واشنطن والنفق الليبي الطويل بعد "فيينا": حرب الحكومتين الآتية

واشنطن والنفق الليبي الطويل بعد "فيينا": حرب الحكومتين الآتية

26 مايو 2016
كيري والسراج في فيينا منتصف مايو (حسن توسون/الأناضول)
+ الخط -
من بين أكثر الملفات إرباكاً للسياسة الخارجية الأميركية حالياً، هي ليبيا. الانقسامات حول هذه القضية لا تقتصر على البيروقراطية داخل واشنطن أو على الانتخابات الرئاسية الأميركية بل أيضاً مع الحلفاء الأوروبيين والعرب أيضاً. خمسة أشهر بعد "اتفاق الصخيرات"، يقف البيت الأبيض حائراً أمام نفوذه المحدود في الفوضى الليبية.

كان أمل واشنطن، منذ بداية العام الحالي، أن يحصل انتقال سلس للسلطة في ليبيا وتسليم زمام الأمور للحكومة الجديدة، وهو ما تلاشى مع الوقت في واشنطن، وبات التلويح بالتدخل الغربي البريّ مستبعداً، لا سيما مع تراجع الموقف الإيطالي. الدول الأوروبية تتنافس على تحديد أولويات المساعدات الأمنية التي يجب تقديمها إلى النظام الجديد والدول العربية المؤثرة منقسمة حول دور الإسلاميين، أما ليبيا نفسها فأضحت أمام أمر واقع انقسام حكومتين في الغرب والشرق. لا يبدو بكل بساطة أن هناك حلاً يلوح في الأفق. دخلت ليبيا الآن مرحلة جديدة بعد قرار اجتماع فيينا استثناء حكومة "الوفاق الوطني" من حظر الأسلحة الدولي المفروض على ليبيا، والموافقة بالتالي على تمويل "الحرس الرئاسي" في حال طلبت الحكومة الجديدة هذا الأمر رسمياً. هذا التحول البارز قبل نيل حكومة رئيس الوزراء، فائز السراج، الثقة من برلمان طبرق يعني أن المجتمع الدولي يحاول قلب موازين القوى، لا سيما بعد دخول الحكومة الجديدة الى طرابلس، عبر البحر، الى قاعدة "أبو ستة" العسكرية في 30 مارس/آذار الماضي.

لكن واشنطن لا تزال تفضل التريث في مقاربتها السياسية، وهي اكتفت، حتى الآن، بوضع رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، على لائحة العقوبات، في وقت بدأت فيه حكومة طبرق بالمواجهة السياسية بعد اجتماع فيينا، وقررت العودة إلى ممارسة عملها السياسي بشكل طبيعي. كما بدأ، اللواء خليفة حفتر، يلمح إلى الذهاب إلى موسكو لنيل الدعم السياسي والعسكري الذي يحتاجه. الأسابيع المقبلة قد تكون مؤشراً لدخول ليبيا رسمياً مرحلة المواجهة بين حكومتين.

في هذا الصدد، تقول المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية الكولونيل، ميشيل بالدانزا، لـ"العربي الجديد"، إن البنتاغون "يدعم الانخراط الأميركي مع حكومة الوفاق الوطني من أجل تلبية احتياجاتها وطلباتها". كما تدعو المتحدثة نفسها إلى منح الثقة لحكومة السراج لأن ليبيا "تحتاج الى حكومة وحدة وطنية بوسعها أن تكون شريكاً مع المجتمع الدولي ولمعالجة تهديد الإرهاب في جميع أنحاء البلاد".

بالإضافة إلى الإجماع على دعم حكومة السراج، هناك تباين داخل البيروقراطية في واشنطن حول حجم وطبيعة الدور الأميركي في ليبيا. رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الجنرال جوزف دانفورد، تحدث يوم الخميس الماضي عن مشاورات دولية مكثّفة قد تؤدي إلى اتفاق وشيك يسمح بنشر فريق من المستشارين الأميركيين ليساعد على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن البيت الأبيض نفى في اليوم التالي أي نية لنشر قوات أميركية إضافية في المدى المنظور. آخر ما تريده إدارة الرئيس باراك أوباما الآن هو الإعلان عن تورط أكبر في ليبيا خلال موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يعيد هذه القضية الى الواجهة باعتبارها نقطة ضعف لحملة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي يلومها الجمهوريون على فشل السياسة الأميركية في ليبيا خلال توليها منصب وزيرة الخارجية.
واشنطن تنتظر الآن الطلب الرسمي لحكومة السراج إلى الأمم المتحدة وتتوقع أن يكون تفصيلياً لمعرفة الأسلحة الخفيفة والذخائر المطلوبة، وما هي المليشيات المتعاونة مع القيادة المشتركة لحكومة "الوفاق الوطني" التي ستحصل على هذه الأسلحة. واشنطن ستدقق بهذه اللائحة لا سيما أنها تخشى من احتمال وصول هذه الأسلحة إلى مليشيات متطرفة، وتعتبر المتحدثة بالدانزا في هذا السياق، أن الدفاع عن ليبيا "يجب أن يكون من مهمة قوات أمنية وطنية موحدة ومعززة".

البحث عن شريك
تجهد الإدارة الأميركية، منذ نهاية العام الماضي، في البحث عن شريك في ليبيا لمحاربة "داعش". تصوّرت، العام الماضي، أن حفتر قادر أن يلعب هذا الدور. قبل أيام من توقيع "اتفاق الصخيرات"، توجه في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي فريق مستشارين، مؤلف من 20 جندياً أميركياً من القوات الخاصة، إلى قاعدة الوطية قرب صبراتة، في سياق التواصل مع جيش حفتر، لكن طُلِب من هذه القوات المغادرة بعدما نشرت رئاسة أركان القوات الجوية صورهم على موقع "فيسبوك" الإلكتروني. كان هذا التطوّر أول مؤشر على بداية تباعد المصالح بين حفتر وواشنطن، فانتقلت هذه القوات الخاصة الى مصراتة، حيث لا تزال منتشرة، حتى الآن، بالإضافة إلى فريق آخر من المستشارين العسكريين الأميركيين في بنغازي. هذا يعني أن واشنطن لم تقطع بعد كل قنوات التواصل مع حفتر، الذي أعلن، الأسبوع الماضي، إمداد جيشه بالأسلحة سيؤدي إلى حسم المعركة ضد "داعش بشكل نهائي".

والقرار في واشنطن لا يزال باستهداف قيادات وعناصر "داعش" في ليبيا ضمن المواجهة الأميركية الأوسع ضد التنظيم، بغض النظر عن المسار السياسي، كما فعلت مع استهداف نور الدين شوشان و"أبو نبيل" العراقي في غارات جوية خلال الفترة الماضية. وتؤكد بالدانزا، في هذا السياق، أن واشنطن "لن تتردد في تنفيذ المزيد من العمليات بالتنسيق مع الشركاء المحليين".

هذه المواجهة ضد "داعش" في ليبيا لها أسبقية في الإدارة الأميركية مقارنة مع المسار السياسي، ما يشجع الأطراف الليبية على التسابق في مواجهة هذا التنظيم في سرت، من دون تنسيق مشترك لنيل رضى واشنطن والمجتمع الدولي مع احتمال سيناريو المواجهة بينهما في حال تم تحرير المدينة.

لكن ما يبقى في صلب الأزمة الليبية، ليس "داعش"، بل معضلة من يقود الجيش الليبي في المرحلة المقبلة؟ حفتر يشترط من أجل التعاون مع حكومة "الوفاق الوطني" حل المليشيات في غرب ليبيا التي تنضوي تحت القيادة العسكرية المشتركة، في وقت هناك انقسام في المجلس الرئاسي الليبي حول ما إذا كانت هناك ضرورة لاستبعاد حفتر من المشهد السياسي. اجتماع فيينا يشير إلى استمرار حيرة وانقسام المجتمع الدولي وبحثه عن حلول سريعة بدون رؤية واضحة للخروج من الطريق المسدود للأزمة الليبية.