تدمير المخيمات في سورية... فصل آخر من التراجيديا الفلسطينية

تدمير المخيمات في سورية... فصل آخر من التراجيديا الفلسطينية

31 مارس 2016
تعاني المخيمات من ضائقة اجتماعية واقتصادية (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في سورية منذ البداية في مارس/آذار 2011، لتنقلب على غرار بقية المواطنين السوريين، حياتهم رأساً على عقب، فاضطر بعضهم للنزوح مرات عدة، بعد استهداف معظم المخيمات الفلسطينية في سورية، بمختلف أنواع الأسلحة من قصف مدفعي وجوي، إلى تفجير السيارات المفخخة، ورصاص القنّاصة. كما طاولتهم عمليات الاعتقال والخطف، بالتزامن مع فقدان الأعمال والوظائف، وضيق سبل العيش. دفع كل ذلك أكثر من 200 ألف فلسطيني لمغادرة سورية إلى دول الجوار، وأصقاع الأرض في محنة لجوء أخرى، تكتب فصلاً جديداً في التراجيديا الفلسطينية.

قبل عام 2011 كان يعيش في سورية بين 500 و600 ألف لاجئ فلسطيني، وصلت الأجيال الأولى منهم إثر نكبة عام 1948، ثمّ في المحطات التالية من الصراع العربي ـ الاسرائيلي. ووفقاً لمعطيات المجموعات الإحصائية السورية، يتركّز 69 في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في العاصمة السورية دمشق، والمخيمات القائمة في ضواحيها مثل اليرموك، وسبينة، وجرمانا، وخان الشيح، والسيدة زينب، وذانون، والرمدان، والحسينية. كما يتوزع الباقون على المحافظات الأخرى، مثل اللاذقية وحلب وحماه وحمص ودرعا، والمخيمات القائمة فيها.



مع العلم أنه وبشكل عام، كان يقطن في عشرة مخيمات معترف بها من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في سورية، نحو 30 في المائة من إجمالي اللاجئين. وترتفع النسبة إلى 60 في المائة، إذا أخذنا في الاعتبار سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين، الذين زاد عددهم عن 150 ألف لاجئ في عام 2012. ولا تشمل الأرقام المذكورة، أعداد الفلسطينيين الذين توافدوا إلى سورية بين عامي 1967 و1970، كونهم غير مسجلين في قيود الأونروا في سورية.

في هذا السياق، تعرّضت المخيمات العشرة لتدمير كبير، طاول حوالي 70 في المائة منها، جراء القصف والعمليات العسكرية بين النظام وقوى المعارضة، في حين يخضع ثلاثة منها حتى الآن لحصار مشدد، وهي اليرموك، وسبينة قرب دمشق، وحندرات في حلب. ويعتبر مخيم اليرموك في دمشق، الذي أنشئ عام 1957، أكبر تجمّع للفلسطينيين في سورية، وكان فيه أربعة مستشفيات، وأكبر عدد من المدارس التابعة لـ"الأونروا".
ويخضع المخيم لحصار محكم من جانب قوات النظام وفصيل "القيادة العامة" منذ أكثر من ألف يوم، مع تواصل انقطاع الكهرباء طيلة هذه الفترة، فضلاً عن انقطاع الماء منذ حوالي 600 يوم. ولقي جراء هذا الحصار نحو 186 شخصاً حتفهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الصحية، في حين قُتل نحو 1300 من أبناء المخيم نتيجة القصف والاشتباكات أو تحت التعذيب.

ونتيجة القصف والاشتباكات بين فصائل المعارضة المسيطرة على المخيم منذ عام 2013، وقوات النظام الذي تسانده مجموعات فلسطينية مسلحة، تعرضت العديد من مباني المخيم للهدم، خصوصاً في محاور الاشتباك في الجزء الشمالي من المخيم، المتاخم لحيي الميدان والزاهرة الدمشقيين. ويُقدّر بأن نحو 40 في المائة من مباني المخيم تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي.

أما مخيم سبينة، جنوب دمشق، الذي كان يضمّ نحو عشرين ألف لاجئ فلسطيني، فتشير تقديرات إلى أن أكثر من 80 في المائة من مبانيه تعرّضت لتدمير شبه كامل. وحتى البيوت التي لم تُدمّر، ويُتّهم أصحابها بموالاة المعارضة، فقد أُحرقت، بعد دخول قوات النظام والميليشيات العراقية للمخيم في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013. وتواصل قوات النظام وبعض المجموعات الفلسطينية الموالية للنظام، منذ سيطرتها على المخيم، منع أهاليه الذين نزحوا إلى البلدات المجاورة، من العودة إلى منازلهم.



أما مخيم خان الشيح بريف دمشق، فيُعتبر من أقدم المخيمات الفلسطينية في سورية، إذ أُنشئ عام 1948، وكان يضم أكثر من عشرين ألف لاجئ. ويتعرض المخيم لحصار جزئي من قبل حواجز قوات النظام، التي قطعت جميع الطرقات الواصلة بينه وبين مركز العاصمة دمشق، باستثناء طريق زاكية ـ خان الشيح، الذي يضطر الأهالي إلى سلوكه بالرغم من مخاطره.

ويبعد مخيم خان الشيح عن دمشق نحو 27 كيلومتراً، وعن فلسطين المحتلة نحو 60 كيلومتراً، وهو من أكثر المناطق التي تعرّضت للدمار والقصف بالبراميل المتفجرة، ما تسبّب في دمار كبير بالمنازل يصل إلى نحو خمسين في المائة منها، ومقتل أكثر من 150 شخصاً فيه. كما تعرّض كثير من سكان المخيم لعمليات اعتقال وخطف على يد قوات الأمن السورية، وأحياناً على يد فصائل المعارضة المسلحة.

ومنذ مطلع عام 2013، وبعد عمليات مباغتة للمعارضة المسلحة، انسحبت قوات النظام من المخيم، وسيطرت عليه قوات المعارضة، فنزح معظم سكانه نتيجة القصف اليومي الذي يتعرض له المخيم من جانب قوات النظام.

من جهته، يُعدّ مخيم السيدة زينب بريف دمشق، من أكبر المخيمات الفلسطينية المعترف بها في سورية، إذ يبلغ عدد سكانه نحو 30 ألف لاجئ، وقد تأسس المخيم بين عامي 1967 و1968، على بعد 15 كيلومتراً جنوب العاصمة دمشق، كأحد مخيمات الطوارئ، التي أُنشئت بعد حرب يونيو/حزيران عام 1967.

وقد شهدت منطقة السيدة زينب اشتباكات بين فصائل الجيش الحر وقوات النظام واللجان الأمنية والمليشيات التابعة له، إلا أن أكثر ما ميّز المعارك هناك هو البعد الطائفي الذي اتسم به الصراع، بسبب وجود مقام السيدة زينب والعديد من المراكز الدينية. وقد امتدت المعارك إلى داخل المخيم، نظراً لاشتعال المناطق المحيطة به كالذيابية وحجيرة والحسينية، وقُتل فيها نحو 40 من أبناء المخيم إثر ذلك، قبل التفجير الأخير في السيدة زينب، مطلع الشهر الحالي.

من جهته، استقبل مخيم جرمانا، القريب من دمشق آلاف النازحين من أبناء المخيمات الأخرى، ويعاني مثل بقية المخيمات، من الاعتقالات التعسفية من جانب قوات الأمن السورية، فضلاً عن فقدان المواد الأساسية. أما
في الجنوب السوري، فقد قُتل أكثر من 330 فلسطينياً في محافظة درعا، جراء قصف قوات النظام، والعمليات العسكرية بينها وبين فصائل المعارضة المسلحة.

وتشير تقديرات إلى أن 70 في المائة من منازل مخيمي درعا، تم تدميرها بشكل شبه كامل، وذلك بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية المتكررة التي استهدفت المخيم. كما تعرضت التجمّعات الفلسطينية في باقي أنحاء المحافظة، وأكبرها في بلدة المزيريب، لتدمير مماثل.

بالنسبة إلى الشمال السوري، فقد تعرّض مخيم النيرب بمحافظة حلب، للقصف والتدمير، مع العلم أن بعض أبنائه شاركوا في القتال إلى جانب قوات النظام من خلال "لواء القدس". كما هاجر معظم سكانه إلى تركيا والبلدات المجاورة، ويتعرض من بقي منهم لملاحقات أمنية لإجبارهم على الالتحاق بـ"جيش التحرير". كما تمنع قوات المعارضة التي تسيطر على المخيم، سكانه من العودة إلى منازلهم منذ أكثر من ألف يوم.



من جهته، يتعرض مخيم حندرات في حلب أيضاً، لقصف مستمر جراء المعارك الدائرة بين قوات النظام و"لواء القدس" من جهة ومسلحي المعارضة من جهة أخرى، بفعل سعي قوات النظام للسيطرة على بلدة حندرات المجاورة. وقد نزح سكانه منذ شهر إبريل/نيسان 2013، إلى البلدات المجاورة وتركيا.

أما في حمص، وسط البلاد، فقد هاجر معظم سكان مخيم العائدين، إلى الخارج، خوفاً من الاعتقالات وإجبار الشباب على الالتحاق بـ"جيش التحرير". ويبدو المخيم شبه محاصر اليوم، بعد إغلاق قوات الأمن جميع مداخله وإحاطته بجدار إسمنتي بطول 3 أمتار، وفوقه أسلاك شائكة، مع وضع نقاط مراقبة وكاميرات وقنّاصة، ومفرزة أمنية داخل المخيم، تفرض قائمة طويلة من الممنوعات على الأهالي. ويحتل المخيم النسبة العليا من المعتقلين بين المخيمات، قياساً لعدد سكانه.

بدوره، يبدو مخيم حماة، أسير طوق أمني مشدّد، وقد استقبل عائلات فلسطينية من مختلف المحافظات، كما قُتل 20 شخصاً من أبناء المخيم حتى نهاية 2015. أما في الساحل السوري، فقد شهد مخيم الرمل في اللاذقية في بدايات الثورة السورية، تفاعلاً نشطاً مع تطوراتها وتعرض جراء ذلك للقصف وحملات الاعتقال. ويعيش اليوم تحت تشديد أمني وضائقة اقتصادية، ما دفع كثيراً من شبابه إلى الهجرة لتركيا ومنها إلى أوروبا.