتغير الأميركي الجديد هو الذي اضطر الحكومة إلى اتخاذ موقف جديد، يعكس الضغط الأميركي على الحكومة. لكن حتى الآن لا نزال نرى الدعم على الأرض صريحا لنظام الأسد من قبل الحكومة". ويشير إلى أنه "على مستوى الخطاب، نعم هناك تغيير، لكن حتى الآن لا يوجد تغيير واقعي على الأرض بالنسبة للحكومة".
ويرجّح الكبيسي أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة قد ملّت من اللعبة المزدوجة التي كان العراق يمارسها بينها وبين إيران. ووفقاً للكبيسي، فإن "ترامب واضح برفض اللعبة، وأنه لا يريد للعراق أن يكون حليفاً لإيران وفي الوقت نفسه حليفاً لأميركا ويحصل على مساعدات منها". ويشير إلى أن "العراق غير قادر على التخلي عن الولايات المتحدة الآن، وعلى المدى المتوسط سنشاهد بعض التغييرات، لكن هذه التغييرات ستكون بموافقة إيرانية وموافقة الأطراف القريبة من إيران. فإيران مستعدة لتقديم بعض التنازلات من أجل إبقاء الدعم الأميركي للحكومة العراقية في الوقت الحالي".

رسائل من السيستاني
بدون سابق إنذار أو ممهدات، أصدر المرجع الديني علي السيستاني بياناً، يوم الجمعة الماضي، قال فيه إن فتوى "الجهاد الكفائي" لقتال تنظيم "داعش" لا تزال سارية. وأضاف "قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوباً كفائياً للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى لا تزال نافذة لاستمرار موجبها، على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين".

ويرى الخبير في شؤون المرجعية الدينية العراقية، علي البدري، في تجديد فتوى الجهاد الكفائي "رسالة تهديد من نوع آخر". ويشرح وجهة نظره قائلاً إن "إصدار بيان يؤكد استمرار فتوى سابقة لا تزال فاعلة ونافذة، أمر غريب ويعد سابقة في المدرسة الدينية في النجف". ويلفت إلى أن "تجديد الفتوى يعني أنها قابلة للإلغاء في أي وقت، وهي ليست دائمة على خلاف ما يدور حالياً داخل الأوساط السياسية في العراق اليوم". ويرى أن "إصدار بيان من السيستاني في هذا الوقت قد يكون محاولة للتذكير أو تهيئة الرأي العام لفتوى إلغاء فتوى الجهاد الكفائي بشكل يعارض مصلحة إيران والأحزاب التي تحاول استغلال المليشيات التي أسست بموجبها كورقة سياسية وأخرى عسكرية تلوح بها في وجه الخصوم". ويرجح البدري أن "يكون للسيستاني موقف هو الآخر من المليشيات العراقية التي تقاتل في سورية في الأيام المقبلة". ويعتبر أن "السياسة الأميركية الجديدة في العراق ستدفع باتجاه مناورات سياسية لقوى التحالف والمرجعيات الدينية، بما لا يجعلها في موقف مناوئ للولايات المتحدة ومصطف إلى جانب إيران".