إيمانويل ماكرون: ابتسامةٌ من مخمل ويدٌ من حديد

إيمانويل ماكرون: ابتسامةٌ من مخمل ويدٌ من حديد

10 نوفمبر 2017
ماكرون لا يفتقد الصرامة (توماس سامسون/ فرانس برس)
+ الخط -

تحاول وسائل الإعلام الفرنسية الاقتراب من الصورة التي يمكن أن تكون دقيقة لتوصيف رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، وتلخصها صحيفة "لوموند" بـ"الرجل صاحب الابتسامة المخملية واليد الحديدية".

ابتسامة مخملية، ونظرة فولاذية، إذ منذ أن وصل إلى الإليزيه، وهو يسيّر أطقمه بيدٍ حديدية. ولأنه صارم مع نفسه، فهو ينتظر المعاملة بالمثل من طرف المقربين منه. وتشير "لوموند" إلى ما كشفت عنه صحيفة "لوفيغارو" بكون الرئيس ماكرون عنّف، يوم الثلاثاء الماضي، أعضاء حكومته، أثناء مجلس الوزراء المغلقة.


والسبب هو أنه لم يستطع تحمل "الجمل الصغيرة" المقطَّرة في الأيام الأخيرة في الصحافة، مجهولة المصدر، والتي تستهدف هذا الوزير أو ذاك، في الوقت الذي يرتسم فيه، في المنظور القريب، تعديل حكومي، مباشرةً بعد انتخاب الناطق الرسمي باسم الحكومة، كريستوف كاستانير، رئيساً لحزب "الجمهورية إلى الأمام".

ولكن هذا الأخير كذّب صحيفة "لوفيغارو" وأكد أنه لم يكن ثمة غضب ولا دعوة إلى مراعاة النظام، وأن الرئيس ذكر بعض الأشياء المعمول بها، بما فيها أن ما يُتداوَل في جلسات مجلس الوزراء المغلقة لا يجب أن يخرج من مجلس الوزراء.

وترى الصحيفة الفرنسية أن الرئيس ماكرون، والذي قرر أن يخالف، بشكل متكرر، سلفه فرانسوا هولاند، والذي غالباً ما وَصَمَ "رئاسته الثرثارة"، لا يريد أن تتلوث ولايته الرئاسية بنفس العيوب والنقائص. ولهذا فالأمر الرئاسي واضح: لا مجال لجمل صغيرة، ولا مجال للانتقادات في غياب الكاميرات ولا لردود الفعل النفسية في الصحافة.



وبينما غزت المكتبات الفرنسية كُتبُ ذكرياتٍ لمقربين من هولاند، فإن مستشاري ووزراء ماكرون أُبلِغوا بأنه لا مجال لتغذية الميديا بما يدور في كواليس السلطة. ويعزو النائب الاشتراكي السابق عن فرنسيي الخارج، أرنو لُورْوا، وإحدى دعائم ماكرون، الأمر إلى أن الرئيس "اشتغل على الدوام بهذه الطريقة، ولا يريد أن يتشتت أصحابه. يعتقد أن هذا يضعف الجميع".

ووفق هذا المنظور أصدر الرئيس تعليماته لوزرائه بتجنّب الحديث إلى الصحافيين في قصر الإليزيه، عند خروجهم من مجلس الوزراء، كما كان عليه الحال دائماً في ظل الجمهورية الخامسة. وهو ما ينفذه الوزراء، بشكل حرفي، إذ يخرجون من دون أن يلقوا ولو نظرة على الصحافيين. إلى درجة أن مغادرة وزير العدل، فرانسوا بايرو، والذي كان يرى نفسه في وضعية خاصة، فكان يمنح لنفسه بعض الحرية، الحكومة، تلقاها الوزراء بارتياح. وهو ما يعبّر عنه، بجذل، مُقرَّبٌ من ماكرون بالقول: "أثناء وجود بايرو كانت الفوضى، وكان يتوجب التزام الحَذر، أمّا اليوم فإن الكلام الحكومي أصبح مؤطراً".

ويتفق الوزراء على القول إن الرئيس الشاب، المبتسم دوماً أمام المصوّرين، يمتلك "سلطة طبيعية"، ويضيف واحد منهم أن الرئيس "قوي العزيمة، ويتحدث بعزم وإصرار"، وهو ما يجعل بعض أعضاء الحكومة المرعوبين لا يجرؤون على تناول الكلمة في مجلس الحكومة.

ومن جهته يشدد الناطق الرسمي كاستانير على أن "ماكرون هو زعيم فريق، وهو رئيس"، وبالتالي فإن الرئيس يوجد في دوره كـ"مدير مُسيّر" حين يخلق الانسجام بين الفرق. ويختم: "حين يقول شيئاً، إنما يقوله بقوة، وهذا يكفي كي يكون مسموعاً".

وكما هو متشدد مع أعضاء حكومته، والذين قد يتواصَل معهم عن طريق الرسائل الهاتفية القصيرة حتى الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً، فهو كذلك متشدّد وصارم مع مساعديه، والذين يطلقون عليه لقب "القائد". وتتجلى هذه الصرامة في كون السكرتير العام أليكسي كوهلر والاستراتيجي ومهندس سياسة ماكرون، إسماعيل إيميليان وكاتب خطاباته سيلفان فورت، هم آخر من يغادر قصر الإليزيه، في عز الليل.

ويعبّر مقرب من الإليزيه عن قلقه من إيقاع العمل، ويقول: "لديهم إيقاع مثير للهذيان، وهم منهكون. ولست أدري كيف سيصمدون". ويرى أن ماكرون "قاسٍ جداً"، ويضيف: "ليست له حياة، ليست لديه انفعالات، وهو يعتبر أنه غيرُ مَدينٍ لأحد. ولا وجود سوى للعمل، كما هو الشأن في سيليكون فالي... إنه "أنا، أنا وأنا"، ثم إن مزاجه فولاذي".



لا شيء يجب أن ينفلت ويتسرب من حياة الإليزيه، سوى عن طريق القنوات الرسمية، واللذين يحق لهما أن يتحدثا هما مستشارة الاتصال، سيبيث ندياي، والناطق الرسمي باسم الإليزيه الصحافي السابق برونو روجي بوتي، وكلاهما شحيح في الكلام، وهو ما يفسره الأخير بالقول: "الشعار، منذ ستة أشهر، هو لا للثرثرة، وهو ما ينطبق أيضاً على الناطق الرسمي".

ويتذكر الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي، جان كريستوف كامباديليس، أن ماكرون، أثناء أول لقاء بينهما، سنة 2014، كان وزيراً شاباً "جموحاً" استقبله بلطف. وأضاف أنه كان يتحدث كثيراً ويأخذ بكوعه، يربّت على كتفه، ويريد أن يأسر انتباهه. وهو ما وضع كامباديليس في وضع مزعج، كما يعترف.

ويضيف كامباديليس في كتابه "وقائع هزيمة"، أن ما لفت انتباهه وهو يراقب ماكرون وهو في أقصى حالات إثارة الإعجاب: "يداه، جسمه، ابتسامته، كل هذا في حركة، ولكن الغريب أن نظرَه الأزرق كان قاسياً، كما لو أنه غائب عن القاعة. كيف يمكن لرجل في مثل شبابه، مَرح ومبتسم، أن يكون له نظر حاد؟".

ولا يختلف وزير الفلاحة في ولاية هولاند، ستيفان لوفول، في رؤيته، فـ"الرئيس يبدو حاسماً في كلماته، أمام الجمهور ولكن أيضاً في تصريحاته الخاصة". وهو يتذكر ما قاله ماكرون حين غادر الإليزيه سنة 2014، ومن دون أن يُعيَّن وزيراً في حكومة مانويل فالس الأولى: "أنا ذاهب، ولكنني سأعود، وسأهاجم".

ويتذكر أحد رجالاته كيف أن ماكرون كان يلقَّب، أثناء اشتغاله في مصرف "روتشيلد"، بـ"القاتل"، ويصف لقاء له مع ماكرون بعيد إعلانه الترشح للرئاسة، وهو يحذره، أثناء لقاء قدم فيه الرجل الدعم للمرشح ووضع تحت تصرفه كل العناوين التي يمتلكها: "لا تخنّي أبداً، أحذّرك، وإلا فستندم". ويعلق هذا الشخص، الذي لا يزال "مذهولاً" من سلطة هذا الزعيم الشاب، بالقول: "ماكرون هو الشخص الوحيد الذي حدثني بهذه الطريقة، وهو ما لم يفعله معي، أبداً، لا ساركوزي ولا هولاند".

وفي الحقيقة فإن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، والذي كانت تنتابه نوبات غضب، كان قاسياً مغلوطاً، إذ إنه في لحظات العقاب أو الطرد، ترتجف يداه. أما هولاند الذي لم يكن يخيف أحداً، فكان يمقت الصراعات، والتي كان يتركها تلتهب من دون أن يحسم، إلى أن يجد ظهره مستنداً إلى الحائط.

لا شيء مثل هذا مع ماكرون، وهو ما أثبته حين تخلص، في شهر يوليو/ تموز، ودونما تردد، من رئيس الأركان، الجنرال بيير دي فيليي، والذي انتقد خفض القروض الممنوحة للجيش. وهذه الصرامة يلخصها أحد المقربين من الرئيس، بالقول: "الكل يعرف أن الرئيس لا يمزح حين يصدر تعليمات. وفي حالة ظهور فرق أو عدم اتفاق عمومي (مع الرئيس)، فلن يكون ثمة حظ ثانٍ. سيكون الباب".

المساهمون