تظاهرات بلغراد ضد مشروع إماراتي: رائحة فساد مالي وإداري

تظاهرات بلغراد ضد مشروع إماراتي: رائحة فساد مالي وإداري

28 مايو 2016
تظاهرات بلغراد وصلت لأوجها (فيسبوك)
+ الخط -
"يبدو أن أوراق بنما، التي سُرّبت بعض وثائقها، أخيراً، وصلت ارتداداتها إلى العاصمة الصربية بلغراد"، بهذه الكلمات شرحت الناشطة الصربية في المجتمع المدني المعارض للفساد أولغا ديكانسكي، ما يجري من حراك في العاصمة الصربية بلغراد لـ"العربي الجديد"، فمنذ أسابيع، تشهد العاصمة الصربية احتجاجات شعبية واسعة على خلفية بناء مشروع "واجهة بلغراد المائية"، الممول من قبل الإمارات، فيما تشير تقارير أخرى إلى ارتباط المشروع بالقيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.

ولفهم دوافع خروج أكثر من 10 آلاف متظاهر، وامتداداً للتأييد الشعبي الرافض لمشروع "واجهة بلغراد المائية"، قالت ديكانسكي: "عندما تغيب الشفافية، ويمنع الحوار أو النقاش في أمور تهم المواطنين، وتتدخل الشرطة كما حدث في نهاية إبريل/نيسان لقمع احتجاجات بسيطة، عندها ستتعاظم الأسئلة وتكبر الادعاءات عن ذلك الفساد، الذي لا يقتصر هذه المرة على ساستنا بل بأموال دولة أخرى تحاول الاستثمار بطرق ملتوية غير آبهة بالبيئة والمجتمع المدني".

وتأتي تظاهرات وحراك سكان بلغراد على مدى أسابيع، حتى وصلت أوجها يوم الأربعاء الماضي، على خلفية الكشف عن تلاعب مالي وفساد إداري لبيع أراض صربية تعتبر محميات بأسعار زهيدة، تحت مظلة المشروع الاستثماري الضخم المسمى "واجهة بلغراد المائية". وهو ما أثار سكان العاصمة منذ إبريل/نيسان الماضي، وتعالت الأصوات في 12 مايو/أيار الحالي لمحاسبة الفاسدين والدعوة إلى التجمهر في قلب المدينة يوم الأربعاء، مقابل مبنى المحافظة، في حركة احتجاجية ترفع شعار "لنوقف إغراق بلغراد".

ووفقاً لمواقع صربية عدّة، وصفحات التواصل التي أُنشئت خصيصاً لحض الناس على رفع صوتهم ضد الفساد، فقد خصص هؤلاء النشطاء صفحة جمعت تأييد 43 ألف مواطن ضد المشروع تحت شعار "لنوقف إغراق بلغراد".

لنوقف إغراق بلغراد

ما أثار استياء المجتمع المدني في بلغراد هو الغياب الكامل لما يسمونه "الشفافية" في التعامل مع هذه القضية، وخصوصاً "مع ظهور ملثمين في العاشر من هذا الشهر وهم يقومون بأعمال هدم لمبان تقع على المياه تماماً في سافمالا، ولم تستجب الشرطة لمطالب السكان حمايتهم من المقنعين، مبررين ذلك بأنهم لم يكونوا على دراية بما يجري في المكان، حيث من المفترض أن يبنى المشروع الذي تفوح منه رائحة فساد ويضر تماماً بالبيئة من دون أي اعتبار لرأي السكان"، وذلك وفق ما قاله الناشط المدني ضد مشروع واجهة بلغراد المائية، ستيفان كراكوفيتش، لـ"العربي الجديد".

وما يثير حنق الناشطين الصرب أيضاً، أنّ وسائل الإعلام المحلية لم تهتم كثيراً لما يجري في مدينتهم، بل في الوقت الذي كان يحتج فيه هؤلاء السكان ويطالبون باستقالة رئيس البلدية وقائد الشرطة، بسبب تصرفات الأخيرة مع المحتجين في أواخر إبريل/نيسان، كانت بعض القنوات ومنها استوديو "بي" يعرضون "محاسن وفوائد المشروع، من دون إشارة لما نقوم به من احتجاجات"، وفق ما قاله القائمون على حملة "دعونا نمنع إغراق بلغراد".

والجدل الكبير المستمر حول هذا المشروع الذي يصطدم بزيادة معارضيه هو أيضاً حول المستثمر الذي تقول المواقع إنه "ممول من الإمارات"، وحول المساحات الخضراء التي يتم اقتطاعها مع عمليات هدم ليلية للتمهيد له.

ووفقاً لمعلومات مقدمة من قبل هؤلاء النشطاء، فإن المشروع جرى الاتفاق عليه في شهر أغسطس/آب من العام الماضي، وجرى دفع مبالغ طائلة تصل إلى حوالى 530 ألف يورو لمحطة محلية للترويج له.

وفي هذا السياق، قال المهتم بكيفية تغطية الإعلام على الفساد، غوران ماركوفيش، في اتصال مع "العربي الجديد": "من المؤسف أن وسائل إعلام وصحفاً كانت تعتبر نفسها مستقلة لم تتطرق للاحتجاجات على ما يروج عن فساد يجري في هذا المشروع تحديداً. لقد ضاعت حتى المهنية ولهذا ترى الغضب أيضاً ينصب على وسائل الإعلام".

ويذكر بأن تظاهرة الأربعاء التي بدأت بالتجمع في ساحة البلدية وسط العاصمة كانت تهتف لاستقالة السياسيين ورئيسي الشرطة نيبوجا ستيفانوفيش، والبلدية وسينيسا مالي، ووفقاً لما قاله رادومير لازوفيش، من تجمع "لنوقف إغراق بلغراد": "نريد أن تصل الرسالة، بأن بلغراد مدينتنا وليست ملكاً لسينيسا مالي (رئيس البلدية)، الذي بدأ يفضل مصالحه الاقتصادية على مصالح سكان المدينة".

ويذكر هنا وفقاً لتقارير صحافية غربية، ومنها تقرير لـ"ميدل إيست"، أن ثمة حديثاً صريحاً عن معارضة الشعب لهذا المشروع يقوم على شكوك كبيرة بتلاعب مالي لمشروع يقال إنه سيجذب استثمارات بـ3.5 مليارات دولار، بينما الحكومة الصربية مثقلة بديون كثيرة وتدعي بأنها لن تدفع سنتاً في هذا المشروع، وإنما المستثمرون من الإمارات هم الذين يستثمرون فيه.

ويذكر التقرير بأن حكومة صربيا مررت في إبريل/ نيسان 2015 قانوناً يسمح لها بمصادرة أملاك من أصحابها وهو ما يرى فيه البعض إجحافاً بحقوق السكان وتصفه منظمات حقوقية بخرق فاضح لحقوق الإنسان.

ويتوقع لازوفيش بأن "الحركة الاحتجاجية الشعبية ستستمر بوجه اقتلاع الناس بالعنف ومصادرة الأراضي والناس لن تبقى صامتة".

ويبدو طبقاً لما تقوله المحررة في أسبوعية "فريما"، جوفانا غليغورجيفش، إنه "لا أحد كان سيسمع عما يجري من عمليات هدم في سافامالا لولا مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن، لأن القنوات الرسمية مثل (أر تي أس)، المحطة الوطنية للإرسال، لم تقم بواجبها المهني في التغطية على الرغم من أن جيوب المواطنين هي من تمول تلك القنوات".

الشك المتزايد بأن شيئاً غير قانوني يجري تعززه عمليات التعتيم والاستعانة بمقنعين للقيام بأعمال هدم ليلية، وهو ما دفع الناشطين إلى رفع شعارات "أزيلوا الأقنعة.. الأقنعة ستسقط ومعها الحكومة".

الغضب الذي يشعر به المحتجون على مشروع الواجهة المائية لبلغراد ازداد أول من أمس حين وقفوا دقيقة صمت على روح المعارض للفساد سلوبودان تاناسكوفيش، والذي أدخل المستشفى العسكري بحجة أنه يعاني من مشاكل قلبية، بل وحتى "عقلية" قبل أن يتوفى وتحوم الشكوك حول أسباب موته الحقيقية يوم الثلاثاء الماضي.

وكان تاناسكوفيش قد تعرض الشهر الماضي (24 إبريل/نيسان) لعملية اعتداء من قبل المقنعين وتم سلبه بطاقته الشخصية وهاتفه، ويشك بعض الناشطين في الحركة الشعبية في "تعرضه للقتل بعدما تم الاعتداء عليه جسدياً بمضارب البيسبول الشهر الماضي عند موقع العمل الذي بوشر به".

رجل ظل الإمارات التجاري

وفي تقارير أخرى لم يجر التأكد منها، فإن العمل على ما يصفونه بأنه "نموذج دبي" (واجهة بلغراد المائية) عبر بناء برج بارتفاع 180 متراً مع مواقع ترفيهية كثيرة، يجري ربطه بأحد القيادات الأمنية الفلسطينية السابقة، والذي تصفه مواقع إخبارية بأنه "رجل ظل الإمارات التجاري"، في إشارة إلى محمد دحلان، مدعيةً أنه حصل على جنسية الجبل الأسود قبل عامين لتسهيل عمليات التجارة والاستثمار، وهو يستثمر أموالاً إماراتية في عدد من الدول من بينها صربيا والمجر. وهو ما يستعيده أيضاً الناشطون في الحركة المناهضة لعملية الإزالة وبناء مشروع استثماري بالاستدلال على "علاقة (رئيس الوزراء) ألكسندر فوتشيتش بتوقيع تلك الاتفاقيات مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عامين تقريباً".

تتطور العلاقات الإماراتية مع حكومة فوتشيتش، الذي كان واحداً من أكثر المتعصبين ضد المسلمين في حرب البوسنة، ومع فيكتور أوربان في المجر، بما يطلق عليه الصحافيون الغربيون "سياسة ذكاء تجاري تقودها أبو ظبي في دول أوروبا الشرقية".

المساهمون