المنطقة الخضراء لم تعد حصناً للمسؤولين العراقيين

المنطقة الخضراء لم تعد حصناً للمسؤولين العراقيين

29 اغسطس 2015
أُغلقت المنطقة الخضراء بوجه المواطنين منذ 12عاماً(فرانس برس)
+ الخط -
في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، أمر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس الجمعة، بفتح مداخل المنطقة الخضراء، أكثر المناطق تحصيناً منذ الاحتلال الأميركي للعراق، أمام جميع المواطنين، في قرار لم يخل من الرسائل السياسية في خضمّ الإصلاحات السياسية والقضائية والأمنية التي تتوالى. 
وقبيل ساعات من التظاهرات الشعبية التي شهدتها البلاد، أمس، وجّه العبادي الفرقة الخاصة المكلّفة بحماية المنطقة الخضراء وقيادة عمليات بغداد بإجراء الترتيبات اللازمة لفتح المنطقة الخضراء أمام جميع المواطنين خلال الفترة المقبلة، داعياً في بيان له، إلى إزالة الحواجز وفتح جميع الشوارع والطرقات التي قُطعت بسبب وجود المسؤولين والسياسيين فيها.

وكان قد تمّ قطع الطرق المؤدية إلى هذه المنطقة المهمة من بغداد وتحويلها إلى ثكنة عسكرية تضمّ مقرات حكومية وعسكرية لا يسمح لأحد بدخولها إلّا بعد حصوله على ترخيص دخول خاص، بتوقيع قادة القوة الخاصة المكلّفة بحماية المنطقة المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء السابق، نائب رئيس الجمهورية المُقال حالياً، نوري المالكي. 
ويلفت مصدر في قوة حماية المنطقة الخضراء لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عدداً من المسؤولين الذين يسكنون في المنطقة الحكومية المحصّنة سارعوا إلى إخراج أسرهم من المنطقة بعد ساعات على قرار العبادي"، مبيّناً أنّ "بعض المسؤولين الذين هرّبوا أسرهم مدانون بقضايا فساد، ويخشون من وصول التظاهرات إلى مداخل المنطقة وانقطاع منافذ الهروب".

اقرأ أيضاً: رئيس الحكومة يأمر بفتح المنطقة الخضراء أمام المواطنين

ويوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ المفارز ونقاط التفتيش المسؤولة عن دخول وخروج المسؤولين والعاملين في المنطقة، لم تتسلّم إلى غاية الآن قوائم بأسماء المطلوبين للقضاء، مشيراً إلى وجود عشرات المطلوبين الذين وردت أسماؤهم بتهم جنائية وقضايا فساد في منازلهم داخل المنطقة الخضراء، بانتظار ورود مذكرات القبض لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.

وتقع المنطقة الخضراء، التي قامت القوات الأمنية بإخلاء الطرق المؤدية إليها، في حي كرادة مريم الراقي، وسط بغداد، على مساحة 10 كيلومترات. أنشئت المنطقة بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى العراق في العام 2003، لتضم مقرات رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان والمؤسسات السياسية والأمنية الأخرى المهمة المرتبطة بالحكومة، فضلاً عن مقر كبير للسفارة الأميركية وبعض سفارات الدول الأخرى ومبانٍ لمنظمات عربية وأجنبية.

تشمل المنطقة حي التشريع الذي يضم أهم قصور الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، كالقصر الجمهوري وقصر السلام. وتتعرض المنطقة إلى استهداف متواصل من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بالصواريخ وقذائف الهاون، وقبله تنظيم "القاعدة" والجماعات المسلحة الأخرى التي رفعت شعار "مقاومة الاحتلال".
وكانت أعنف تلك الهجمات، التفجير الذي استهدف مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء، ووُجّهت أصابع الاتهام فيه إلى سياسيين عراقيين من داخل البرلمان وخارجه.
وقد خضعت المنطقة الخضراء لحصار خانق من قبل القوات الخاصة المكلّفة بحمايتها خلال 8 سنوات من حكم المالكي، وتم التضييق على منافذها، وفُرضت إجراءات تفتيش معقّدة على الموظفين العاملين في مؤسساتها. واتُّهمت مليشيات مرتبطة بالمالكي بسرقة مخازن للأسلحة تقع داخل المنطقة المحصنة، ونقلها إلى مكان مجهول في شهر يونيو/ حزيران الماضي.
في غضون ذلك، لاقت خطوة العبادي بفتح مداخل المنطقة الخضراء أمام المواطنين ترحيباً من الناشطين الذين وصفوها بـ"الجريئة".
يقول أحد قادة الحراك المدني، سلوان الربيعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جرأة العبادي بفتح المنطقة التي يختبئ فيها بعض المسؤولين، ستطيح بالعديد من رؤوس الفساد"، داعياً إلى فتح المنطقة بشكل فوري وتفعيل الأوامر القضائية بحق المسؤولين الفاسدين والمقصّرين والمتسببين بسقوط الموصل ومقتل المئات من الشباب العراقي في مجزرة "سبايكر" في محافظة صلاح الدين، وعدم الاكتفاء بالإيعاز للسلطات المعنية بإجراء الترتيبات اللازمة لفتحها.

بدوره، يشيد عضو تجمع "بيارق العراق"، أحمد علون، الذي يشارك في التظاهرات المندّدة بالفساد منذ أسابيع، بـ"سياسات الحكومة العراقية التي طبّقت الإصلاح حتى على نفسها". ويشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "القرارات الشجاعة للعبادي أطاحت بأكبر ستة رؤوس للفساد في العراق، المتمثلة بنواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، وأثارت الرعب في نفوس المتورطين بسرقة ثروات الشعب خلال السنوات الماضية، سواء كانوا في الحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية".

من جهته، يؤكد المحلل السياسي، إحسان السعدي، أن قرار رئيس الحكومة فتح مداخل المنطقة الخضراء المحصّنة أمام العراقيين يشير إلى أن الإصلاحات تسير بالاتجاه الصحيح، مبيّناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "أحزاب السلطة حوّلت كرادة مريم (المنطقة الخضراء) إلى قلعة لا يمكن لأحد دخولها أو حتى المرور إلى جانبها".

ويوضح السعدي أنّ "المنطقة التي عُزلت وأغلقت منذ 12 عاماً، تحوّلت إلى بؤرة للفساد أطاحت بالاقتصاد العراقي، كما أنّ المؤامرات التي دامت طوال تلك الفترة، مكّنت قادة التيارات السياسية الفاسدة وأعضائها من حكم البلاد بالعنف والوعود الكاذبة"، لافتاً إلى أنّ العبادي يمتلك اليوم فرصة تاريخية لتصحيح أخطاء الماضي والسير في البلاد بالاتجاه الصحيح، على حد قوله.

اقرأ أيضاً: تظاهرات واسعة ببغداد... وإغلاق "المنطقة الخضراء"

المساهمون