حرب زعامات داخل "طالبان": 3 فرق تتنازعها وتهدّد وحدتها

حرب زعامات داخل "طالبان": 3 فرق تتنازعها وتهدّد وحدتها

28 اغسطس 2015
يعتزم الملا منصور إصدار فتوى ضد معارضيه(فرانس برس)
+ الخط -
تزداد حدّة الخلافات داخل حركة "طالبان في أفغانستان، بعد مرور شهر تقريباً على إعلان وفاة زعيمها، الملا عمر، وتعيين الملا أختر منصور خلفاً له، بعدما رفضت قيادات بارزة في "الحركة"، من بينهم نجل الزعيم الراحل، الملا يعقوب وشقيقه الملا عبد المنان، زعامة منصور. ارتفاع وتيرة هذه الخلافات التي بلغت أوجّها، توشك أن تطيح بوحدة "الحركة" وتماسكها، كما حصل لسابقاتها من الحركات الجهادية بعد وفاة مؤسسيها، ما لم يتم احتواء الخلافات، بحسب مراقبين.

وبعدما فشلت جميع المحاولات، بما فيها جهود علماء باكستان التي قادها عالم الدين والسياسي البارز في البلاد، المولوي سميع الحق، المعروف بالأب الروحي لـ"طالبان"، كونه يدير جامعة "حقانية" التي تخرّجت منها معظم قيادات "طالبان"، لم يعد أمام "الحركة" خيار سوى جمع علماء الدين الأفغان وبعض قيادات "الحركة" لإيجاد حلّ للمعضلة، ولا سيّما أنّ معظم التنظيمات الجهادية في المنطقة، التي كان يحق لها أن تقوم بدور الوساطة لحلّ الخلافات، كتنظيم "القاعدة" و"شبكة حقاني"، قد انحازت إلى جهة دون أخرى، ما أدى إلى استفحال القضية وتعقيدها أكثر.

وعقب إعلان الحكومة الأفغانية في 29 يوليو/تموز الماضي وفاة الملا عمر في أبريل/نيسان 2013 وتأكيد "الحركة" الخبر بعد يوم واحد، سارعت الأخيرة إلى إعلان رئيس مجلس شورى "الحركة" آنذاك، الملا أختر منصور خلفاً للملا عمر وأميراً للمؤمنين، على حدّ وصفها. وشددت الحركة على أنّ جميع فصائلها بايعت الزعيم الجديد. لكن بعد يومين أصدر شقيق الملا عمر، الملا عبد المنان، تسجيلاً صوتياً، رفض فيه أن يكون الملا منصور قد تم تعيينه من قبل شورى "الحركة"، داعياً الملا منصور وقيادات طالبان إلى الاجتماع مجدداً بهدف تعيين خلف للملا عمر. بيد أن الملا منصور رفض ذلك، معتبراً نفسه أميراً شرعياً، تم تنصيبه وفق معايير الشريعة ودستور"الحركة"، بحسب قوله.

منذ ذلك الوقت، قسّم الخلاف حركة "طالبان" إلى ثلاثة فرق رئيسية هي، فريق الزعيم الحالي، الملا منصور ومعه أعضاء من المجلس السياسي المعروف بمجلس شورى "طالبان"، و"شبكة حقاني"، إذ تمّ تعيين زعيمها الحالي، الملا سراج الدين حقاني نائباً لمنصور، كما بايع تنظيم "القاعدة" وزعيمه أيمن الظواهري الملا منصور.
أما الفريق الثاني فيتألّف من أسرة الملا عمر التي يمثّلها نجله الملا يعقوب وأخوه الملا عبد المنان، بالإضافة إلى المستشار الخاص للملا عمر، الملا محمد سرور، والقياديين البارزين، الملا حسن رحماني والملا عبد المنان نيازي. فيما يمثّل الفريق الثالث قادة ميدانيون وفي مقدمتهم الرئيس السابق للمجلس العسكري، الملا عبد القيوم ذاكر.

وفيما يحاول الأخير تعيين زعيم جديد لـ"الحركة"، معارضاً تعيين الملا منصور، يحاول الفريق الثاني تعيين نجل الملا عمر، الملا يعقوب زعيماً لـ"الحركة"، إلّا أنّ أنصار منصور يرفضون كلا الرأيين، ويتمسكون بزعامته. في هذا الصدد، عقدت اجتماعات عدة خلال الأيام الماضية في مدينة كويتا الباكستانية، شارك فيها مئات من قيادات الحركة وعلماء الدين محاولين احتواء الخلافات بين الزعيم الحالي ومعارضيه. وبعدما باءت كل تلك الجهود بالفشل، انبثق عن الاجتماعات فكرة تشكيل لجنة أُطلق عليها اسم "لجنة حقانية" بزعامة المولوي أحمد، شقيق الملا محمد رباني، نائب الملا عمر ورئيس شورى "طالبان" منذ تأسيس الحركة حتى وفاته في مارس/آذار2001.

ويشير مصدر مقرب من "الحركة" لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تشكيل لجنة حقانية يهدف إلى حلحلة الخلافات الداخلية بين طالبان المؤلفة من 17 عالم دين"، مشيراً إلى أنّ اللجنة عقدت لقاءات مكثّفة مع جميع قيادات "الحركة"، لكن تبقى العقبة الأساسية، في أنّ زعيم "طالبان" الحالي يعتبر نفسه أميراً شرعياً، ولا يقبل أي نقاش أو وساطة في هذا السياق.

ويلفت المصدر إلى أنّ "الملا منصور طلب من اللجنة أن تمنحه فترة زمنية لاستشارة محيطه"، موضحاً أنّ الملا منصور لا يبدو مستعداً للتخلي عن الزعامة، أو حتى مجرد النقاش في هذا الشأن، فيما يصرّ القادة المناوئون لمنصور، على اختيار زعيم جديد وفق معايير الشريعة وما وضعته "الحركة" من البنود لاختيار زعيم شرعي لها.

اقرأ أيضاً: شقيق الملاعمر يحذّر من اندلاع حرب داخلية في طالبان

مجدداً، عاد شقيق الزعيم الراحل، الملا عبد المنان، وحذّر من اندلاع حرب داخلية في "طالبان" إذا ما استمر زعيم الحركة الحالي، الملا منصور في التغاضي عن رأي المناوئين له، وإذا لم يتم تعيين خليفة الملا عمر من جديد. وكشف الملا عبد المنان، في حوار له مع صحيفة "إكسبرس تريبيون" الباكستانية، يوم الأربعاء الماضي، عن أنباء موثوقة تؤكد أنّ "الملا أختر منصور يعتزم إصدار فتوى ضد كل من يعارض زعامته، وهو ما سيشعل فتيلة حرب داخل الحركة لا تحمد عقباها"، محذّراً مقاتلي "الحركة" من أخذ مثل هذه الفتاوى على محمل الجد، ومن العمل بها.

وقال الملا عبد المنان، إنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على تعيين خليفة الملا عمر، موضحاً أنّ عدداً كبيراً من قيادات "الحركة" يرفضون زعامة الملا منصور، ويطلبون منه التنحي بهدف الحفاظ على تماسك "الحركة" ووحدتها. وأعرب الملا عبد المنان عن خشيته من اندلاع حرب داخلية بين فصائل "الحركة" المؤيدة للملا منصور والمعارضة له، داعياً زعيم "طالبان" إلى تلبية ما تطلبه قيادات بارزة ومهمة في "الحركة".


وأشار الملا إلى أن الوصول إلى الأهداف المنشودة للإمارة الإسلامية لا يمكن إلا بعد تعيين زعيم جديد للحركة وباتفاق الجميع. وفي معرض جواب عن سؤال الصحيفة، أكّد شقيق الملا عمر أن الملا منصور كان نائب الملا عمر في حياته من دون شك، لكن التطورات الأخيرة وبالتحديد تعيينه بهذه السرعة، ومن دون موافقة كل القيادات، أثار خلافات داخل فصائل الحركة، لافتاً إلى أنّ "الإمارة الإسلامية لها أهداف مقدسة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد الإجماع على موضوع الزعامة".

وعلى الرغم من كل التحذيرات والخلافات، تواصل "اللجنة" أعمالها من خلال اتصالات بالأطراف المعنية، إضافة إلى القيادات الأخرى التي أعلنت انشقاقها سابقاً عن "الحركة"، مثل جبهة الفدائيين، والملا منصور داد الله، والملا معتصم. وتأمل اللجنة، كما يدعي رئيسها الملا أحمد، أن تنجح في احتواء الخلافات الداخلية بين قيادات "الحركة" في القريب العاجل.

بيد أنّ مراقبين يرون أنّ بين إصرار الملا منصور على كونه أميراً شرعياً، وإصرار معارضيه على تعيين زعيم جديد لـ"الحركة" قد تتعقد الأمور أكثر، ما سيعرّض الحركة المعروفة بالتماسك والوحدة إلى انقاسامات داخلية حادة تقود إلى حلّها. ويعتبر مراقبون أنّ استمرار الخلافات يصبّ في مصلحة الحكومة الأفغانية، لا سيما أنّ هناك تقارير تشير إلى أن بعض قيادات "الحركة" تمكّنت من إبرام صفقة مع الحكومة، بوساطة قيادات انشقوا عنها سابقاً، مشيرين إلى أنّ بعض من أعربوا عن استيائهم إزاء إخفاء الحركة" نبأ وفاة الملا عمر، وتعيين خلف له بهذه السرعة، قد يبتعدون عن الساحة. يُذكر أنّ من بين الذين تنحّوا عن الحركة، رئيس المكتب السياسي في الدوحة، أحد المقربين من الزعيم الراحل، الملا طيب آغا. وأعلن الأخير الاستقالة من منصبه، اعتراضاً على إخفاء الحركة نبأ وفاة الملا عمر، ثم تعيين الملا منصور على عجل وخارج أفغانستان.

وبينما يدعي المتحدث باسم الزعيم الحالي لـ"طالبان"، الملا عبد الحي مطمئين، أنّ الملا منصور زعيم شرعي للحركة، وقد تم تعيينه من قبل معظم قيادات الحركة، يشدّد المعارضون لانتخاب منصور، على أنّ مئات القيادات العسكرية والميدانية في الحركة، وفي مقدمتهم، الملا عبد القيوم ذاكر، الرئيس السابق للجنة العسكرية، قد انضموا إلى الجبهة المعارضة، ويطالبون بتعيين خليفة الملا عمر من جديد، ومن خلال شورى يسمونها بـ"شورى أهل الحل والعقد"، كما ينص عليه دستور "طالبان".

ويعتبر مراقبون أنّ الضرر الأكبر الذي ستخلّفه هذه الأزمة، يكمن في عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من أن المولوي سميع الحق، قد أعلن، يوم السبت الماضي، أنّ "طالبان" مستعدة لاستئناف الحوار مع الحكومة الأفغانية، إلّا أن هناك من يستبعد ذلك، ويرى أن الحوار في الوقت الراهن أمر غير وارد، ولا يمكن إجراؤه حالياً.

اقرأ أيضاً: خلافات وانشقاقات تعصف بـ"طالبان" بعد تعيين الملا منصور

المساهمون