الشيخ مقصود في حلب... عيّنة لضرب الأكراد بالعرب

الشيخ مقصود في حلب... عيّنة لضرب الأكراد بالعرب

12 مارس 2016
من القصف الذي طاول الشيخ مقصود بحلب (فاليري شاريفولين/Getty)
+ الخط -
يتصدّر حي الشيخ مقصود ذو الغالبية الكردية في مدينة حلب (شمال سورية) واجهة الأحداث، إثر مقتل وإصابة عدد من قاطنيه منذ أيام بقصف صاروخي استهدف أحد أسواقه. وارتفعت حدة التوتر بعدما اتهمت وحدات "حماية الشعب" الكردية المسيطرة على الحي فصائل في المعارضة السورية المسلحة بالوقوف وراء هذا القصف، وهو ما نفته الأخيرة، مؤكدة أن قوات النظام القريبة من الحي جغرافياً، هي من قصفته متسببة بمقتل وإصابة مدنيين، في إشارة مبطنة من المعارضة إلى رغبة النظام القديمة ــ الجديدة بإثارة المزيد من الأزمات الإثنية بين العرب والأكراد في المنطقة، وهو ما نجح فيه منذ تولي حزب البعث السلطة في سبعينيات القرن الماضي.

ويُعد "الشيخ مقصود" حياً حديث النشأة على الأطراف الشمالية لمدينة حلب، وليس من الأحياء الراسخة في القدم في المدينة التي تعد أقدم المدن التي سكنها الإنسان عبر التاريخ. هو من الأحياء العشوائية في المدينة، وقد تكوّن خلال العقود الأخيرة من القادمين من قرى كردية تقع في محيط مدينة عفرين (أكبر تمركز للأكراد في المحافظة) شمال غرب حلب، ومن عين العرب شرقها، ومناطق سورية أخرى كمحافظة الحسكة (شمال شرق) البلاد.
يكتسب الحي أهمية استراتيجية من كونه يقع على تلة مرتفعة تطل على معظم أحياء حلب الغربية والشمالية. ويشرح الصحافي فراس ديبة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحي "ظل منذ بداية الثورة منطقة محايدة تعبر منه قوات النظام، وفصائل الجيش السوري الحر، حتى بدأت معركة تحرير مدينة حلب من قبل المعارضة المسلحة منتصف عام 2012 فانتشرت فيه وحدات الحماية دون قتال مع قوات النظام"، حيث يرى ديبة أن النظام قام بتسليم الحي للوحدات الكردية ــ الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي والمتهم بموالاة النظام، محتفظاً بالواجهة الجبلية المطلة على حلب الغربية، إلى أن سيطرت عليها المعارضة المسلحة في أوائل عام 2013.

اقرأ أيضاً: في حلب... أنين الحصار مستمر رغم الهدنة

حي الشيخ مقصود – وفق الناشط المدني إبراهيم مسلم، مقسم إلى جزأين: شرقي وغربي، إضافة إلى قسم عشوائي آخر يعرف بالشيخ معروف نسبة إلى مسجد داخله يحمل ذات الاسم، مشيراً إلى أن هناك منطقة تعرف بـ"حقل الرمي" بالقرب من حي الشيخ مقصود هي مكان إقامة عيد نيروز لدى الأكراد في 21 مارس/آذار من كل سنة. ويشير مسلم، السوري الكردي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الحي كان يضم نحو 300 ألف مدني، ولكن العدد تقلص إلى الثلث خلال سنوات الثورة بسبب نزوح وهجرة عدد كبير من سكانه، مشيراً إلى أن مئات المدنيين قتلوا في الحي بقصف من قوات النظام منذ بدء الثورة في مارس من عام 2011. وأعرب مسلم عن اعتقاده بأن النظام "يتفرج الآن" على الخلاف الكردي ــ العربي في الحي، وأنه يفتعل الخلافات بين الطرفين، مضيفاً أن النظام غير مرتاح لتقدم قوات "سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الأساسي، بينما المعارضة السورية ترى أن الأكراد يستغلون حربها مع قوات النظام للتقدم والاستيلاء على مناطق جديدة في حلب وريفها، وهذا ما يدفع ثمنه حي الشيخ مقصود فـ "الأوضاع هناك مأساوية".

من جهته، أوضح النقيب أحمد أمين ملحيس الناطق باسم جيش المجاهدين في حلب أن منطقة الشيخ مقصود تقع على تلة حاكمة لجميع الاتجاهات، مؤكداً أنها ليست محاصرة من قبل فصائل المعارضة السورية. ويوضح ملحيس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للحي مداخل على مناطق تقع تحت سيطرة النظام، بالتالي لا يُعد من المناطق المحاصرة. ويلفت ملحيس إلى أن الوحدات الكردية المتمركزة في الحي "تسعى لمحاصرة حلب من خلال إحكام السيطرة على الشريان الوحيد لمدينة حلب وهو طريق الكاستيلو الذي يفضي إلى مناطق المعارضة في ريف حلب الغربي". ويخلص إلى أن الحي في وضعه الراهن "يُعد خط دفاع عن قوات النظام المتمركزة داخل مدينة حلب، وخاصة في مناطق السريان، والسليمانية فيلات، والميدان، وسرية المداهمة، ومديرية الزراعة، ومديرية إكثار البذار، ومنطقة الخالدية". وعن أهمية حي الشيخ مقصود، يرى المتحدث أنه "لو كان الأمر بيد الثوار، لقاموا باقتحام ما بقي لدى النظام من أحياء في مدينة حلب انطلاقاً منه". لكن ملحيس يتوقف عند تفصيل مهم ألا وهو أن الحي يضم آلافاً من العرب إلى جانب الأكراد.

وتشهد العلاقة العربية الكردية في مدينة حلب وريفها حالات توتر واحتقان، وخاصة بعد تقدم القوات الكردية المسلحة التي تحارب تحت راية الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، أي "الاتحاد الوطني الكردستاني"، تحت غطاء ناري من الطيران الروسي باتجاه مناطق تحت إدارة فصائل المعارضة السورية، مثل تل رفعت ومحيطها. وفي حال واصلت هذه القوات مخططها بالسيطرة على طريق الكاستيلو، وهو منفذ المعارضة الوحيد من حلب إلى ريفها الغربي، فإن الأمور ستكون مرشحة للانفجار على صعيد أوسع مما هو الحال اليوم.

ولا يتردد المعارض السوري كردي رديف مصطفى، في اتهام النظام بالتعمد في خلق صراعات عرقية يكون وقودها الأكراد والعرب السنة تحديداً "للقضاء على الثورة" وفق تعبيره. ويعرب مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن النظام "نجح نسبياً في تحقيق هذا الهدف بالاعتماد على أدواته وحلفائه من كلا الطرفين".

لكنّ الصحافي فراس ديبة، وهو من أبناء مدينة حلب، يرى أن العلاقات بين العرب والأكراد "تاريخية"، بدليل المصاهرات المتبادلة، والشراكات في الأعمال، والتداخل في الأراضي والقرى والأحياء بين العرب والأكراد، مطمئناً إلى أن "التجاذبات السياسية، والمتاجرة باسم القومية، لن تفسد العلاقة بين العرب والأكراد".

اقرأ أيضاً: هدوء حذر بحلب وتجمّع "فاستقم" يتوعد الوحدات الكردية