عقبات التدخل بليبيا: تضارب مصالح وتوجّس من "خطوة ناقصة"

عقبات التدخل بليبيا: تضارب مصالح وتوجّس من "خطوة ناقصة"

09 فبراير 2016
تشديد أمني على الحدود من الجانب التونسي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يُهيمن الملف الليبي على جزء رئيسي من النقاشات في دوائر صنع القرار بعدد من الدول الغربية، ولا سيما مع تزايد المؤشرات حول احتمال حدوث تدخل عسكري أجنبي، يبقى توقيته والأطراف المشاركة فيه رهن التفاهمات بين الدول الأساسية المعنية بهذا الملف، ولا سيما بعد ما أظهرته الأيام الماضية من وجود صراع وتضارب مصالح. وما يؤكد هذا المعطى، الموقف الفرنسي الذي جاء على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس، خلال مشاركته في اجتماع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في روما الأسبوع الماضي، بقوله "إنه لا نية لفرنسا بالتدخل العسكري في ليبيا"، وهو ما فوجئ به الوسط السياسي والإعلامي.
ويرى مراقبون أن تصريح فابيوس مؤشر جدي على تضارب المصالح بين دول التحالف في ليبيا، معتبرين أن السبب يعود إلى عدم التوافق على شكل وأبعاد التدخل بين كل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا. ويلفت مطلعون على الشأن الليبي إلى وجود واقع تقليدي قائم في ليبيا منذ زمن الاستعمار قسّمها إلى مناطق نفوذ أجنبية، فالغرب الليبي منطقة نفوذ إيطالية وشرق البلاد منطقة بريطانية والجنوب يخصّ فرنسا، إلا أن باريس لا تريد الإبقاء على هذا الواقع حالياً، وتطمح للحصول على حصة أكبر، تمكّنها مستقبلاً من أداء أدوار عدة، بينها السياسية والأمنية والاقتصادية، وبحجة أنها قدمت أكثر من غيرها من الدول الأوروبية في ليبيا، وساهمت بشكل مباشر في إسقاط نظام معمر القذافي، وكونها كانت السبّاقة بالمطالبة بالتدخل.

اقرأ أيضاً: تحضيرات تونسية لمواجهة ارتدادات التدخّل المحتمل في ليبيا

وفي السياق، يرى مراقبون أنّ فابيوس أراد توجيه رسالة احتجاج إلى الولايات المتحدة الأميركية التي وقفت إلى جانب بريطانيا وإيطاليا، اللتين جهّزتا، بحسب بعض التسريبات، قوة من ألف جندي للأولى وخمسة آلاف للثانية. وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسي إلى وضع شرط بضرورة وجود حكومة شرعية تتحمّل المسؤولية السياسية في ليبيا قبل المشاركة في أي عملية عسكرية، على الرغم من أنّ فرنسا كانت من المنادين بسرعة التدخل وتحت شعار "مكافحة الإرهاب"، ومع علمها مسبقاً بعدم وضوح الرؤية الغربية لهذا التدخل العسكري.
وعما يحكى عن تراجع الولايات المتحدة عن القيام بمهمة كهذه والضغوط التي يتعرض لها الرئيس الأميركي باراك أوباما، يرى محللون أن للقوات الأميركية اليد الطولى في الملف الأمني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنّ هناك أسباباً سياسية بامتياز تدفعها لفرملة اندفاعتها، أهمها الصراع الداخلي الأميركي القائم بين معسكري الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أبواب الانتخابات الرئاسية (مقررة في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل). يُضاف إلى ذلك عدم رغبة الإدارة الأميركية الحالية بخوض حرب برّية خلال العام الأخير من ولاية أوباما. وبحسب بعض التحليلات، تحاول الولايات المتحدة اللعب على عامل الوقت وانتظار أوروبا لكي تأخذ المبادرة، كونها المتضرر الأكبر من الأزمة الليبية.
ولا يغفل مراقبون الإشارة إلى أن تدخل الغرب في العام 2011 وتركه ليبيا في حالة من الفراغ، نتج عنه نشوء مئات المليشيات المسلحة، وهو ما يدفع الدول الغربية إلى التركيز على وضع خطة تقوم على تقديم الدعم المالي والتدريب إلى الليبيين خشية أن تترك البلاد مجدداً للمجموعات المتشددة، ولا سيما بعد التقارير عن تزايد عناصر تنظيم "داعش" الذين يتواجدون في ليبيا.
وفي السياق، يرى خبراء أوروبيون أنّ الخطر يكمن في اتخاذ "خطوة ناقصة"، تزيد من حدة الانقسام بين المجموعات المسلحة على الأراضي الليبية. وعليه، وبحسب هؤلاء، يجب أن يكون هناك تواجد لقوات مشتركة من ليبيا مع أخرى عربية أو أجنبية بالتوازي مع بدء الضربات الجوية في حال حدوث التدخل. أما السبب في تفضيل هذا المسار، فيكمن من وجهة نظرهم، في قدرة "داعش" على التمدد إلى مناطق أخرى وربما إخضاعها لسيطرته، وخصوصاً في ظل تقارير تفيد بوجود خلايا تعمل لصالح التنظيم في عدد من المناطق الليبية، فضلاً عن استقرار منظمات متشددة من مالي ومصر ونيجيريا في ليبيا.
وعن حظوظ نجاح سيناريو كهذا، يعتبر مراقبون أن الولايات المتحدة وبريطانيا عوّلتا في الفترة السابقة على بعض المجموعات المسلحة الموجودة في طرابلس ومصراتة وسوّقتا لفكرة محاربة الإرهاب، وكانت لديهما تحفظات على قوات الجيش الليبي التابعة لمعسكر طبرق التي يقودها خليفة حفتر، إلا أنّ الانشقاقات بين قوات فجر ليبيا والتناحر بين المليشيات ونتائج اتفاق الصخيرات جعلت الولايات المتحدة وبريطانيا تتراجعان عن موقفهما السلبي من الجيش، والآن هناك تواصل مع القوات التابعة لمعسكر طبرق لاستلام المهمة، على حد قولهم. كما أن تشكيل حكومة جديدة ورفع حظر التسلح عن ليبيا سيساهمان في إيجاد هيكلية تعزز فكرة كيان الدولة من جديد، ما يساهم في تقليص وجود بيئة حاضنة للجماعات المتشددة في ليبيا، بحسب اعتقادهم.