السيسي يردّ على واشنطن بحظر نشر تفاصيل "التمويل الأجنبي"

السيسي يردّ على واشنطن بحظر نشر تفاصيل "التمويل الأجنبي"

22 مارس 2016
السيسي غاضب من تصريحات كيري (كازوهيرو نوجي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن الفصل بين صدور قرار قاضي التحقيق هشام عبدالمجيد بحظر النشر في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني المصري، أخيراً، وبين الاجتماع الذي عقده قبل صدور القرار بنحو 4 ساعات، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع جميع المسؤولين الذين لهم صلة بالقضية، على الرغم من إعلان مؤسسة الرئاسة المصرية أنّ الاجتماع هدف لتنسيق "تعزيز صورة مصر دولياً وأمام الرأي العام العالمي".

اجتماع السيسي حضرته مجموعة تبدو غير متجانسة من المسؤولين والوزراء. لا يوجد رابط سياسي مباشر أو معلن بين وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، ووزيرَي الخارجية، سامح شكري، والداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، ومديري المخابرات والرقابة الإدارية، ومستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي، وزيرة التعاون الدولي في عهدَي الرئيس المخلوع حسني مبارك، والمجلس العسكري، بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، السفيرة فايزة أبوالنجا. غير أنّ مطالعة أوراق قضية "التمويل الأجنبي" تكشف بسهولة الرابط بين كل هؤلاء المسؤولين الذين لا ينتمون إلى مجموعة وزارية واحدة. فجميعهم ساهموا بصورة مباشرة في التحقيقات التي أجرتها وزارة العدل ثم قضاة التحقيق منذ 2011 وحتى الآن.

أبو النجا كانت ولا تزال الشاهدة الأولى في القضية، والمحرك الأول لها، إذ اعتبرت في شهادتها أمام لجنة التحقيق والمحكمة، أن كلا من الولايات المتحدة، وسلوفاكيا، وألمانيا خرقت النظام المصري باستخدام برامجها الإعانية للتدخل في شؤون مصر الداخلية. كما ادعت أبو النجا أن هذه الدول خرقت اتفاقية فيينا، التي تنظم العلاقات الدبلوماسية الدولية. واقترحت، يومها، تجميد اتفاقية برنامج المساعدات الأميركية الاقتصادية لمصر طالما يتضمن تقديم إعانات للجمعيات الأهلية.

ويرى مراقبون أن تعيين السيسي فايزة أبو النجا، مستشارته لشؤون الأمن القومي، كان يهدف أساساً إلى بسط سيطرة الدولة على منظمات المجتمع المدني، ليس على مستوى مراقبة عملها الميداني، بل على مستوى مراقبة تدفقات التمويل الأجنبي الواردة من الولايات المتحدة وأوروبا، والتصدي لبرامج التمويل الأجنبية الداعمة للتحوّل الديمقراطي. أما وزارة الخارجية، فهي المشرفة على إجراءات تمويل المنظمات المصرية من تلك الأجنبية، والمشرفة على ترخيص العمل للمنظمات الأجنبية داخل مصر. كما أنّ وزارة الداخلية هي التي أجرت وحرّرت جميع التحريات في القضية، وهي التي نفّذت مداهمات مراكز حقوق الإنسان عام 2011، كما أنّها تراقب أعمال المنظمات الحالية.

أما وزارة التضامن، بحسب المراقبين، فهي التي أكدت من خلال مسؤوليها في التحقيقات، ثم عن طريق اللجان التي شكلتها، أخيراً، عدم قانونية عمل أكثر من 1500 مركز ومنظمة مصرية لعدم مراعاتها الشروط المذكورة في المادة 11 من قانون الجمعيات. من جانبها، تؤدي المخابرات المصرية دوراً في تتبع المعلومات ومصادر التمويل. وكذلك هيئة الرقابة الإدارية التي اكتسبت في عهد السيسي دوراً إضافياً وسيطاً بين دور التحري الشرطي والاستعلام المخابراتي على مستوى أجهزة الدولة والبنوك الحكومية والخاصة.

اقرأ أيضاً: حرب السيسي على المنظمات الحقوقية... تشويه صورة ثورة يناير

وبذلك، تكتمل صورة هذا الاجتماع الذي جاء بعد يومَين فقط من تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري التي انتقدت إعادة التحقيقات في القضية. وأبدى كيري "قلقه العميق" من تدهور وضع حقوق الإنسان والمجتمع المدني بعد قرار إعادة فتح التحقيق. وحث الوزير الأميركي الإدارة المصرية على التعامل مع المجتمع المدني لتخفيف قيود حرية إنشاء الجمعيات والسماح لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية بالعمل بحرية. وسبق الاجتماع بساعات، نشر صحيفة "اليوم السابع" المتحدثة حالياً بلسان دائرة السيسي المخابراتية ـ الرقابية مقالاً بالاسم المستعار "ابن الدولة" ينتقد فيه كيري.

وعن موقف الإدارة المصرية حالياً من الضغوط الخارجية بشأن قضية التمويل الأجنبي، يؤكد مصدر دبلوماسي، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام غاضب للغاية من كشف خيوط وتفاصيل هذه القضية في الوقت الحالي. وكان يفضّل أن تبقى إجراءاتها سرية بعيداً عن الضغوط الأجنبية، والبيانات التي تصدرها منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية. وهذا ما يفسر صدور قرار حظر النشر بعد ساعات من تصريح كيري"، وفقاً للدبلوماسي.

ويوضح المصدر ذاته أن "قسماً كبيراً من اجتماع السيسي بالمسؤولين المذكورين، تم تخصيصه لمناقشة أسباب وتبعات تصريح كيري، لأن السيسي غاضب منه"، مشيراً إلى أن "وزير الخارجية تلقى تعليمات مشددة بضرورة العمل على تحسين صورة مصر في الخارج كدولة تحترم القانون، ولا تطبق إلّا إجراءات قانونية قضائية بحق منظمات المجتمع المدني، وأن السلطتين القضائية والتنفيذية مستقلّتان عن بعضهما"، على حدّ تعبيره. ويتوقع المصدر الدبلوماسي أن يجري شكري اتصالاً هاتفياً بنظيره الأميركي، خلال ساعات".

وفي سياق متصل، تصف مصادر في وزارة التضامن الاجتماعي، حظر النشر في القضية بعد اجتماع السيسي بالمسؤولين، بـ"الأمر الطبيعي"، مبررة ذلك، بأنّ "النظام انزعج من كشف تفاصيل القضية في هذا الوقت تحديداً، خصوصاً أن جميع الإجراءات كان مخططاً لها أن تظل سرية لنهاية العام الحالي على الأقل". وتضيف المصادر الوزارية أنّ "الدولة لم تكن تضع في حسبانها أن هناك قرارات قضائية تتطلب الإعلان الرسمي ودخول ساحات المحاكم، كقرارات التحفظ على الأموال، ولولا إعلان ذلك في محكمة الجنايات لظلّت القضية سرية"، على حدّ تعبيرها. وترجح المصادر ذاتها أن تتواصل التحقيقات بوتيرة متسارعة، بمعزل عن الإعلام، وأن تصل الحرب بين نظام السيسي والمجتمع المدني إلى ذروتها بمنع مزيد من النشطاء من السفر والتصرف في أموالهم، ولجوء النشطاء لإصدار بيانات بحثاً عن التضامن الدولي معهم".

اقرأ أيضاً: شكري يرد على كيري.. وشكوك غربية بوعود السيسي