مطالب السعودية واضحة لبنانياً ولا أوراق بيد 14 آذار

مطالب السعودية واضحة لبنانياً ولا أوراق بيد 14 آذار

25 فبراير 2016
تعتبر السعودية أن "لبنان واقع تحت الوصاية الإيرانية"(العربي الجديد)
+ الخط -

طرحت الخطوات السعودية التصعيدية في لبنان، والتي دُعمت خليجياً، من الإمارات والبحرين والكويت وقطر، الكثير من الأسئلة حول مستقبل لبنان، في ظلّ فراغ رئاسي مستمر، وأزمة سياسية خانقة، لا يبدو بأنها ستفضي إلى نتيجة في المدى المنظور، وسط مخاوف انهيار الوضع السياسي في لبنان، والذي قد يجرّ عليه نتائج سلبية لا يمكن التنبؤ بها.

السعودية، التي أوقفت هبتها المالية للجيش اللبناني، وقوى الأمن، والتي تبلغ أربعة مليارات دولار، لم تلقَ حجراً في "مياه راكدة"، ولكنها زادت من اضطراب محيط هائج. الرياض بررت خطواتها التصعيدية، بإيقاف الدعم المالي، بشق لبنان لـ "الإجماع العربي"، وذلك بعد رفض الحكومة اللبنانية إدانة الاعتداءات على المقرات الدبلوماسية السعودية في إيران، في جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. اعتُبر هذا على نطاقٍ واسع، سعودياً، بمثابة انحياز لبناني إلى إيران، غير مشمول بما تدّعيه الدولة اللبنانية من التزام لسياسات الحياد في القضايا الإقليمية.

يعيد الكاتب الأكاديمي، خالد الدخيل، استياء السعودية من لبنان، لعدة عوامل، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الرياض مستاءة من تصعيد حزب الله ضدها أخيراً، فمنذ حرب اليمن و(الأمين العام لحزب الله) حسن نصر الله بات أكثر جرأة ضد السعودية. يضيف الدخيل "السعودية مستاءة أيضاً من الفراغ الرئاسي الذي سببته إيران عن طريق حزب الله، فالسعودية قدّمت تنازلاً بألا يكون المرشح الرئاسي من 14 آذار، وأن يكون من جماعة حزب الله، لكن الأخير رفض". باعتبار أن أبرز المرشحين للرئاسة في لبنان، هما ميشال عون، وسليمان فرنجية، وكلاهما من معسكر 8 آذار، وجاء ترشيح الأخير من زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، أحد أهم حلفاء السعودية في لبنان. ومن هنا ترى الرياض، وفقاً للدخيل، بأن "كل التنازلات التي قدمتها في لبنان لم تؤد إلا لزيادة نفوذ حزب الله وشرعنة هيمنته على الدولة".

يطرح الدخيل مسألة "تمسك حزب الله بالفراغ الرئاسي" ويتساءل حول علاقة هذا بمحاولة "إعادة صياغة الميثاق الوطني في لبنان، ومراجعة اتفاق الطائف باعتبار صلاحيته قد انتهت". يؤكد أن "استبدال اتفاق الطائف يعني دخول إيران على الخط في استبدال النظام السياسي في لبنان".

اقرأ أيضاً: الإجراءات الخليجية ضد حزب الله قد تقود لمواجهة مفتوحة

يُرجع الدخيل التوتر السعودي من لبنان إلى "إدراك الرياض خطورة حزب الله في لبنان وسورية، بحيث أمسك بالأوضاع في لبنان إلى درجة التحكم بالدولة". يضرب أمثلة بمواقف لبنان في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى تحول حزب الله "لمصدر تهديد"، على ما يقول، ويردف "حزب الله لم يختطف القرار اللبناني وحسب، بل تحول لقوة إقليمية مؤثرة كما في سورية". أما عن المتوقع مستقبلاً من السعودية، تجاه لبنان، يعتبر الدخيل أن "خطوات السعودية المقبلة تعتمد على ما يفعله الطرفين في لبنان، 14 آذار و8 آذار"، من دون أن يذكر تفاصيل هذه الخطوات.

يضع الدخيل المواقف السعودية تجاه لبنان، باعتبارها محاصرة لحزب الله "ووضعه في الزاوية" وهي سلسلة من عدة قرارات سعودية، شملت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والتهديد بإرسال قوات برية إلى سورية. وهي أتت ضمن محاولة الرياض "مواجهة حقيقة الدور الإيراني في المنطقة كما هو، بشكل مباشر، ودون مداراة" بحسب الدخيل.

قد يبدو ما تريده السعودية من لبنان بسيطاً وواضحاً، ويُمكن تلخيصه بـ"إنهاء هيمنة حزب الله على قرار الدولة اللبنانية". مع العلم أن السعودية حاولت، وعلى مدى سنوات، تقليص هيمنة حزب الله على الدولة، من خلال دعم مؤسساتها، والمؤسسة العسكرية تحديداً، التي يمكن أن تكون، نظرياً، ضمانة لتهدئة الأوضاع في لبنان، واستقرارها. لكن ما حدث، وبعد سنوات من دعم مؤسسات الدولة، بأن هذا الأمر لم يحدث، بل على العكس، زادت هيمنة حزب الله على مؤسسات الدولة، وبدأت بتبني مواقف، وجدتها الرياض مستفزة، ومنحازة للطرف الإيراني، الذي تعتبر الرياض نفسها في مواجهة مفتوحة مع نفوذه في المنطقة.

لا يبدو أن لبنان قادر، وفق المعطيات الحالية، على تلبية الحد الأدنى مما تريده السعودية هناك. فليس من المتوقع انتخاب رئيس جمهورية قريب من 14 آذار، وقد عطل الحزب انتخاب رئيس من معسكره، وفق اقتراح بعض أطراف 14 آذار. كما أنه من غير المتوقع أن يصبح هناك تحوّل في الموقف الرسمي اللبناني، تجاه طهران، وسط التناقضات في استقبال القرار السعودي، بين رئيس الوزراء سلام تمام، المنحاز للسعودية، الذي حاول لملمة الموقف، وبين وزير الخارجية، جبران باسيل، الذي قلل من أهمية "الإجماع العربي".

من الصعب أن تدفع 14 آذار، باتجاه تغييرات حقيقية على مستوى الدولة في لبنان، تجعلها أقل انحيازاً لإيران، في ظلّ وجود قوة سياسية رافضة لهذا التوجه، 8 آذار، مدعومة بترسانة عسكرية تتفوق حتى على سلاح الجيش اللبناني، وهي ترسانة حزب الله، التي بناها بدعم إيراني خلال عقود. لذا فمن غير المتوقع أن يؤدي الضغط السعودي على لبنان، إلى اتخاذ 14 آذار خطوات تصعيدية ضد حزب الله، فلا أوراق بيد مناهضيه.
التجربة تقف ضد 14 آذار أيضاً، إذ أن أي تصعيد حقيقي ضد حزب الله سيتحوّل لمواجهة مسلحة، لا يمكن لـ 14 آذار حسمها لصالحها. كما حصل في أحداث 7 مايو/أيار 2008، حين عطل حزب الله، بقوة السلاح، قراري مجلس الوزراء اللبناني، بإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، العميد وفيق شقير، المقرّب من حزب الله، كما عطل قرار تفكيك شبكة الاتصالات التابعة للحزب. بالتالي فإن أي تصعيد من قبل خصوم حزب الله، سيكون فاشلاً جداً.

السعودية بيدها خيار آخر للتصعيد في لبنان، من بوابة اقتصادية، وهذا مرجح. إذ تساهم الأموال السعودية في استقرار الاقتصاد اللبناني، وسحب الودائع السعودية، واستثماراتها، سيؤدي إلى كارثة اقتصادية في بيروت. الإشكال في هذه الخطوة، أنها لن تؤثر على حزب الله بشكل كبير، فالحزب صنع خلال عقود اقتصادا موازيا لاقتصاد الدولة، على غرار صناعته لجيش وأجهزة أمنية، وخدمات اجتماعية موازية، تجعل مصطلح "دولة داخل الدولة" ليس وصفاً استعارياً عند الحديث عن الحزب. وأي تصعيد اقتصادي محتمل من الرياض في بيروت، سيؤدي إلى كارثة للدولة اللبنانية والشعب، الذي لا يبدو أن بيده الكثير ليفعله، في مواجهة سياسييه، في مقابل عدم تأثر حزب الله، إلا في حال توجيه هذا الحصار الاقتصادي إلى رجال أعمال قريبين من الحزب، ويعملون في الخليج، وهنا يمكن القول إن الخطوات التصعيدية الاقتصادية ممكنة ضد الحزب، لكنه يعتمد بطبيعة الحال على طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي تمتلكها السعودية، ودول الخليج، لمحاصرة استثمارات الحزب.

اقرأ أيضاً: قطع الدعم العسكري السعودي عن لبنان... بلا رسائل لمصر 

المساهمون