انتخابات أميركا... جنون جمهوري لإزاحة ترامب وتفادي السيناريو الفرنسي

انتخابات أميركا... جنون جمهوري لإزاحة ترامب وتفادي السيناريو الفرنسي

06 مارس 2016
الجمهوريون يتكتلون ضدّ ترامب (سكوت أولسون/getty)
+ الخط -
وصلت الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية عند المعسكر الجمهوري إلى مستوى غير مسبوق من الانحطاط الخطابي، لتتحول معها الديمقراطية الأميركية إلى فوضى مشبّعة بالاتهامات والشتائم.

اقرأ أيضاًالمرشح الجمهوري السابق ميت رومني: ترامب مفلس ومخادع

ويبدو الاشتباك الكلامي، الذي تجلّى خلال الأيام الماضية سواء في المناظرات بين المرشحين الجمهوريين أنفسهم، أو في خطابات جمهوريين مرموقين، معبراً عن خطة جمهورية لاستخدام جميع الوسائل لإخراج رجل الأعمال الأميركي، دونالد ترامب، من سباقهم، وإن اضطرهم الأمر إلى الانحدار إلى مستوى خطاب ترامب، الذي تبين أنّه ساعده في زيادة شعبيته. بذلك، يكون الجمهوريون قد دخلوا في أزمة تاريخية تترجم بعجزهم عن إخراج أحد مرشحيهم عبر القنوات الحزبية من السباق الانتخابي التمهيدي، وهنا تكمن المفارقة الغريبة. وليس ترامب الجمهوري وحده هدفهم، بل أيضاً الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي تشكّل بالنسبة لهم خطراً يمكن أن يقضي على آمالهم بالعودة إلى البيت الأبيض، بما أن الترجيحات الأولية تفيد بأنه في حال لم تحدث مفاجآت تُذكَر في الانتخابات التمهيدية، سيصل كل من ترامب وهيلاري كلينتون إلى المرحلة النهائية من الانتخابات، وهو ما سيؤدي إلى فوز سهل لهيلاري، نظراً إلى أن منافسها سيكون ترامب، أي أن الجميع سيتّحدون ضد الأخير، ولو أن هيلاري ليست مرشحتهم. أمر مشابه لما حصل ربما في فرنسا عندما وصل كل من جاك شيراك ومرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان إلى الجولة الثانية من انتخابات 2002، ففاز شيراك بأصوات خصومه الذين قرروا اختيار "الأقل سوءاً" مقارنة مع لوبان.

وأخرج الجمهوريون من جعبتهم شخصيات مرموقة ومعروفة بوقارها لتتولى الهجوم على ترامب. أبرز هؤلاء المرشح الجمهوري السابق في انتخابات 2008، ميت رومني. بدأ رومني هجومه على ترامب في جامعة يوتا قبل أيام، باستشهاده برؤية للرئيس الثاني للولايات المتحدة جون آدمز الذي يوصف بالرئيس الفيلسوف؛ فحذر الأميركيين، الخميس الماضي، من أن انتخاب رجل الأعمال الأميركي ترامب سيكون بمثابة انتحار للديمقراطية الأميركية.

و"انتحار الديمقراطية" هو مصطلح مستنبط من عبارات تاريخية لآدمز، إذ ورد في أحد مؤلفاته أن "الديمقراطية لا تدوم طويلاً، بل سرعان ما تستهلك أو تنهك وتنتهك ثم تنحر، ولا توجد أية ديمقراطية في العالم لم تنتحر". 

وينقل عن آدمز كذلك قوله: "من العبث الاعتقاد بأن الديمقراطية أقل عبثاً، أو أقل نهماً، أو أقل أنانية، من الأنظمة الأرستوقراطية. إن البشر متشابهون في طبائعهم، مهما اختلفت أنظمة الحكم لديهم، فبدون الرقابة والتقويم، فإن الديمقراطية لن تختلف عن غيرها من النظم في نتائجها من غش وعنف وغرور لإشباع الجشع، ومن الصعب على أصحاب أرفع المثل الأخلاقية وأصحاب أقوى الضمائر مقاومة الإغراءت عندما تغيب الرقابة".

ومما قاله رومني عن ترامب إن "الخيانة من سماته، وغير مستقر نفسياً وعقلياً بما فيه الكفاية ليكون رئيساً للولايات المتحدة، ويتصرف بأساليب غير مقبولة حتى من الأطفال الذين يتعرضون للتقريع لو تصرفوا مثل تصرفاته". كما اتهمه بممارسة البلطجة، والجشع، والرياء، ويريد أن يجعل من المسلمين والمكسيكيين أكباش فداء، كما يدعو إلى قتل الأبرياء إن كانوا من أفراد أسر الإرهابيين. وقال إن وعوده لا قيمة لها إلا كقيمة شهادة تخرج من جامعة ترامب، وإنه يسعى إلى الحصول على رحلة مجانية إلى البيت الأبيض. 

الخطاب الهجومي العنيف الذي ألقاه رومني لا يمكن النظر إليه، إلى جانب تصريحات جون ماكين والوزير السابق توم ريدج وغيرهما من قيادة مؤسسة الحزب الجمهوري، إلا في سياق خطة أوسع لتدمير ترامب، تمهيداً لحرمانه من تمثيل الحزب في السباق الرئاسي. ويعتبر رومني أحد رموز مؤسسة الحزب الجمهوري التقليدية. وهو يعبر، إلى جانب السيناتور جون ماكين، عن لسان حال هذه المؤسسة التي لم يعد سراً أنها ترغب في إزاحة ترامب من طريقها، مثلما تسعى إلى إزاحة المرشحة الديمقراطية القوية كلينتون.

ولعلّ ما حدث في مناظرة ديترويت أخيراً بين المرشحين الجمهوريين، يكشف مستوى الانحطاط الخطابي الذي وصل إليه السباق الجمهوري. وخلال المناظرة مع كروز وروبيو، قال ترامب "سخر المرشح روبيو من يديّ قائلاً إنهما صغيرتا الحجم، ولمّح إلى أن أعضاء أخرى في جسمي صغيرة. لكن أطمئنكم لا أعاني من أية مشكلة في أعضائي"، في إشارة إلى عضوه الذكري، قبل أن يستكمل هجومه على روبيو بوصفه "ماركو الصغير" وعلى كروز بوصفه "تيد الكاذب". ردّ منافسيه لم يكن أقل حدّة، لتكر سبحة الشتائم والصراخ على الهواء في مشهد كان أقرب إلى العرض الهزلي من المناظرة الانتخابية لأخطر مركز سياسي في العالم. 

ويستميت الحزب الجمهوري في تحقيق هدف إبعاد ترامب لأسباب عدة، من أهمها أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة سيتولى اختيار الشواغر في المحكمة العليا. وبسبب ما تمثله هذه المحكمة من أهمية بالغة، فإن الرئيس المقبل يجب أن يكون ليس جمهورياً فقط، بل ومؤدلجاً ليختار ما يناسب التيار المحافظ. ولعل هذا ما يفسر رفضهم عرض الرئيس، باراك أوباما، بأن يختار عضواً جديداً في المحكمة من صفوفهم، إذ يبدو أنهم يريدونه مؤدلجاً خالصاً، وليس وسطياً مرناً.

المفارقة هنا أن مؤسسة الحزب الجمهوري لم تكتف بالخروج عن إطار الحياد الكلامي، بل تعدته إلى خروج عن الحياد ميدانياً، وذلك عبر تسخير كل إمكانيات الحزب في ثلاث ولايات محورية هي تكساس، التي انتزعت من ترامب لصالح السيناتور تيد كروز، وفلوريدا التي يُراد نزعها من ترامب لمنافسه السيناتور ماركو روبيو، وأوهايو التي تساعد مؤسسة الحزب بكل ما لديها حاكم الولاية المرشح جون كيسيك. 

صحيح أن ترامب قد أثبت أنه قادر على التغلب على منافسيه مجتمعين، ولكن تغلبه عليهم لا يزال عند حد ثلث أصوات الناخبين، واستمرارهم في المنافسة قد يجعله عاجزاً عن الحصول على نسبة الخمسين في المئة من المندوبين المطلوبة لتمثيل الحزب، وبالتالي حلول موعد مؤتمر الحزب في يوليو/تموز المقبل من دون وجود مرشح للحزب، هو ما يعطي المؤسسة الحزبية حق القول الفصل في تسمية المرشح بالأسلوب الذي تختاره.

من هنا، يمكن فهم الدواعي التي تدفع سياسياً جمهورياً بارزاً مثل رومني، اتسم بالوقار طوال تاريخه، إلى الخروج عن نهجه، واستخدام الألفاظ النابية لاستفزاز ترامب.

الانقضاض على كلينتون

أكبر خطر يتحسب له الجمهوريون أيضاً هو هيلاري كلينتون، إذ يدركون أن ترشيحها عن الحزب الديمقراطي قد يقضي على آمالهم بالعودة إلى البيت الأبيض في 2016، ويحرمهم من تعيين أية شواغر في المحكمة العليا. وبما أنها امرأة، فإن الجيل الذي أوصل رجلاً أسود إلى البيت الأبيض يتوق أيضاً إلى إيصال امرأة إلى منصب الرئاسة. وبالنسبة إلى كبار السن، فإن الديمقراطيين منهم والمستقلين وبعض الجمهوريين المعتدلين يشعرون بالثقة والاطمئنان لقدرتها وخبراتها، خصوصاً أنها ليست غريبة عن البيت الأبيض بل تعرف دهاليزه ودهاليز السياسة العالمية من موقعيها، كسيدة أولى سابقة وكوزيرة خارجية سابقة. 

لقد عاشت هيلاري في البيت الأبيض ثماني سنوات مع زوجها الرئيس، بيل كلينتون، الذي يتذكره الأميركيون بالخير، كما أنها تأتي من وزارة الخارجية التي أتاحت لها الارتباط بصنع القرار طوال سنوات حكم أوباما، وتستطيع أن تستفيد من سجله الإيجابي، وأن تتنصل كذلك من أية نقاط سلبية لا علاقة لها بها في عهده.

لهذه الأسباب وغيرها، فإن الجمهوريين، الذين لا توجد بينهم أية شخصية بحجم هيلاري كلينتون، يبحثون عن أية ضربة استباقية قد تدمرها سياسياً قبل ترشيح الحزب الديمقراطي لها. ويبدو أن الجمهوريين يفضلون خوض المنافسة مع السيناتور الديمقراطي، بيرني ساندرز، لأنهم يعتبرونه هدفاً أسهل من هيلاري. ولهذا، فإنهم يعولون على قضية البريد الإلكتروني والملف الليبي لاستخدامه في تدمير السيدة الطموحة، مستغلين الملابسات المحيطة بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2012 من هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. 

ويبدو أن هذين الملفين يؤرقان هيلاري ورموز الحزب الديمقراطي. ومن هنا، يمكن فهم الاستراتيجية المضادة للحزب الديمقراطي، بتأخير محاكمة أبي ختالة، المتهم بالتورط في الهجوم على القنصلية الأميركية، إلى أن يقترب موعد الانتخابات العامة، من أجل التوظيف السياسي والإعلامي للمحاكمة باعتبار أن اعتقال أبي ختالة يمثل نجاحاً للإدارة الديمقراطية.

في الخلاصة، يرى كثيرون أنه في حال نجح الجمهوريون في منع هيلاري ودونالد، بمثل هذه الأساليب، فإن هذا قد يكون بداية الطريق باتجاه "نحر الديمقراطية" أو انتحارها بحسب تعابير "الرئيس الفيلسوف" جون آدمز.

اقرأ أيضاً: معارك ترامب وكلينتون