لاجئو ريف حلب على حدود الحياة في بيوت الدواجن

لاجئو ريف حلب على حدود الحياة في بيوت الدواجن

13 فبراير 2016
النازحون يرزحون في ظل ظروف إنسانية مأساوية (فاتح أكتاش/الأناضول)
+ الخط -
لا يزال المئات من المدنيين السوريين الهاربين من قصف الطيران الروسي في ريف حلب الشمالي يتوافدون بشكل يومي إلى معبر باب السلامة الحدودي، لينضموا لأكثر من مائة ألف آخرين مكدّسين هناك، يفترشون الأرض بانتظار قرار من السلطات التركية يسمح لهم بالعبور إلى الأراضي التركية. في المقابل، تنقل عشرات الحافلات يومياً المئات الآخرين إلى ريف إدلب عبر عفرين، بعدما سمحت "وحدات حماية الشعب" الكردية لنازحي ريف حلب الشمالي بالتوجه نحو عفرين.

اقرأ أيضاًالاستراتيجية الروسية في سورية: التفاوض في الميدان

محمود العلي (أبو خالد)، رجل خمسيني هرب مع أسرته المكوّنة من تسعة أشخاص، إضافة إلى أولاد ابنه الأربعة، والذين قتلت أمهم نتيجة القصف، فيما لا يزال أبوهم مرابطاً على جبهات القتال في ريف حلب الشمالي. وتمكّن من إيصالهم سالمين إلى الحدود التركية التي لا تزال مغلقة في وجههم. لكن يُسمح للمنظمات الإغاثية بتقديم ما تيسر من الخدمات في أماكن تواجد النازحين على الجانب السوري من الحدود.

ينظر الشيخ إلى السماء محاولاً حبس دموعه "ليس لنا إلا الله هو من يشعر بحالنا". ويحاول أن يبدو متماسكاً أمام أولاده وأحفاده المتجمهرين حوله فيعدل من جلوسه على صخرة وضعها بالقرب من "شاحنة صغيرة بثلاث عجلات" خاصة به، تحمل ما استطاعت حمله من متاع العائلة أثناء هروبها. يقول "أنا أعتبر من الناس المحظوظين كوني أمتلك هذه الشاحنة التي سهلت عليّ عملية الهرب ونقل بعض الأغطية، ولكننا كما ترى نعيش في العراء".

ويتابع العلي "لم نكن لنتوقع ضمن أسوأ السيناريوهات التي كنا نتخيلها أن نصل لهذه الحالة من المعاناة وفقدان كل مقومات الحياة. على الرغم من تأقلمنا مع ظروف الحرب، إلا أننا كنا نعيش في بيوتنا، فيما نحن الآن مركونون هنا وسط ظروف جوية لا تحتمل، إذ لا نعرف كيف نتدبر أمورنا حتى على مستوى قضاء الحاجات الشخصية".

وتقاطع أم خالد زوجها بصوت أكثر حدّة لتتساءل "هل ستتاجرون بنا عبر الإعلام كما يتاجر بنا الجميع؟ نحن نبيت في العراء ونمشي مسير خمس دقائق لنصل إلى دورة مياه لقضاء حاجاتنا، وهذا الأمر هو الأكثر تأثيراً على نفسيات النساء".

مضى أكثر من عشرة أيام على أزمة عشرات آلاف المدنيين السوريين الذين اضطروا للنزوح من مدنهم وبلداتهم وقراهم شمال حلب، حيث بدأت الأزمة تأخذ أبعاداً أكثر مأساوية في ظل تزايد الأعداد بشكل يومي. ومع تقدم الوقت، باتت الحاجة ملحة لتأمين أبسط مقومات النظافة لتفادي الإصابة بالأمراض، خصوصاً بين الأطفال.

وقام محافظ مدينة كيليس التركية المقابلة لمعبر باب السلامة بزيارة للنازحين على الجانب السوري، وأكد لوسائل إعلامية أن عدد النازحين إلى المعبر قد وصل إلى حدود المائة ألف نازح على معبر باب السلامة.

يأتي هذا في حين اتجه آلاف النازحين إلى ريف حلب الغربي، بعدما سهلت "وحدات حماية الشعب" الكردية مرورهم، في خطوة عدّها مراقبون أنها تتقاطع مع مصلحة الوحدات في إفراغ المنطقة من مكونها العربي والتركماني كونها تساعد في عملية التغيير الديموغرافي في المنطقة.

وبين الناشط الإعلامي مجاهد أبو الجود، لـ"العربي الجديد"، أن هناك نحو خمسين ألف نازح جديد هربوا إلى معبر باب السلامة خلال حملة النزوح الجديدة في الأيام القليلة الماضية، موضحاً أن 16 ألف مدني منهم تم توثيقهم بالاسم عند نقطة طارق بن زياد في معبر باب السلامة.

وأضاف أبو الجود "لا تزال عمليات النزوح تجري بشكل يومي ولكنها تأخذ منحيين: هناك موجات نزوح من ريف حلب الشمالي باتجاه معبر باب السلامة، وهناك حملة نزوح عكسية من معبر باب السلامة باتجاه ريف حلب الغربي". وأشار إلى أنّ الكثير من العائلات فقدت الأمل بفتح الحدود، ولم تعد تحتمل ظروف الحياة على المعبر، فنزحت إلى ريف حلب الغربي بعدما وقع مجلس محافظة أعزاز اتفاقية مع الوحدات الكردية، تقضي بالسماح بمرور المدنيين ضمن حافلات يسيرها مجلس المحافظة من أعزاز شمالاً حتى دارة عزة في ريف حلب الغربي.

وعن الأوضاع الإنسانية للنازحين، قال أبو الجود إن الوضع كارثي حتى الآن، وبعد أكتر من أسبوع من حملة النزوح، هناك مئات العائلات بلا خيم، وتأمين المرافق الصحية والأدوية أصبح من الأمور الثانوية قياساً بنقص الخيم والأغطية. ومن حصل على فرصة الحصول على مكان في خيمة قد يضطر لافتراش الأرض بسبب عدم وجود فرش أو أغطية.

ويعمل عدد من المنظمات الإنسانية، كل حسب اختصاصها، على تأمين ما أمكن للنازحين كمنظمة "ميديكال ريليف" ومنظمة "سيريا ريليف" ومنظمة "IHH التركية". إلا أن هذه المنظمات تقول إنها لا تمتلك القدرة على استيعاب الأعداد الهائلة من النازحين.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في طريقة التعامل مع النازحين، تم نصب العشرات من الخيم الضخمة التي تشبه البيوت البلاستيكية أو "هنغارات المداجن" أو بيوت العزاء، وتم وضع بين 30 إلى 40 شخصاً في كل خيمة، ضمن ما سمي بالخيم الجماعية، حيث تم عزل الرجال والشباب بخيم لوحدها، والنساء والأطفال الصغار بخيم أخرى، وتم فرش أرض تلك الخيم بالحصى. لكن معظم الناس لم يستلموا فرشاً أسفنجية، ما يضطرهم للنوم على الحصى، ويبقى المحظوظ من استطاع الحصول على بطانية يضعها تحته.

تقول أم إبراهيم؛ وهي نازحة خمسينية من مدينة تلرفعت: "حصلت على مكان في خيمة جماعية، مع نحو خمسين امرأة وطفلاً آخرين، وكأننا ضمن بيت للدواجن، مع فارق أن الدجاج تؤمن لها التدفئة التي تمنع عنها الأمراض، فيما نحن نعيش أقسى الظروف الجوية، والمعيشية".

وتضيف أم إبراهيم "أنا معتادة أن أصلي الصبح كل يوم لكنني هنا في الخيمة الجماعية أستيقظ وقت الصلاة، ولا أستطيع أداءها؛ فالمياه باردة لدرجة لا تطاق. كما أنني وعائلتي لم نتمكن من الاستحمام منذ أكثر من عشرين يوماً، أي قبل نزوحنا بأسبوعين بسبب القصف وانعدام الماء وتعطل شبكة الصرف الصحي".

وكان شمال حلب قد شهد أكبر موجة نزوح جماعي للسوريين منذ بدء الثورة بسبب غارات الطيران الروسي، لتمهيد الطريق أمام قوات النظام ومليشياته للتقدم باتجاه بلدتي نبل والزهراء المواليتين، واللتين تقعان إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 20 كيلومتراً ومن أجل السيطرة على ريف حلب الشمالي وفصله عن ريفه الشرقي وعن محافظة إدلب.

اقرأ أيضاً: نزوح حلب.. الكارثة تطال من كانوا صامدين