سورية: تعثّر خطة دي ميستورا يعيد الحسم إلى الميدان

سورية: تعثّر خطة دي ميستورا يعيد الحسم إلى الميدان

23 اغسطس 2015
الحل السياسي مرتبط بحسم المعركة على الأرض(فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن التحركات السياسية الأخيرة التي قامت بها روسيا مع السعودية ودول الخليج وإيران لم تجدِ نفعاً. أُغلقت من جديد "النافذة الصغيرة" في إيجاد حل سياسي في سورية، في حين لم تلقَ الخطة الإيرانية "المعدّلة" أي آذان صاغية لدى الدول الفاعلة في الملف السوري. يأتي ذلك، مع استمرار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بمتابعة تلقي أسماء مرشحي النظام والمعارضة للمشاركة مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في مجموعات العمل الأربع التي تباشر أعمالها منتصف سبتمبر/ أيلول المقبل.

يبدو الموضوع السوري معلّقاً بين نجاح دي ميستورا بالالتفاف على بيان جنيف والسير بخطته التي تبنّتها الأمم المتحدة رسمياً، وبين الحسم العسكري الذي لمّحت إليه السعودية، وتسير فيه تركيا من خلال المنطقة الآمنة التي اصطلح على تسميتها "منطقة خالية من داعش".
خطة المبعوث الأممي، التي تتضمن مجموعات العمل الأربع (السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار)، والتي تعمل بالتوازي وتضمّ ممثلين عن النظام وممثلين عن المعارضة وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، سيكون حسم نتائج قراراتها بيد الأخيرة، أي المنظمات التي سيتم اختيارها من قبل المنظمات السورية المرخّصة من قبل النظام والتابعة له أصلاً. وهو الأمر الذي ينذر بنسف كل بيان جنيف. كما يُستبعد أن تقبل به المعارضة السورية والدول التي تدعمها، ما يرجّح خيار الحسم العسكري الميداني، انطلاقاً من المنطقة الآمنة، شمال سورية.

وأصدر الائتلاف السوري المعارض بياناً، أمس السبت، باسم هيئته السياسية، قال فيه إن أجوبة فريق دي ميستورا على الأسئلة والتوضيحات التي طرحها أعضاء الائتلاف أثناء لقائهم به، "لم تكن كافية لتبدّد هواجسنا حول مسائل عدة". وجاء البيان بعدما استمعت هيئة الائتلاف السياسية من فريق دي ميستورا إلى شرح عن مسار تطبيق ما ورد في تقريره إلى مجلس الأمن الدولي في 29 يوليو/ تموز الماضي، وعن البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الدولي في 17 أغسطس/ آب الحالي.

ولخّص الائتلاف ملاحظاته على خطة دي ميستورا بطول الفترة الزمنية لمسار العمل المقترح، والتي أشار البيان فيها إلى أنّ النظام السوري سيستفيد من هذا الوقت لتعويم نفسه وتعزيز مكاسبه على الأرض، كما حصل في تجارب سابقة. 
كما أوضح البيان أنّ مسودة الخطة المقترحة يضيع في طياتها الهدف المنشود من بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وهو الاتفاق على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، مشدداً على أن "المجتمع الدولي لا يزال يتهرّب من مواجهة أساس المشكلة، الذي يكمن في تحقيق الانتقال السياسي الجذري والشامل من دون وجود الأسد وعصابته في المرحلة الانتقالية وما بعدها".

واستنكرت الهيئة، في بيانها، "ما يجري من تشويه لإرادة الشعب السوري من خلال الانتقائية في اختيار ممثليه، في الوقت الذي لم يعد فيه هناك من شك في شرعية تمثيل قوى الثورة والمعارضة، كما حدث في مشاورات جنيف في مايو/ أيار الماضي"، لافتاً إلى أن "أي عملية سياسية لا يمكن لها النجاح، إلا إذا تمتعت بالنزاهة والحيادية في مصداقية التمثيل، وابتعدت عن أي إملاء أو محاولة تصنيع مسبق وخارجي".

ويكشف مصدر مطلع في "الائتلاف" لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "جميع التحركات التي مرّت في الفترة السابقة باءت بالفشل، لا سيما التقارب السعودي الروسي، الذي أفضى إلى أول تواصل مباشر بين رئيس مكتب الأمن القومي السوري، ممثل النظام، اللواء علي مملوك والمملكة في جدة. وأضاف المصدر أنّ المعارضة المتمثلة بـ"الائتلاف"، قلقة من خطة دي ميستورا، وحتى الآن لم تتخذ القرار في المشاركة بمجموعات عمل دي ميستورا الأربع من عدمها، لكنها قد تجد نفسها مرغمة على المشاركة، وخصوصاً بعد صدور البيان الرئاسي من الأمم المتحدة الذي تبنى خطة المبعوث الأممي.

اقرأ أيضاً: الأزمة السورية: جهد دبلوماسي كبير والنتيجة تصعيد ميداني

ويشكك المصدر بما "يبيّته المبعوث الدولي الذي يسير في ظلال روسيا نحو المعارضة السورية"، على حد قوله. ويرى المصدر أن "دي ميستورا نسف بيان جنيف، ويؤسس الآن لقاعدة جديدة للحل السياسي"، لافتاً إلى أن تحقيق مطلب رحيل الأسد ضمن مجموعات العمل الأربع التي تؤسس لمرحلة المفاوضات بات ضئيلاً "مع وجود طرف ثالث سيرجّح الكفّة ضمن المجموعات، التي سيقوم باختيارها فريق دي ميستورا من قبل النقابات السورية، والتي تتبع ضمناً للنظام السوري".

ويلفت المصدر إلى أن "المعارضة تعتمد اليوم على مدى التزام أصدقائها بدعمها والوقوف إلى جانبها لتحقيق مطالبها المتمثلة بتطبيق بيان جنيف القاضي بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، والتي تفضي إلى رحيل الأسد عن السلطة، وتتشاطر المعارضة بهذا الطلب مع عدد من الدول الإقليمية وفي مقدمتها السعودية وتركيا وقطر".

على صعيد آخر، يبدو التغيّر اللافت بمساعي روسيا هو ترحيب إيران بخطة دي ميستورا التي تبناها مجلس الأمن. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، في تصريح نشرته وكالة "إيسنا" للأنباء يوم الجمعة الماضي، إنه "يمكن أن نعتبر هذه الخطة الجديدة خطوة للأقطاب الإقليميين والدوليين من أجل تفهّم أفضل للحقيقة ميدانياً وعلى الصعيد السياسي".

في المقابل، أظهر المؤتمر الصحافي بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، حجم الاختلاف بين وجهة نظر البلدين حيال مصير الأسد في مستقبل سورية. وقد تبيّن تمسك الروس بالدفاع عن النظام ورئيسه بشار الأسد حتى النهاية. وقد ترجم الروس هذا التمسك بتزويد النظام بطائرات متطورة، كرسالة تطمين للنظام على ثبات مواقفهم تجاهه وكدليل على فشلهم بأخذ دور الوسيط في العملية السياسية في سورية.

وكان الجبير قد أكّد قبل ذهابه إلى موسكو، تمسُّك بلاده بموقفها من المسألة السورية. وطرح رسمياً خياراً عسكرياً لإسقاط الأسد، لكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام روسيا، حين أعلن رغبة المملكة في الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية المدنية والعسكرية، مشدداً على أنّ الحل السياسي الوحيد في سورية يكمن في العودة إلى مقررات جنيف وإطلاق عملية انتقالية تشمل صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات تؤدي إلى حكومة منتخبة "لا تضمّ بشار الأسد". وأضاف الجبير أنّ النظام السوري أمام خيارين، "إمّا عملية سياسية وانتقال سلمي للسلطة، وصولاً إلى سورية جديدة من دون الأسد، أو خيار آخر سيكون عسكرياً ينتهي بهزيمة الأسد".

يبقى أن إعادة فتح شق صغير في نافذة الحل السياسي في سورية سيكون مرتبطاً بالوضع الميداني على الأرض مع المطالبة بتطبيق بيان جنيف، وهذا ما سيعيد الجبهات إلى الاشتعال مرة أخرى بما في ذلك المضيّ قدماً في إقامة المنطقة الآمنة التي تم اتخاذ قرار كامل فيها وستكون تحت شعار "منطقة خالية من تنظيم داعش".

اقرأ أيضاً: خطة دي ميستورا لدفع النظام والمعارضة لتوقيع "جنيف المعدَّل"