رهان الاعتدال في أجواء الانتخابات الإيرانية

27 فبراير 2016
ارتفعت وتيرة الاقتراع تدريجياً (سكوت بيترسن/Getty)
+ الخط -

"الشباب غير متواجدين أصلاً في مراكز صنع القرار، وهم غائبون عن مجلس الشورى الإسلامي، وحتى عن مجلس خبراء القيادة، لكن مشاركة الشباب ضرورية، كون صوتهم سيذهب لمن سيركّز على مشكلاتهم، وعلى رأسها البطالة". عبارات كانت كافية بالنسبة للشابة الإيرانية، ميترا (20 عاماً)، لتبرير قرارها بالمشاركة للمرة الأولى في عملية التصويت في الانتخابات الإيرانية التي جرت أمس الجمعة.

بدأ الناخبون الإيرانيون بالتوافد منذ ساعات الصباح الأولى، إلى مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي بدورته العاشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة بدورته الخامسة. كما سجّل ارتفاع تدريجي في عدد الناخبين المشاركين في ساعات النهار، ليسجلوا نسب مشاركة مرتفعة دفعت السلطات إلى تمديد ساعات التصويت مرة تلو الأخرى.

وكانت صناديق الاقتراع قد فُتحت في الساعة الثامنة صباحاً حسب التوقيت المحلي، وذكرت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، أن "عدد الناخبين بلغ حتى الساعة الثالثة 17 مليوناً تقريباً"، وهؤلاء من أصل 54 مليون إيراني قادرين على المشاركة في عملية الاقتراع، حسبما ذكرت الداخلية الإيرانية في وقت سابق.

الإقبال كان لافتاً في بعض مراكز الاقتراع الموجودة في العاصمة الإيرانية طهران دون غيرها، ومنها "حسينية إرشاد"، والتي يقصدها عدد كبير من المسؤولين والمرشحين للإدلاء بأصواتهم، فضلاً عن تواجدها في شارع مكتظ قريب من شمالي العاصمة، وهو ما يجعلها محطة انتخابية يقصدها عدد كبير من الناخبين على اختلاف توجهاتهم. تواجد في هذا المكان وغيره، عدد لا بأس به من الإيرانيين من فئة الشباب، ولطالما كان هؤلاء من أصحاب المطالب الصعبة، وهم ممن يحتاجون لتشجيع حقيقي للتوجه نحو صندوق الاقتراع.

يقول أمير حسين وهو شاب في الثلاثينيات من العمر، أثناء انتظار دوره للوصول إلى الصندوق، إنه "سيصوّت للمرشحين في الانتخابات التشريعية ممن طرحوا أقوى الشعارات الاقتصادية"، مضيفاً أن "المواطن الإيراني معني بالفعل بانتماء المرشح السياسي، فلكل تيار وجهة نظره التي تحكم كل سياسات البلاد، وتنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين".

لم تختلف وجهات نظر هؤلاء المقترعين، عن وجهات نظر من هم أكبر سنّاً، ربما يميل الشباب الإيراني الذي يقطن المدن الكبرى أكثر نحو التيارات السياسية الأكثر انفتاحاً، لكن الجيل الأكبر ينظر أيضاً من زاوية العناوين الاقتصادية نحو المرشحين، خصوصاً أولئك المتقدمين للحصول على مقاعد البرلمان الجديد.

من جهتها، تلفت السيدة افتخاري، إلى أنها "ستختار من المرشحين من وعد وأوفى في تجارب سابقة"، في إشارة منها لتيار الاعتدال الذي يقوده الرئيس الإيراني حسن روحاني، مضيفة أن "ما يهمها كمواطنة إيرانية هو لمس نتائج إلغاء العقوبات المفروضة على البلاد، وتحقيق انعكاسات الأمر بشكل إيجابي وعملي على حياة المواطنين".
كما ترى سيدة أخرى تقف بالقرب منها، أن "الشعارات التي تتحدث عن ضرورة الانفتاح على الآخرين غير مجدية، فقد تم التوصل لاتفاق نووي، وألغي الحظر الاقتصادي بالفعل، لكن المواطن لم يلمس حتى الآن أي نتائج".

تلفت السيدة إلى أن "الغرب غير أهل للثقة وتاريخ العلاقات الإيرانية مع هذه الدول، لا سيما أميركا يثبت هذا الأمر"، وينمّ حديثها عن اقترابها أكثر من الرؤى الأصولية. أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران فؤاد إيزدي، فيرى أن "انتخابات الخبراء تكتسب أهميتها من هذه النقطة بالذات، فهذا المجلس هو المسؤول عن أكثر القضايا حساسية في البلاد، وهو ما يعطي هذه الانتخابات التي تتكرر مرة كل ثماني سنوات أهمية لدى الداخل والخارج على حد سواء".

يُردف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "قد بدا التنافس واضحاً بين المحافظين من جهة ومنهم رئيس لجنة صيانة الدستور أحمد جنتي ورئيس مجلس الخبراء الحالي محمد يزدي، والمعتدلين من جهة أخرى، ومنهم روحاني، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني".

يتابع إيزدي قائلاً إن "أهمية الانتخابات التشريعية هذه، تأتي من كونها الأولى بعد نجاح حكومة الاعتدال برئاسة روحاني، بالتوصل لاتفاق نووي مع الغرب، طال انتظاره كثيراً في الداخل، لجني ثمرات إلغاء الحظر الاقتصادي عن البلاد". يعتبر أن "احتمال نيل مرشحي الاعتدال والإصلاح الذين شاركوا في الاستحقاق التشريعي بقوائم مشتركة لغالبية أصوات الناخبين، يعني اعتراف الشارع الإيراني بإنجازات الاعتدال، وهو ما قد يعني احتمال نجاح روحاني بدورة رئاسية ثانية مستقبلاً".

اقرأ أيضاً الانتخابات الإيرانية اليوم: "المعيشة" في مواجهة "الأمل"

أما بحال فوز المحافظين بأغلبية الأصوات، وهم منافسون أشداء لا يمكن الاستهانة بهم، وهم من سيطروا على مقاعد مجلس الشورى لثلاث دورات متتالية، وما زالوا يحتلون مقاعد كثيرة في مراكز صنع القرار، فهذا يعني أن البرلمان الجديد سيكون برلماناً يقف بالمرصاد لكل خطط الحكومة المعتدلة وربما سيصعب عليها مهام الانفتاح على الآخرين.

وقد أظهرت استطلاعات رأي أولية تقدماً للمعتدلين من جهة، وللإصلاحيين أيضاً على قلة عددهم من جهة ثانية، وقد كان التحدّي الذي يواجه هؤلاء المرشحين هو تحقيق مشاركة كبيرة وجر مؤيديهم للصناديق، في وقت يتسم فيه مؤيدو المحافظين بالوفاء لرموز تيارهم، كما يشكلون نسبة لا يستهان بها في عدد من المناطق الإيرانية.

وبعيداً عن الشارع وعن ساحات التحليل، توافد المسؤولون الإيرانيون لصناديق الاقتراع لمنح أصواتهم لمرشحيهم، وكان أولهم المرشد الأعلى علي خامنئي الذي جدد دعوته في تصريحات نقلتها المواقع الرسمية للناخبين الإيرانيين للتوجه لصناديق الاقتراع، مركزاً على أن "الخارج ينظر عن كثب لانتخابات الداخل الإيراني"، ومعتبراً أن "المشاركة ستُشكّل حجر عثرة سيعيق مخططات أعداء البلاد"، حسب وصفه.
الرئيس حسن روحاني بدوره، وهو مرشح لانتخابات الخبراء، وداعم قوي لقوائم المعتدلين وحتى الإصلاحيين في الانتخابات التشريعية، أكد على تعامل المعنيين بأمانة مع أصوات المقترعين الإيرانيين، وذكر أن حكومته ستقبل وستحترم تركيبة البرلمان الجديد أيا كان شكله، وفد ظهر من خلال تصريحاته إدراكه لأهمية وحساسية هذه الانتخابات، في وقت يعد فيه البرلمان، الرقيب الأول على قرارات وخطط الحكومة.

من جهة ثانية، حرص المسؤولون المحسوبون على تياري الاعتدال والإصلاح، على الظهور أمام المواطنين في مراكز الاقتراع، إذ تواجدوا هناك منذ ساعات الصباح الأولى. كما ركزوا في تصريحاتهم المختصرة على ضرورة توجه الناخبين لهذه المراكز، فهم يعلمون أن الجمهور الداعم للتوجهات المعتدلة والإصلاحية قادر على قلب المعادلة حتى في اللحظات الأخيرة.

وتواجد كل من وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، وحتى حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني، المستبعد من سباق الخبراء، في حسينية جماران، القريبة جداً من مقر الإقامة السابق للإمام الخميني شمالي طهران، كما نقلت مواقع إيرانية أن الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي أدلى بصوته في ذات المكان.

وفي مراكز انتخابية أخرى تواجد عدد من المرشحين البارزين في السباق التشريعي، ومنهم رئيس لائحة الإصلاحيين محمد رضا عارف، ورئيس لائحة صوت الشعب علي مطهري، وهي لائحة مركبة من وجوه معتدلة من التيار المحافظ ووجوه محسوبة على الإصلاحيين، فتوجه هذان الاثنان لمركز حسينية إرشاد.

بينما اقترع البعض الآخر في أماكن إقامتهم بحسب مواقع أخرى، ومنهم مهدي هاشمي، نجل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي أدلى بصوته من سجن ايفين، فهو يقضي عقوبة بالسجن هناك بسبب قضايا اقتصادية، فضلاً عن المرشح الرئاسي الإصلاحي السابق مهدي كروبي، وهو أحد رموز الحركة الخضراء الذي اقترع من منزله حيث يخضع للإقامة الجبرية.

ويبدو أن دعوات المسؤولين للمشاركة في هذين الاستحقاقين الانتخابيين قد لاقت صداها في الشارع الإيراني، الذي انتظر الاتفاق النووي طويلا، كما يبدو أن شريحة منه وهي الشريحة الداعمة للإصلاحيين بدأت تستعيد بريق الأمل، وهذا منذ غياب سياسييهم عن الساحة عقب احتجاجات عام 2009، والفضل يعود لصعود الاعتدال في الداخل حسب المراقبين.

اقرأ أيضاً: نسبة الاقتراع... التحدّي الرئيسي للانتخابات الإيرانية

المساهمون