روسيا وإسرائيل... تنسيق أمني وتفاهمات سياسية

روسيا وإسرائيل... تنسيق أمني وتفاهمات سياسية

18 مارس 2016
تعهّد بوتين أمام ريفلين بالتزامه بأمن إسرائيل (Getty)
+ الخط -
تدل الحفاوة التي لقيها الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين، خلال زيارته إلى روسيا، التي انتهت أمس الأول الأربعاء، وما نقله مسؤولون رفيعو المستوى للصحافة الإسرائيلية، من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "فتح قلبه" للرئيس الإسرائيلي، على عمق تقاطع المصالح الإسرائيلية الروسية في كل ما يتعلق بترتيبات الأوضاع في الشرق الأوسط، والعلاقات الثنائية المتبادلة بين الدولتين على أكثر من صعيد، بما فيها التعاون الاقتصادي والتصدير الأمني الإسرائيلي لروسيا، ومسعى إسرائيل لإيجاد توازن بين تحالفها الرئيسي مع الولايات المتحدة، وبين سعيها للحفاظ على أوراق خاصة بها مع موسكو.

ومن أبرز سمات التنسيق الأمني بين روسيا وإسرائيل وثباته في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد الانسحاب الروسي الجزئي من سورية، هو تعهّد بوتين مجدداً أمام ريفلين في موسكو بالتزامه بأمن إسرائيل من جهة، وإقراره من جهة أخرى بمواصلة آلية التنسيق بين إسرائيل وروسيا في كل ما يتعلق بتقاسم الأجواء السورية، لتفادي معارك جوية أو مواجهات بين الطرفين.

أما لجهة بوادر التنسيق السياسي، فيستدل على ذلك، وعلى اقتراب موسكو في هذا الشأن من المواقف الإسرائيلية، أو على الأقل عدم ممارستها ضغوطاً لجهة السعي لإطلاق مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مما نقله المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" شمعون شيفر، بأن بوتين سأل نظيره الإسرائيلي عن خطط إسرائيل للتسوية مع الفلسطينيين، فجاء رد الأخير أنه في ظل الظروف الحالية، وبعد عشرين عاماً من المفاوضات، ينبغي التقدّم تدريجياً وفحص كل خطوة. ويشير بذلك إلى الاقتراح الذي نشرته الصحف الإسرائيلية، والصادر عن أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تدعو إلى تطبيق نوع من الانسحاب ووقف نشاط جيش الاحتلال في مناطق A على أن يتم بداية تطبيق ذلك في رام الله وأريحا وبعد ذلك باقي المدن الفلسطينية. لكن بوتين لم يعلّق على ذلك، ولم تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية التي غطت الزيارة أي تصريح أو موقف روسي يجدد التزام روسيا بحل الدولتين حالياً.

اقرأ أيضاً: ريفلين يرسم الخطوط الحمراء وبوتين يؤكد التزامه بأمن إسرائيل

في المقابل، فإن إسرائيل، التي امتنعت في العامين الأخيرين عن إدانة التدخّل الروسي في أوكرانيا وعن وقف التعاون الاقتصادي مع روسيا، بما في ذلك عدم وقف التصدير الأمني لروسيا، خصوصاً تصنيع طائرات من دون طيار من طراز "سيرتشر"، فقد منحت روسيا شرعية خاصة في المنطقة، لجهة تكريس دورها الإقليمي عبر تقديم طلب لها بأن تسعى في الأمم المتحدة لتأييد قرار بإعادة نشر قوات المراقبين الدوليين في الجولان، مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أنها تتوقع أن تشمل أية تسوية لمستقبل سورية ما بعد الحرب، إقراراً بالوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان وعدم الانسحاب من هذه الأراضي.

ويمكن عملياً القول إن هذه النقطة تحديداً، مع تكرار الخطوط الحمراء الإسرائيلية، تشير إلى أن إسرائيل لن تقبل بانتشار إيراني، أو انتشار لحزب الله على الحدود الشرقية الشمالية في الجولان، وهي كانت النقطة الأبرز سياسياً في لقاء بوتين وريفلين، باعتبارها تمهّد لتفاهمات إسرائيلية روسية لمستقبل الشرق الأوسط وتحديد حدود دوله، مع اقتناع الطرف الإسرائيلي، بحسب ما ذهب إليه عدد من المحللين في اليومين الماضيين، بأن خطوة بوتين تعكس قناعة لديه بأن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وأن الحل الأمثل هو في التحوّل إلى اتحاد فيدرالي.

وإذا كان الموقف الروسي الرسمي غير معلن بشأن الإقليم الكردي في سورية، فإن الحكومة الإسرائيلية لا ترى سبباً يمنع إقامة دولة كردية. وقد صدرت دعوات رسمية أخيراً عن مسؤولين إسرائيليين، أبرزهم الوزيرة أيليت شاكيد، تؤيد قيام دولة كهذه، وإن كان مثل هذا الموقف لم يتبلور كموقف رسمي لتأثره على ما يبدو بمآل العلاقات مع تركيا، وتداعيات مثل هذا الموقف الرسمي على مستقبل هذه العلاقات على المدى البعيد.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق، إن لقاء بوتين وريفلين يحمل أهمية أمنية من الدرجة الأولى لإسرائيل، لكونه جاء مباشرة بعد إعلان روسي سحب جزء من قواتها من سورية. واعتبر المراسل السياسي للصحيفة شمعون شيفر، أن لقاء بوتين وريفلين قد يكون ذا أهمية تاريخية في العلاقات بين الطرفين. وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يأتي تقاطع المصالح والتنسيق مع روسيا على حساب التحالف الإسرائيلي الأميركي، إلا أن ميل روسيا إلى القبول بالخطوط الإسرائيلية الحمراء، والحرص على التنسيق الأمني، مقابل مواصلة إسرائيل الامتناع عن إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، والتعويل على موقف روسي مساند لطلب إسرائيل بالانضمام لمنطقة التجارة الحرة في آسيا، مع الاعتراف الإسرائيلي بالدور الخاص لروسيا في سورية، أمور تشير إلى تفاهم سياسي مستقبلي على أكثر من صعيد.

ويمكن القول إن تصريح بوتين أمام ريفلين بأنه أجرى اتصالاً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأنه سيستقبله قريباً في الكرملين، يشكّل مؤشراً إلى احتمالات التوصل إلى صفقة إسرائيلية - روسية بشأن حدود التنسيق الأمني في سورية أولاً، وحول قضايا وملفات سياسية أخرى. وأهم هذه القضايا اتفاق الطرفين على وجوب تحجيم الدور والانتشار الإيرانيين في الأراضي السورية بعد الانسحاب الروسي الجزئي المعلن من سورية، والتنسيق في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، وإضعاف الدور التركي الإقليمي، ما دام بمقدور إسرائيل الاستفادة من الأزمة الروسية التركية لصالح تعزيز مكانتها وعلاقاتها مع روسيا كوسيلة ضغط إضافية على تركيا للتخفيف من حدة المواقف التركية في كل ما يتعلق بملف المصالحة مع إسرائيل وشروط تركيا لهذه المصالحة.

اقرأ أيضاً: ريفلين يبحث مع بوتين "سورية ما بعد الحرب"

المساهمون