فتاوى الحاخامات تؤجج الإرهاب الصهيوني الديني

فتاوى الحاخامات تؤجج الإرهاب الصهيوني الديني

10 اغسطس 2015
يعتبر مستوطنو الضفة الغربية الشريحة الأكثر تطرفاً(Getty)
+ الخط -
تؤدي البيئة الدينية والتعليمية والثقافية دوراً مهماً في إيجاد أرضية مناسبة لتنامي التنظيمات الإرهابية اليهودية في إسرائيل. فقد أفضى تفرغ عدد من كبار الحاخامات لمهمة التأصيل "الفقهي" لما يتوجب أن تكون عليه العلاقة مع الفلسطينيين خصوصاً، والعرب عموماً، إلى صدور عدد كبير من الفتاوى التي تحث على القتل والتدمير والتخريب. 

وعلى الرغم من أنه قد مضى أكثر من 67 عاماً على إعلان إسرائيل، فإن الفتاوى التي يصدرها الحاخامات لم تؤثر على الفضاء العام بشكل طاغ، إلّا في العقدين الأخيرين، لا سيما مع تعاظم تأثير التيار الديني على نظام الحكم ومؤسسات الدولة المختلفة. ونظراً لأن عناصر جميع التشكيلات الإرهابية التي انطلقت في إسرائيل، منذ ثمانينيات القرن الماضي، هم من المتدينين المتزمتين، فقد اكتسبت فتاوى الحاخامات أهمية خاصة في رفد الشباب اليهودي للانضواء تحت إطار التشكيلات الإرهابية.

وقد بدا واضحاً أن هذه الفتاوى قد تركت أثرها على أنشطة التشكيلات الإرهابية ووسائل عملها. ويمكن القول، إنّ إقدام الخلية الإرهابية التي أحرقت الرضيع علي دوابشة وعائلته، قد تأثرت بكتاب "شريعة الملك"، الذي أصدره الحاخام إسحاق شابيرا عام 2009، والذي يعد أهم مصنّف فقهي، تضمّن تأصيلاً للعمليات التي يجوز لليهود القيام بها في حروبهم ضد "الأغيار". وقد بذل شابيرا جهداً كبيراً في استنباط المسوغات الدينية التي تبيح لليهود قتل الأطفال الرضع من غير اليهود، في حال تطلبت المصلحة اليهودية ذلك. ومما يفاقم من تأثير هذه الفتاوى، حقيقة أن الحاخامات الذين يصدرونها، في احتكاك دائم ويومي بمجموعات كبيرة من الشباب اليهودي المتدين، من خلال إدارتهم المدارس الدينية، لا سيما في مستوطنات الضفة الغربية، التي يعتبر طلابها "الشريحة الأكثر تطرفاً من بين المستوطنين".

فعلى سبيل المثال، يعد طلاب مدرسة "عود يوسي فحاي"، المقامة في مستوطنة "يتسهار"، القريبة من مدينة نابلس، والتي يديرها شابيرا، من النواة الصلبة لما يعرف بـ"فتية التلال". ويضم هذا التنظيم الفضفاض عدداً كبيراً من الشباب المتدين، الذي أخذ على نفسه في البداية السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وتدشين نقاط استيطانية من دون الرجوع إلى الجيش والحكومة الإسرائيلية. وبعد ذلك، انتقل إلى تنفيذ جرائم "شارة ثمن"، التي تستهدف المساجد والكنائس.

اقرأ أيضاً: الانتخابات الإسرائيلية: تحريض ضد الفلسطينيين لرفع التصويت اليهودي

وقد كشفت صحيفة "هارتس"، أخيراً، النقاب عن أن لدى الجيش الإسرائيلي معلومات استخباراتية، تؤكد أن الحاخام شابيرا ومن يعاونه من حاخامات في إدارة المدرسة، يحرضون الطلاب على الاعتداء على العرب. وبحسب الصحيفة، فإنه على الرغم من فتاوى شابيرا وتحريضه الصريح على القتل، فإن الحكومة الإسرائيلية تواصل تقديم الدعم للمدرسة، التي يديرها.

اللافت أن المرجعيات الدينية لم تعد تتردد في إبداء احتفائها بالجرائم التي ينفذها الإرهابيون اليهود، إلى درجة أن عضو مجلس الحاخامية الكبرى، والحاخام الأكبر لمدينة "كريات موتسكين"، مئير دروكمان، طالب بمنح "جائزة إسرائيل"، التي تعتبر أهم الجوائز في إسرائيل، إلى تنظيم "لاهفا"، الذين يشن هجمات إرهابية على الفلسطينيين.

ونقلت صحيفة "هارتس"، في عددها الصادر في 14 يناير/كانون الثاني الماضي، عن دروكمان قوله، إن ما تقوم به "لاهفا" يعد عملاً مقدساً يستحق التقدير وليس العقاب. ونظراً للتداعيات البالغة الخطورة التي يمكن أن تتسبب فيها الفتاوى، فقد حذّر الكاتب الإسرائيلي، بن كاسبيت من اندلاع مواجهة مع العالم الإسلامي بسبب هذه الفتاوى.

وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، في عددها الصادر في 27 يوليو/تموز الماضي، يشير كاسبيت إلى أن الحاخامات يرون أنّ تدمير المسجد الأقصى، هو الذي سيفضي إلى اندلاع حرب "يأجوج ومأجوج"، والتي تسبق بناء الهيكل، والذي يسبق في حد ذاته نزول "المخلص المنتظر". ويشدد كاسبيت على أن المرجعيات الدينية تسهم في استدعاء حرب دينية طاحنة. من هنا، لم يكن مستهجناً أن يجزم رئيس الكنيست الأسبق، إبراهام بورغ، وهو متدين، في مقال نشرته هارتس من أن فتاوى الحاخامات تؤسس لصدام الحضارات.

في الوقت ذاته، فقد أسهمت التحولات التي أدخلتها الحكومات اليمينية على مناهج التعليم، لا سيما زيادة الساعات المخصصة لدراسة اليهودية، في انقياد النشء اليهودي للتفسيرات الأكثر تطرفاً للتوراة والتلمود. وعلى الرغم من انتماء وزير التعليم السابق، الحاخام شاي بيرون إلى حزب "ييش عتيد"، الذي يمثّل الوسط، فإنّ فترة تولّيه الوزارة شهدت تحولاً كبيراً في جرعة المواد الدينية التي يتلقاها الطلاب في مختلف المراحل التعليمية. وقد أمر بيرون بتطبيق برامج غير منهجية تساعد على إقناع الطلاب العلمانيين بالتدين، عبر إقامة كنائس ومعابد داخل المدارس، ناهيك عن فتح أبواب المدارس أمام الحاخامات المتطرفين لالقاء الدروس وللتعريف بالدين.

وعلى ما يبدو، فإنّ وزير التعليم الحالي، نفتالي بينيت، أكثر حماسة من سلفه لانكشاف الطلاب اليهود أمام النصوص الدينية. فقد ذكرت "هارتس"، في عددها الصادر بتاريخ 26 يوليو/تموز الماضي، أن بينيت، الذي يرأس حزب "البيت اليهودي" المتدين، قرّر إعطاء دروس عن الديانة اليهودية للطلاب يومياً. وبحسب الصحيفة، فإنّ عدد الساعات المخصصة لتعليم التوراة، سيكون أكبر من عدد الساعات المخصصة لتعليم الرياضيات والإنجليزية. مع العلم، أن هذا القرار سيطبق على المدارس العلمانية أيضاً.

وممّا لا شك فيه أن تكثيف جرعة الدروس الدينية لطلاب المدارس، تجعلهم أكثر اهتماماً بفتاوى الحاخامات، ومن ضمنها الفتاوى التي تحث على القتل. تأتي المفارقة، أنه في الآونة الأخيرة، شهدت منح المرجعيات الدينية المتطرفة الفرصة للتأثير على الفضاء الثقافي العام. فقد كشفت صحيفة "هارتس"، في عددها الصادر في 14 مايو/أيار الماضي، النقاب عن أنّ 80 في المائة من الأنشطة التثقيفية التي يتلقاها جنود الجيش الصهيوني، تقدّمها حاخامات وجماعات دينية متطرفة، لا تخضع للحاخامية العسكرية. ونوّهت الصحيفة إلى أن هذه الجماعات باتت تقوم بالدور الذي يقوم به قسم التثقيف في الجيش.

اقرأ أيضاً: حراك فلسطيني دولي لكشف ممارسات المستوطنين الإرهابية